موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٩ يوليو / تموز ٢٠١٣
بين القدس وروما: هل سيؤثر فرنسيس على العلاقات بين الكاثوليك واليهود؟

يوئيل كوهين - أليثيا :

في عالم السياسة، تكون الأيام المئة الأولى لسياسي منتخب حديثاً فترة اختبار. ولكن، في الجماعات اللاهوتية، كانت هناك عادة فترة أطول. وإنما ليس في حقبة وسائل الإعلام العالمية: فكما تظهر الجلبة – الجذل في الواقع – التي أثر من خلالها انتخاب البابا فرنسيس على الكاثوليك حول العالم، لم يعد يتمتع اللاهوتيون في وسائل الإعلام بفترة من عدم الانتقاد، لكنهم بدلاً من ذلك يُفحصون بدقة منذ أيامهم الأولى في مركز السلطة.

حتى بالنسبة إلى غير المسيحيين منهم اليهود الإسرائيليين، لم يكن انتخاب البابا فرنسيس حدثاً غير ملاحظ. ولكن، فيما تمت متابعة التغيير البابوي عن كثب في الأوساط الرسمية في إسرائيل، ومن قبل الملتزمين بالحوار بين الأديان، من الخطأ المبالغة باهتمام اليهود في الشارع الإسرائيلي بالتغير الحاصل في الفاتيكان أو أهميته.

الغريب أن انتخاب فرنسيس حصل بعد خمسين سنة من إصدار إعلان "في زماننا هذا" الذي عفا الشعب اليهودي من أي مسؤولية عن قتل المسيح أو موت يسوع. منذ ذلك الحين، التزم اللاهوتيون والزعماء الكاثوليك واليهود بالحوار بين الديانتين الذي توج بنشوء علاقات دبلوماسية سنة 1993 بين الكرسي الرسولي ودولة إسرائيل. كما اتسمت حبريتا يوحنا بولس الثاني وبندكتس السادس عشر بأجواء جيدة تحققت مثلاً في زيارتهما إلى الأراضي المقدسة – في الحالة الأولى، توجت احتفالات الألفية.
ولكن، من الخطأ تجاهل الفجوات اللاهوتية العميقة القائمة بين الديانتين. ففي حين أن الفاتيكان يعترف اليوم بالأصول اليهودية للديانة المسيحية، إلا أنه لا يمكن التغاضي عن الاختلافات العقائدية. من حيث التعريف، ترى المسيحية نفسها خليفة اليهودية، الأمر الذي يرفضه اليهود حتماً إذ يرون اليهودية اليوم كالديانة الحقيقية التي لا تقل شأناً عما كانت عليه لدى إعطاء الوصايا العشر على جبل سيناء قبل آلاف السنين. وعقائدياً، لا ترتاح اليهودية التقليدية – التيار الديني السائد في إسرائيل – لفكرة الثالوث التي تعتبرها غير متفقة تماماً مع التوحيد الحقيقي – بخلاف الإسلام مثلاً الذي يشعر معه الشرعويون اليهود بالارتياح. إذاً، ما الذي سيحققه انتخاب فرنسيس لإسرائيل والشعب اليهودي؟

على الرغم من الاختلافات الجوهرية، نما حوار بين الديانتين – يعكس حسن نية الطرفين نحو فصل جديد في العلاقات – حول سلسلة من المسائل كالبيوأخلاقيات والمشاكل البيئية.

توجد مسائل ثنائية غير محلولة بين الكرسي الرسولي والحكومة الإسرائيلية، بما فيها مسائل تقنية منها فرض الضرائب على أملاك الكنيسة في الأراضي المقدسة (حيث تقع كنيسة القيامة في القدس، وكنيسة البشارة في الناصرة، وكنيسة المهد في بيت لحم). وتتعلق إحدى المسائل الأخرى بتأشيرات الدخول للإكليروس الكاثوليك والإكليروس المسيحيين الآخرين. إنها مسألة مهمة نظراً إلى الشكوك الإسرائيلية (المبررة أحياناً) بشأن الإكليروس في الأراضي العربية المعادية.

الغريب هو أن فرنسيس كلاهوتي كاثوليكي محافظ – وكسلفه – يجد بعض الراحة مع "أبناء الكتاب المقدس". وعندما كان الكاردينال خورخي ماريو بيرغوليو رئيساً لأساقفة بوينس آيرس، كان له تاريخ من العلاقات الوطيدة مع الجماعة اليهودية. فقد صاغ في كتاب حواراً مع الحاخام أبراهام سكوركا الذي يرأس معهداً لاهوتياً حاخامياً في المدينة. وكان أول شخصية رسمية تدعو لتوقيف المسؤولين عن تفجير مركز الجماعة اليهودية في بوينس آيرس الذي حصل سنة 1994 وقتل فيه 85 شخصاً. لقد قبل فرنسيس دعوة لزيارة الأراضي المقدسة. ما الذي يمكن توقعه غير ذلك، نظراً إلى تغيرات العلاقات بين الفاتيكان وإسرائيل على مدى السنوات الخمسين الأخيرة؟

هل ستتميز العلاقة مع القدس خلال حبريته بتغيير في الأسلوب أكثر منه في المضمون؟

سيصدر بالتأكيد دليل ما من ردة فعل فرنسيس في حال حدوث أعمال عنف مستقبلية بين فلسطين وإسرائيل.

من الواضح أن طبع فرنسيس الودود والإنساني والمتواضع يجعله محبوباً من قبل الجميع، ومن قبل اليهود أيضاً. مع النزعة المعادية للسامية، الظاهرة المتنامية على الإنترنت، سيكون إسهام فرنسيس مهماً – حتى وإن كان التهديد الرئيسي للنزعة المعادية للسامية في القرن الحادي والعشرين هو أقل في العالم المسيحي وأكثر في البلدان الإسلامية.

إن أحد المجالات الذي قد يتم الإحساس فيه بعلامة فرنسيس يتعلق بإعطاء أهمية لاهوتية أعظم لموقف الفاتيكان حول الضفة الغربية أو يهودا والسامرة التي تم الاستيلاء عليها في الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1967. تقع يهودا والسامرة ضمن نطاق إسرائيل البيبلية الأصلية التي وعد بها الله لذرية إبراهيم. منذ سنة 1977، وانتخاب حكومة بغين، انتقلت إسرائيل بلا تردد إلى اليمين، بعيداً عن موقف حزب العمل بتسليم الأراضي مقابل السلام. قد يتطلب المزيد من الاعتراف بحقوق اليهود بإسرائيل البيبلية، معارضة المطلب السياسي الغربي حول انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية ومسألة الوطن الفلسطيني الإنسانية. ومن مصلحة الفاتيكان عدم اتخاذ خطوات قد تعرض الجماعات المسيحية للخطر في الأراضي العربية؛ فإن هذه الخطوة لا تناقض بالضرورة مصلحة الفاتيكان بحماية أملاك الكنيسة التي لطالما كانت الأساس التاريخي لدعوته إلى "تدويل" الأملاك. ومع ذلك، فإن القضية اللاهوتية لإسرائيل البيبلية اعتمدت من قبل بعض الكنائس الإنجيلية، مثلاً في الولايات المتحدة، مع الإيمان بأن مجيء يسوع الثاني مشروط بعودة اليهود إلى الأراضي المقدسة. ولكن، هل يشكل اتخاذ طوائف غير كاثوليكية لهذا الموقف سبباً لعدم دعمه؟

إذاً، يتساءل اليهود الإسرائيليون: ما الذي سيكون الخط الأحمر بين الكنيسة واللاهوتي؟