موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٢ فبراير / شباط ٢٠١٩
بلاء التحرش بالأطفال.. إنها معركة البابا فرنسيس ضد الإساءات والصمت

بقلم: دومينيكو أجاسو ، ترجمة: منير بيوك :

بناءً على طلب رئيسها، تتوقف الكنيسة الكاثوليكية اليوم عن العمل، وستظل "على ركبتيها" لمدة أربعة أيام. ومع إدراكها بالتغطية الإعلامية العالمية لساحة القديس بطرس، فإنها ستضع جزءًا كبيرًا من مصداقيتها على أرض الواقع. فبحضور البابا فرنسيس، اجتمع، لأول مرة على الإطلاق، مئة وتسعون رئيسًا كنسيًا من جميع أنحاء العالم (بدءًا بـمئة وأربعة عشر رئيسًا للمجالس الأسقفية مع كرادلة ورؤساء الرهبانيات) للتفكير، وللصلاة، وللمناقشة، ثم للعمل على معالجة أكبر بلاء يصيب الإكليروس: إنه الإساءة إلى الأطفال واستغلالهم. فلا لبس بخطة العمل التي أشار إليه الحبر الأعظم التي تتمثل بالحزم المطلق مع بعض كلمات أساسية وهي الوعي، واللباقة، والمساءلة، والشفافية. يريد برجوليو، أولاً وقبل كل شيء، أن يدرك الأساقفة معاناة الضحايا، ومن ثم تعريف كل أسقف بمسؤوليته الخاصة في مواجهة الشائعات أو التقارير عن سلوك إجرامي أو غير لائق. الهدف من ذلك هو أن يعود كل أسقف إلى موطنه بعد أن اتضح له ما يجب القيام به (وما لا يجب القيام به) في مواجهة هذه القضايا. إنه الوضوح بخصوص الإجراءات والمهام التي يجب اتباعها على مستويات مختلفة.

المسؤولية المشتركة

قضية أخرى حاسمة، هي المساءلة. يجب إيجاد نظام "المساءلة المشتركة" بين الكنائس المحلية والكرسي الرسولي. فعلى أرض الواقع، يقوم الأساقفة من الناحية النظرية بإعطاء تقرير إلى البابا. لكن من الناحية العملية لا يستطيع الحبر الأعظم التعامل مع كل شيء في وقت معقول، لذا سيكون من الضروري فهم كيفية ترتيب درجات التدخل المختلفة واتخاذ القرار. بالتأكيد سيتعين على الأسقف أيضًا أن يقدم تفسيرًا لتصرفاته التي قام بها والتي لم يقم بها. كل هذه المجموعة من الأهداف تفترض مسبقًا "الشفافية في المهام، والإجراءات، والسبل"، التي يعترف بها الكرسي الرسولي.

كثيرًا ما كنا نفتقر إلى الشفافية. ولهذا السبب أيضًا يشعر الفاتيكان بالضغوط الملقاة على عاتقه بشكل خاص، حيث تمتلىء قاعة الصحافة بالصحفيين على غرار الأيام التي تبعت استقالة البابا بندكتس السادس عشر، بالإضافة إلى أقارب الضحايا الذين يحتشدون بالشوارع بلا هوادة. بالأمس احتجت منظمة "إنهاء إساءات الإكليروس" (Ending clergy abuse)، لأنه لم يتم اللقاء بها جنبًا إلى جنب مع الناجين الآخرين من طرف اللجنة المنظمة للقاء. حتى أن أولئك الذين تم استقبالهم لم يبدوا رضاهم، كما يتحدثون عن وجود أجواء متوترة مع حاشية الفاتيكان: "الشيء الأول الذي أوضحناه هو أننا نشعر بخيبة أمل بسبب غياب البابا".

تأتي في الطليعة الولايات المتحدة، البلد الذي تميزت بفضائح مختلفة، مثل تلك التي برزت من "تقرير بنسلفانيا" أو من "قضية أضواء كاشفة" (Spotlight case) لبوسطن غلوب. ومؤخرًا، أعلنت أبرشية بروكلين أيضًا أسماء أكثر من مئة كاهن متهمين بالتحرش الجنسي بالأطفال. كما نشرت أبرشية نيو جيرسي قبل ذلك حوالي مئتي اسم. بالإضافة إلى ذلك، جاء اتهام خطير من صحيفة واشنطن بوست التي تقول بأن "كنيسة البابا فرنسيس" كانت تقوم بالتمويه عن الإساءة المزعومة للأطفال في معهد أنطونيو بروفولو الديني للصم والبكم التي تمتلك مكاتب في إيطاليا والأرجنتين. تم تحذير شخصيات كنسية، إضافة إلى البابا نفسه، بشأن جماعة تقوم بانتهاكات. لكن لم يقم أحد بأي عمل. ومع ذلك، تذكر مصادر الكرسي الرسولي استشارها موقع "لا ستامبا" أنه من غير الصحيح أن فرنسيس تجاهل طلبات الضحايا، ليس كونه كبابا وليس كونه كرئيس أساقفة بوينس آيرس. وعلاوة على ذلك، وقعت الأحداث في أبرشية أرجنتينية أخرى، وهي مندوزا التي تقع على بعد مئات الكيلومترات. في حالة واحدة لم يكن فرنسيس على اطلاع. في رسالة أخرى موجهة إليه، تم إرسالها إلى المؤتمر الافخارستي الدولي، وتمت متابعتها. في العام 2017، تم وضع المعهد تحت الإدارة الخارجية، في حين تمت محاكمة كلا الكاهنين الأرجنتينيين المعنيين على المستوى المدني والوطني. وفي النهاية تم اعتقالهما.

المعارضة

ومن ثم، فإن الولايات المتحدة هي أيضًا البلد التي تعارض فيها شبكة وسائل الإعلام السياسية بشدة فرنسيس. وقد جعلت دائرة المحافظة التقليدية نفسها (the conservative-traditionalist circuit) موقعًا يتسم بالإهتمام الكثير في هذه الأيام، حيث أشارت إلى أن الكنيسة تسير على غير هدى، كما أحيت الجدل حول المثلية التي يتم اعتبارها على أنها البلاء الحقيقي الذي يجب القضاء عليه، وهي بذلك تعيد الشك في أن المثلية والإساءة للأطفال هما سلوكان منحرفان لهما نفس الجذور. على هذا الأمر أجاب الكاردينال بليز كوبيتش، الذي اختاره البابا باعتباره مرشدًا للجنة المنظمة للقاء، قائلاً: "من المهم معرفة أن العديد من الإساءات لأطفال تشمل أطفالاً من الذكور" -على حد قوله- لكن من المهم بنفس القدر فك الارتباط بين الحقيقتين لأن المثلية ليست سببًا للإساءة للأطفال بحيث أنه "لا يوجد ارتباط بين هاتين الظاهرتين". قد تصبح هذه الأيام الحدث الرمزي للحبرية، تاركة بصماتها على تاريخ الكنيسة.