موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٥ يوليو / تموز ٢٠١٤
برنارد بوجي.. المعيل الوحيد لعائلته، ترك كل شيء لكن المسيح حل محله

التقاه زياد شليوط :

مقدمة: اليوم وبعد رسامة الأب برنارد بوجي واحتفاله بالقداس الأول في رعيته في سان فرنسيسكو، أقدم هذا اللقاء الذي كنت قد أجريته قبل عام تقريباً مع الأب برنارد -لم ينشر حتى اليوم- أثناء دراسته في المعهد الإكليريكي، وفيه تجربة حياتية نادرة وتستحق القراءة.

برنارد بوجي من مواليد العام 1980 في سان فرنسيسكو، لوالد فرنسي ووالدة أردنية (فلسطينية الأصل: والدها فرنسي ووالدتها فلسطينية من الناصرة).

برنارد ولد وحيد لأمه وله شقيقة وحيدة أيضاً، اختار أن يلبي دعوة الكهنوت قبل ثلاثة أعوام وهو في سن الثلاثين، وهذا يذكرنا بالمعلم الأول السيد المسيح الذي ابتدأ دعوته في سن الثلاثين.

برنارد يتكلم العربية بطلاقة بفضل والدته العربية التي دربته على لغتها العربية، يمكن للناظر إليه أن يعرف أن طالب المعهد الإكليريكي في بيت جالا، بملامحه أنه ليس عربياً، فماذا يفعل هذا الأمريكي في بيت جالا، ولماذا قرر أن يصبح كاهناً وينذر نفسه لله ولخدمة المسيح، وترك حياة الملذات والرفاهية في أمريكا، كما يتهيأ للبعض منا؟ تلك الأسئلة خطرت ببالي ودفعتني لأن أطرح تلك الأسئلة على برنارد الذي رحب بفكرة نشر لقاء معه، لأن قصته غريبة وتستحق اطلاع القراء عليها.

ربما كانت حياة برنارد في البداية عادية، ويمكن أن نجد لها صوراً متعددة. فهو كان يعيش مع والدته وشقيقته، ومعهم خاله المريض. وكان برنارد يعمل ويساهم في ميزانية البيت وعلاج خاله، وكان العبء ثقيلاً عليه، فهو كان المعيل الوحيد تقريباً، فالمعونة الحكومية لخاله بالكاد تكفي للدواء والعلاج. وإلى جانب ذلك التحق بالجامعة ليدرس علم الأحياء ويتجه للطب والأبحاث الطبية. وكأن ذلك كله لم يكف، فأصيب برنارد أيضاً بمرض اللوكيميا. وفي تلك الأثناء كان يخدم في كنيسة الرعية في سان فرانسيسكو، وكل أبنائها من أصول عربية (الأردن وفلسطين) ويبلغ عدد العائلات فيها 850 عائلة، وأصبح مساعداً لكاهن الرعية الأب لبيب قبطي، الذي كان يعتمد كثيراً على برنارد لأنه مصاب بالفشل الكلوي.

خلال خدمته للكنيسة ومساعدته للكاهن، اكتشف برنارد العالم الروحي وما يحويه من معانٍ وتسامٍ، واشتد إيمانه وتعزز يوماً اثر يوم. وأيقن أنه مهما تقدم الطب يبقى الإنسان بحاجة للتهيئة مع الله، وإذا وصل لهذه القناعة فكل شيء آخر تافه، خاصة وأنه شفي من مرضه بشبه أعجوبة. وشعر برنارد أن الرب يناديه ويدعوه للخدمة وقرر أن يلبي النداء رغم كل الظروف الصعبة فكيف يتخلى عن دعوة ربه وكيف لا يلبيها؟

وهنا جاءت المرحلة الأصعب. كيف سيخبر والدته وهي التي تعتمد عليه والبيت يقوم على خدمته، ماذا سيكون رد فعلها، وماذا سيكون وقع الخبر عليها؟ لكن من هنا تبدأ سلسلة مصادفات مع برنارد وعائلته ورعيته، لا تفسير لها إلا تدخل الإرادة الإلهية، أو بنظر الناس البسطاء "أعاجيب" حدثت لهذا الإنسان ومن حوله.

في اليوم الذي قرر فيه برنارد مصارحة والدته بقراره للتوجه للكهنوت، وعلى ما يذكر كان صباح يوم سبت، يرتشف فيه القهوة مع والدته، وفوجيء بها تقول له وتسأله سؤال العارف: "بدك تصير خوري؟!" وهنا أصاب برنارد الذهول، كيف عرفت والدته بالأمر وهو لم يخبر أحداً بعد! فأجابها بصراحة وقناعة وبخضوع تام لإرادة الله: "مع الله فإن الإنسان لا يخسر!" واتفق معها على أن يخبر كاهن الرعية في اليوم التالي.

في اليوم التالي الأحد، وأثناء زيارة المرضى بعد القداس، سأله الكاهن: ماذا تنوي فعله؟ فأجاب برنارد: أشعر مثل بطرس، وأقول نعم يا رب أحبك!، وقال الكاهن معلقاً: إذا اتخذت قرارك فسر في طريقك ولتكن مشيئة الله، وإذا ما تركت البيت فإن المسيح يسكن محلك!.

وهنا تأتي الأعجوبة فيقول برنارد: أنه خلال فترة قصيرة بعدما غادر البيت، تغير الحال فيه وأخذ يصل مدخول شهري لوالدته يفوق المدخول الشهري الذي كان يوفره لها برنارد. وأثناء وجوده في الأردن وصله نبأ سعيد يتعلق بالأب المحبوب لبيب، حيث حصل على كلية من أحد المتبرعين وقام بزراعتها وعاد إلى حياته الطبيعية يمارس واجباته في الرعية بشكل طبيعي ودون حاجة لمساعد.

ومما يذكره برنارد أن آخر قداس حضره في رعية سان فرانسيسكو وكان قداس الوداع له، أقيم في عيد العذراء، ويوم وصوله إلى الأردن صادف عيد القديس برناردوس (الذي يحمل اسمه)، ويوم وصوله إلى فلسطين، إلى بيت جالا صادف عيد القديس برتلماوس (شفيعه بالعماد).

يقول برنارد أنه زار فلسطين لأول مرة عام 2007 وهنا شعر بقربه الروحاني من هذه الأرض المقدسة، وشاهد الفارق بين ممارسة الكاهن في الغرب والشرق، فهناك يمارس الكاهن واجباته الكهنوتية فقط، لكن هنا يوجد بعد روحي ومتابعة يومية للرعية، وهذا أمر أثار إعجابه واهتمامه وحبه لهذه الأرض والبلاد.

برنارد تواجد في المعهد الاكليريكي في بيت جالا منذ عام 2010 ودرس فيه الفلسفة واللاهوت، ويقول عن هذه التجربة أنه في البداية كانت صعبة وخاصة في الانتقال من مجتمع إلى مجتمع آخر، وخضوعه لنظام داخلي صارم في المعهد على عكس حياة الحرية التي كمان يتمتع بها، لكن بعد فترة بسيطة اعتاد على الحياة الجديدة بفضل زملائه الطلاب، وكان يشعر بفرح داخلي رغم الصعوبات وفراق الأهل، فالفرح الداخلي ينير له طريقه.