موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٧
بين الإلزام والالتزام

د. صلاح جرّار :

قد يتوهّم بعض الناس أنّ الحريّة نقيض للالتزام، لأنها قد تعني التحرّر من أيّ ضابط يقيّد المرء ويحدّ من سلوكه واختياراته، والصحيح أنّ الأمر على غير ذلك، فالحريّة هي أهمّ دافع من دوافع الالتزام لأسباب كثيرة، أهمّها أنّها نقيض العبودية التي هي مقترنة بالإلزام، فإذا كان الإلزام مرتبطاً بالعبودية فمن الطبيعي أن يكون الالتزام مرتبطاً بالحريّة، لأن الالتزام هو خيار شخصي تعبق منه أنفاس حريّة الاختيار.

وإذا كان الالتزام خياراً ذاتياً شخصياً يمثّل ميول الشخص لما يحبّه، فإنّ ذلك يعني أن الالتزام محبّبٌ للنفس، لانّ الإنسان عند ذلك يختار التزامه وفق ما يحبّ، لأنّ الحريّة تتيح له أصلاً أن يختار ما يحبّ في كلّ شيء في مأكله وملبسه ومسكنه ومشربه وسلوكه ومعتقده وأفكاره، بل إن حبّه لما يختاره يجعله أكثر حرصاً على الالتزام بما يحبّ ومن هنا تكون الحريّة دافعاً من دوافع الالتزام.

وإذا كان الإنسان الحرّ بطبعه يميل إلى الالتزام بما يختار وما يحبّ، فإنّ الالتزام بما يخدم مصالح الأمّة يتطلب توفيراً لحريّة أبنائها من جهة، وتوفيراً للأسباب التي تؤدي إلى حبّ هؤلاء الأبناء لما يصبّ في مصلحة الأمّة. إنّ اجتماع الحريّة والالتزام والحبّ هو اجتماع لعناصر مهمّة من الجمال والسعادة، لا يمكن أن يسفر إلاّ عن مصلحة كلّ من تجتمع لديه هذه العناصر.

وعلى ذلك، فإنّ الأمّة التي تبحث عن مصالحها في الحاضر والمستقبل وتسعى إلى طيب العيش و الأمن والاستقرار لا بدّ لها من توفير أجواء الحريّة لأبنائها وتوفير الأشياء التي يحبّونها ويميلون إليها ويلتزمون بها. وهذا كلّه في نهاية المطاف باعث من بواعث الإنتاج والازدهار والتقدّم للمجتمع ولأبنائه كافّة.

إنّ الفرق بين القوانين والتشريعات الملزمة وبين الأخلاق والقيم المؤدية إلى الالتزام فرق كبير، فالشخص الذي يريد أن يتجاوز القوانين لا يعدم وسيلة لفعل ذلك، أمّا الشخص الملتزم فليس بحاجة إلى قوانين كي يسلك السلوك الذي يعود بالمصلحة عليه وعلى مجتمعه، ولذلك نجد في بعض البلدان قوانين لا تعدّ ولا تحصى ولكن نجد فيها أيضاً فساداً لا يعدّ ولا يحصى، بينما نجد في بلدان أخرى قوانين قليلة، غير أنّ الناس تلتزم بها وبالأخلاق والقيم وبروح القوانين من تلقاء ذاتها، وتسير الحياة فيها على أفضل ما يكون.

إنّ أزمة بعض البلدان التي تعاني من الفقر والفساد والتخلّف هي أزمة أخلاق وقيم وليست أزمة قوانين، وعلى ذلك فإنّ الدولة التي تعمل على ترسيخ القيم والمبادئ والأخلاق من خلال التعليم والإعلام والثقافة وإيجاد القدوة الصالحة هي الدولة التي تملك مفاتيح التقدّم والتطوّر.

(نقلا عن الرأي الأردنية)