موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٤ يونيو / حزيران ٢٠١٨
بعد تخلّصهم من داعش.. مسيحيّو الموصل يتشبثون بجذورهم في مناطقهم

ناشونال كاثوليك ريجيستر ، ترجمة: حامد أحمد :

بعد مرور عام تقريباً على تحرير الموصل من مسلحي تنظيم داعش وإلحاق الهزيمة بهم، هناك تحديات جديدة تواجه العدد القليل نسبياً من المسيحيين الباقين في قُراهم ومناطقهم القديمة في شمال العراق، الذين يشعرون بأنّ الولايات المتحدة قد تخلّت عنهم واستمرار تجاهلهم من قبل الغرب.

مطران الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في أربيل، بشار وردة، يقول بأنّ داعش كان كتجربة واجهناها، ولكنَّ المسيحيين يواجهون الآن تحدياً آخر يتمثل في كيفية مساعدتهم للبقاء في مناطقهم، مؤكداً بقوله "الهدف الآن هو ليس البقاء فقط، ولكن تحقيق الازدهار أيضاً، ولأجل تحقيق ذلك لايكون بتوفير فرص عمل فحسب، ولكن بإيجاد مشاريع دائمية تعطي للمسيحيين فرصة للكشف عن مؤهلاتهم وإبداعاتهم".

في المناطق التي كانت مرّة مأهولة بتجمعات سكانية كثيفة من المسيحيين في سهول نينوى وشرق الموصل، فإنّ التحديات هي نفسها رغم أنّ كل وضع يختلف كثيراً عن الآخر وفقاً للعوارض الناجمة عن السلطة المدنية المسؤولة. أكثر من 90,000 مسيحي عاشوا في المنطقة قبل مجيء داعش، وانخفض هذا العدد الى أقل من 40,000.

في بلدة قرة قوش، ذات الغالبية المسيحية التي تبعد بأميال قليلة الى الشرق من الموصل والتي كانت مفعمة بالحياة، فإنّ الأمن فيها لم يعد فقط بخصوص حمايتها من ارهابيي داعش ولكنَّ شيئاً اكبر من ذلك وهو ضمان البقاء بوجه عدد سكاني مستنزف.

لغاية هذا اليوم هناك 25,000 مسيحي فقط عادوا الى البلدة، وهو أقل من نصف عدد السكان الأصلي للمسيحيين فيها، فضلاً عن استرجاع اكثر من ربع الممتلكات فقط التي دمّرها داعش.

الأب عمار ياقو، من بلدة قرة قوش يقول "التغير السكاني للبلدة مؤلم جدًا بالنسبة لنا"، مشيرًا إلى أنه يأمل بأنَّ يقوم مسيحيو قرة قوش بحفر مستقبل زاهر لهم يكون مستدامًا وحيويًا اقتصاديًا يشجعهم على البقاء، حيث سيؤدي ذلك بالنهاية الى عودة 90% من أهاليها لبيوتهم. ويؤكد ياقو بقوله "إذا خسرنا قرة قوش فعندها سنخسر المسيحيّة في العراق".

إلى الشمال أبعد من قرة قوش، هناك منطقة برطلة المسيحية التي كان يسكنها الشبك والمسيحيون والايزيديون، رغم عودة مايقارب من 6 آلاف مسيحي إليها بعد القضاء على داعش، فإنّ اكثر من ثلثي سكان برطلة من المسيحيين لم يرجعوا بعد مع وجود اكثر من 162 عائلة منهم ساكنين في معسكرات النازحين في أربيل.

ويعبّر الكاهن السرياني الكاثوليكي بينهام بينوكا عن شكوكه بمستقبل المسيحيين بقوله "نحن معرضون للأذى بشكل كامل. ما سيحصل لنا في المستقبل، من الذي سيضمن لنا بقاءً دائماً في سهل نينوى؟ من الذي سيضمن لنا الأمن والسلام؟".

أما في بلدة، تلسقف، فإنّ الوضع فيها أفضل نسبيًا ولكن لا تخلو من التحديات الخاصة بها المتمثلة بصعوبة الوصول إليها بسبب الإجراءات الأمنية والحواجز المفروضة من قوات البيشمركة، حيث أن ثلثي سكانها البالغ عددهم 7,000 نسمة قد عاد مع استرجاع اكثر من ثلثي الممتلكات أيضًا، وذلك لأن تنظيم داعش لم يبق فيها سوى أسبوع واحد.

استناداً الى الأب سالار كاجو، فإنّ كثيراً من مسيحيي تلسقف العائدين يفكرون بالهجرة، مؤكدًا بقوله "لا يوجد عمل هنا، البيوت قد تم إصلاحها، ولكن توفر فرص عمل مهم جدًا، رغم أن الأهالي لديهم بيوت ولكن لا يملكون دخلاً كافيًا يمكنهم من تسديد تكاليف المعيشة"، مشيرًا الى قيام منظمات غير حكومية بتقديم مساعداتها الإنسانية للبلدة وتقديم الحكومة الهنغارية معونات مالية تم خلالها إعادة اعمار كنيسة القديس جرجس التي دمّرها داعش والقوات الكردية خلال المواجهات معهم. ويضيف "ما يحتاجه الأهالي الآن هو مساعدات من قروض توظّف في مشاريع صغيرة تستخدم لتشغيل الناس وتنفيذ الاستثمارات".

الكنائس في العراق حاولت التنسيق في جهود اعادة الإعمار لتعزيز الأمل لدى المسيحيين للبقاء في مناطقهم، أغلب هذه الجهود نفّذت من خلال لجنة اعادة إعمار نينوى، وهي منظمة شراكة ثنائية أسّست العام الماضي بالاشتراك مع منظمات غير حكومية كاثوليكية تهدف لتشجيع المسيحيين للعودة الى مناطقهم.

يقول ايميري فيراش، المستشار المالي للجنة "السرعة التي تسير فيها عملية إعادة الإعمار مذهلة جدًا، القرى الآن حيوية جدًا بعد أن تحولت إلى مدن أشباح بعد تحريرها من داعش أواخر عام 2016". وقد شعرت الكنائس المسيحيّة في العراق بالسعادة خصوصًا بعد ترقية البابا فرنسيس للبطريرك لويس ساكو مؤخرًا الى مرتبة كاردينال وهو مؤشر على بصيص أمل لمستقبل المسيحيين في العراق.

معن إبراهيم، مسلم من الموصل يعمل في اعادة إعمار كنيسة سريانية كاثوليكية في المدينة يقول "كل شيء كان يتعلق بداعش كان سيئًا تحت حكمهم، نحن نعتبر المسيحيين أخواننا ونأمل في أن يعود جميعهم لمناطقهم القديمة".