موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٤ أغسطس / آب ٢٠١٧
تديين الحقد لا يفيد

إميل أمين :

هل أضحى العالم بشكل عام والولايات المتحدة بنوع خاص أمام استحقاق حذرت منه واحدة من أهم وأقدم المجلات الغربية «لا تشيفيلتا كاتوليكا»، الأيام القليلة الماضية؟

الاستحقاق الذي نتحدث عنه يسميه أنطونيو سبادارو رئيس التحرير ’مسكونية الحقد‘، والناجم عن الشكل المسكوني الغريب الذي يعتمده بعض المتعصبين من التيارات المسيحية اليمينية أوروبيًا وأميركيًا.

هذا الشكل ولا شك وجد أرضية خصبة من النوازع القومية والشوفينية السنوات الماضية، وعمل كثيرًا على التأثير المباشر على الحياة السياسية، واجتهد في تحريف المعنى الحقيقي للدين والإيمان، عطفًا على تشويه صورة المهاجرين والمسلمين حسب تعبير «سبادارو» ولهذا بات التداخل السياسي والأخلاقي والديني لغة مانوية تقسم الواقع بين خير مطلق وشر مطلق، في حين أن الحياة زاخرة بدرجات متعددة من الألوان الرمادية.

المجلة التي نحن بصددها هي أهم مجلة في العالم الكاثوليكي والذي يبلغ مليار وثلاثمائة مليون شخص حول العالم منتشرين في كافة بقاع وأصقاع العالم، وعندما ترفع عقيرتها بالتحذير من هذا المشهد، فإن الخطب جلل ولا شك، سيما أن هذه الروح قد تسبب تقليص عدد جماعة المؤمنين، وتحولهم إلى جماعة محاربين، وعوضاً عن فتح آفاق الحوار والتلاقي بين أتباع الأديان والحضارات والثقافات المختلفة، نراها تشجع على مسكونية الصراع، والتي تعد الرحم والحاضنة التي من خلالها ستولد مسكونية الحقد، مما يجعل نهار العالم قلقًا وليله أرقًا.

في منتصف تموز الماضي نشر مسؤول محلي في شمال ولاية ميشيغان الأميركية جيف سيتينغ عبر صفحته على «فيسبوك» عدة منشورات تندد بالدين الحنيف والمسلمين، وتحرض على قتلهم حتى آخر مسلم.

أحد منشورات «سيتينغ» يقول إن: «المسلمين مدمرون ولا مكان لهم في عالمنا»، فيما منشور آخر يدعو إلى «استخدام الأسلحة النووية ضد أكثر عشر مدن اكتظاظاً بالمسلمين، إضافة إلى الأماكن الإسلامية المقدسة».

الحادثة المتقدمة ليست الفريدة من نوعها، فقد سبقتها إشكالية أخرى تؤكد أن «مسكونية الحقد» تكاد تشعل حرائق لا قبل لأحد بإطفائها؛ نيران كراهية في القلوب والصدور، لا تلبث أن تلتهم الأخضر واليابس على الأرض.

عبر تقرير نشر على موقع The Daily Beast نقرأ تقريراً حول تلقي سكان قرية تدعى «إسلامبيرغ» بولاية نيويورك تهديدات بالقتل من قبل متعصبين يمينيين أميركيين يطلقون على أنفسهم اسم «براود بويز Proud Boys» والاسم كما يتبدى تشمله عنصرية الفخر بالقوة سيما أنها جماعة أقرب ما تكون إلى نادٍ للعراك الأبيض اليميني المتطرف حسبما يشير مركز قانون الفقر الجنوبي.

والثابت أن تلك الجماعة العنصرية قد بدأت معاركها مع أشخاص مناهضين للفاشية في المسيرات العامة وعليه بات التساؤل: هل سيكون المطلب التالي لها هو الاشتباك الجسدي مع المسلمين في تلك القرية ثم إلى ما وراءها في عموم البلاد؟

هناك من أسف شديد من يغذي تلك التيارات اليمينية في الولايات المتحدة الأميركية بصورة خاصة، وهنا يلعب الإعلان الموجه دوراً كارثياً في قيادة الجماهير، وليس أدل على شيوع الاتجاهات الساعية في طريق «مسكونية الحقد» من نتائج استطلاع الرأي الأخيرة، التي جرت حول عدد المشاهدين للقنوات الأميركية الكبرى في الفترة ما بين 26 حزيران و2 تموز المنصرم، إذ احتلت شبكة «فوكس نيوز» اليمينية التوجه صدارة المشاهدين، وتفوقت بجدارة هائلة على الشبكة الإخبارية الأولى في أميركا CNN، التي جاءت في المرتبة الثالثة عشرة.

الأمر لم يتوقف عند حدود القنوات التلفزيونية، بل امتد إلى الصحف الكبرى، والموضوعية فيها مثل «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» والتي تراجع عدد قرائها ومدخولها المالي لصالح تلك التي تذهب في طريق شيطنة الآخر.

هنا يقول قائل: «إن ما نراه في أميركا وأوروبا حالياً ليس إلا انعكاساً لما يجري في العالم العربي والشرق الأوسط من مشاهد توحش (داعش) والمجازر التي يتعرض لها غير المسلمين من مسيحيين وإيزيديين وغيرهم؟

الثابت أو الصورة التي ملأت الشاشات العامين الماضيين لا علاقة لها بحقيقة المشهد الإسلامي، وهذا ما خلصت إليه دراسة أميركية حديثة قام بها الباحث في جامعة «رايس» بولاية تكساس الأميركية البروفسور كريغ كونسيدين.

يقول الباحث الأميركي إن التعاليم الإسلامية الصحيحة تتضارب مع اضطهاد تنظيم داعش للمسيحيين، مشيرأ إلى أن النبي محمد صاى الله عليه وسلم وصحابته وأتباعه كانوا يحمون المسيحيين الذين عاشوا بينهم ويدافعون عنهم. ويضيف أن رؤية الإسلام للآخر تتفق ومبادئ التعددية الدينية والحقوق المدنية «لهم ما لنا وعليهم ما علينا».

ويعتبر الباحث الأميركي أن الجذور الإسلامية غير المغشوشة تعد أفضل علاج لداء التطرف الإسلامي من جهة ولمواجهة تيار الإسلاموفوبيا من ناحية ثانية، وهذا ما يحتاجه المجتمع الأميركي والعالم كله الآن أكثر من أي وقت مضى.

تجزم مجلة «الحضارة الكاثوليكية»، ذائعة وشائعة الصيت أن (مسكونية الحقد)، سببها الخوف من الإسلام ومن المهاجرين والخوف بالتالي سيكون الدافع إلى بنيان جدران التعصب والأحقاد، وهذا النوع من الدعوة يعارض بشدة المسكونية التي يدعو إليها البابا فرنسيس بابا روما تلك التي تروج لبنيان الجسور وإقامة وشائج المحبة، وفتح مسارب للتلاقي والانفتاح.

منذ عام 1962 وقت المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني وصدور وثيقة Nostra Aetate والدعوة لفرح الالتقاء مع الآخر قائمة، لكن هناك من يريدون إطفاء نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون.