موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٦
بالنسبة لنا نحن المسيحيين، فإن التواصل مع المهمشين يعتبر أولوية

بقلم: أندريا تورنيلي ، ترجمة: سامح مدانات :

بعد استماعه إلى شهادات الكاثوليك واللوثريين الذين يعملون من أجل السلام والمصالحة، قال البابا فرنسيس: "بالنسبة لنا نحن المسيحيين، فإن التواصل مع المهمشين يعتبر أولوية". وكان فرنسيس يشارك باللقاء المسكوني الكبير في ميدان مالمو، حيث دخل بعربة كهربائية.

البابا يستمع إلى روايات أربعة شهود

تحدثت برانيتا بيسوازي؛ السيدة الهندية التي تبلغ من العمر 26 سنة، وتعيش في ولاية أوديسا حيث يعيش أغلب السكان تحت خط الفقر، تحدثت عن تغيير المناخ والاضرار البيئية. "دوري اليوم في الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هو العمل مع بعض الشبيبة في العدالة البيئية والقضايا الاجتماعية". وقالت: "أحثكم على ممارسة المزيد من الضغوط على القادة السياسيين في مختلف أنحاء العالم من أجل الاعتراف بالحقوق الشرعية، من خلال الدعم المتواصل لسبل العيش للملايين من البشر الذين يوشكون على فقدان مساكنهم بسبب تغيرات المناخ في الهند وفي أماكن أخرى من العالم".

من كولومبيا الى بوروندي

بعد برانيتا، جاء دور المطران هيكتور جافيريا. وقد تحدث المطران جافيريا، وهو مدير جمعية الكاريتاس في كولومبيا، عن الحرب الأهلية مع مقاتلي القوات المسلحة الثورية الكولومبية، التي تعصف وتدمر البلاد منذ أكثر من نصف قرن. وتحدث عن المجزرة التي حدثت عام 2002، وأوضح أن واحدًا من "أكبر واجباتنا كان مساعدة الضحايا، واستعادة حقوقهم". وذكر أيضًا الجهود المشتركة بين الكاريتاس واللوثريين لانتزاع الألغام المضادة للأفراد.

أما مارغريت بارانكيتسي، من بوروندي، فقالت أنها عندما اندلعت الحرب الأهلية عام 1993 قرَرتْ أن تتبنى سبعة أطفال. وبهذا حددت بداية رسالتها. "وعندما بدأت الإبادة الجماعية، أخفيتُ هؤلاء بالإضافة إلى 25 يتيمًا آخرين". وقامت مارغاريت بتأسيس بيت السلام لتقدم العزاء، المصالحة والأمل للأطفال الذين فقدوا كل شيء. "نحن نؤمن أنه لن تكون الكلمة الأخيرة للكراهية أبدًا". وقالت السيدة: "بالحقيقة إن الوضع في البلاد يزداد خطورة. حتى الأطفال يتم قتلهم. الجميع يظنون أنني مجنونة، وأني فقدت عقلي، حتى عائلتي، وهذا ما أقول لهم: نعم أنا مجنونة، لكن أنتم مجانين أيضًا لأنكم بدأتم بالقتل. فمن هو الأكثر جنونًا الشخص الذي يقتل أم الشخص الذي يحاول إنقاض حياة البشر؟".

اللاجئة "الأولمبية"

روز لوكونيان، لاجئة تبلغ من العمر 23 سنة، هربت من السودان عام 2002 وتعيش حاليًا في كينيا. عندما بلغت الرابعة عشر من عمرها عاد والداها إلى جنوب السودان للبحث عن أجدادها، وكانت تعتني بأشقائها لأنها كانت الأكبر سنًا. "كنت أذهب إلى المدرسة، وعندما أعود إلى البيت كان علي الإسراع بالقيام بالأعمال المنزلية، والتي كان من ضمنها جمع الحطب في نهاية الأسبوع. وكان علي الحرص والانتباه لأنهم كانوا في بعض الأحيان يخطفون النساء في الغابة، وكلما رأيت شخصًا كنت أجري هاربة. وعندما أنتهي من عمل المنزل كنت أذهب إلى ملعب كرة القدم وألهو". ويشتمل عملها اليومي على تشجيع البنات الصغار على الذهاب إلى المدرسة. "الكثيرات منهمن يتركن المدرسة لأنه عليهن أن يعتنين بوالديهن أو بإخوتهن الصغار". وقد كرست حياتها للركض، وأصبحت رياضية أولمبية، وحملت علم فريق اللاجئين في الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو.

معجزة القدس تتكرر في لوند ومالمو

تلاهم بالدور المطران الفلسطيني منيب يونان، والذي يشغل أيضًا منصب رئيس الاتحاد اللوثري العالمي. "إننا نشاهد اليوم في لوند ومالمو، معجزة حلول الروح القدس التي اختبرها الرسل في القدس، مسقط رأسي، منذ ألفي عام". "عندما يعمل رجال الدين من أجل الوحدة والمصالحة، فإن الدين يعمل على تعزيز ازدهار جميع المجتمعات البشرية". وبعد الحديث عن الاستشهاد المسيحي في كافة أنحاء العالم، ذكر المطران يونان الشرق الأوسط وطلب من جميع الحضور أن يصلوا "من أجل وطني، ومن أجل الحل العادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني". وأنهى الأسقف اللوثري كلمته مقتبسًا من اللاهوتي الكاثوليكي جوستافو جوتيريز الذي كتب: "إن توجهنا إلى الله... يتطلب توجهنا إلى القريب". "هذا اللقاء ليس نهاية حوارنا، لكنه بداية جديدة. أنا واثق أن هدفنا المشترك لن يكون في حوارنا اللاهوتي، بل في الشهادة العملية".

"لو أن هذا الجنون ينتشر"

بعد تشجيع العمل الذي تقوم به جمعية الكاريتاس الدولية بالتعاون مع الخدمة العالمية للاتحاد اللوثري العالمي، أشار البابا فرنسيس إلى الشهادات التي استمع إليها. واستذكر كلمات برانيتا عن الأثر الكبير للمناخ، وكون الأثر الأكبر يقع على الذين هم أكثر عرضة للخطر والمحتاجين، فيضطرون إلى الهجرة ليهربوا من تأثير تغيير المناخ. "نحن بأجمعنا، وخصوصًا نحن المسيحيين، مسؤولون عن حماية الخلق. يجب أن يتناسق نمط حياتنا وأعمالنا مع إيماننا".

وطلب من الحضور الصلاة بشكل خاص من أجل كولومبيا، "ذلك البلد الكبير" لكي، ومن خلال التعاون بين الجميع يحل فيه السلام الذي طالما رغبوا فيه، والضروري من أجل التعايش البشري الكريم. كما تحدث عن رسالة مارغريت "بذرة نواة أعطت ثمارًا كثيرة، واليوم بفضل تلك النواة، أصبح بإمكان آلاف الأطفال التعلم، النمو، والاستمتاع بصحة جيدة. وأنا شاكر لك لأنك حتى الآن وأنت في المهجر، تستمرين بنشر رسالة السلام".

تابع: "لقد قلتِ إن كل من يعرفك يظن أن ما تفعلينه محض جنون. بالطبع إنه جنون حب الله والقريب. نحتاج للمزيد من هذا الجنون المُضاء بالإيمان والعناية الإلهية". ووصف البابا قصة روز بأنها شهادة مؤثرة، قائلاً: "عندما كنتُ استمع إلى روايتك، كنت أفكر في حياة الكثيرين من الشباب الذين يحتاجون إلى سماع قصص مثل قصتك".

فرنسيس يشكر من يساعدون اللاجئين

وقال فرنسيس "بعد سماع هذه الشهادات الجبارة، والتي تجعلنا نفكر بحياتنا الخاصة وكيف نتجاوب مع حالات المحتاجين من حولنا، أريد أن أشكر كل الحكومات التي تساعد اللاجئين والأشخاص المشردين وطالبي اللجوء. لأن كل ما يتم عمله لمساعدة هؤلاء الأشخاص المحتاجين للحماية هو لفتة تضامنية كبيرة واعتراف بكرامتهم. بالنسبة لنا نحن المسيحيين، فالمبادرة إلى لقاء المنبوذين والمهمشين في عالمنا، وأن نجعلهم يشعرون بحب الله اللطيف والرحيم، الذي لا يرفض أحدًا ويقبل الجميع، هي أولوية بالنسبة لنا".

وفي الختام قدّم البابا شهادة أسقفٍ من حلب، "المدينة التي أجبرت على الركوع بسبب الحرب، المكان الذي تُزدرى فيه أبسطُ الحقوق الأساسية وتداس بالأقدام. وتطالعنا الأخبار يوميًا عن المعاناة التي لا يمكن وصفها جراء الصراع السوري، والذي دام حتى الآن لمدة خمس سنوات. وفي وسط كل هذا الدمار، فإنه عمل بطولي حقًا أن يبقى رجال ونساء هناك لكي يقدموا المساعدات المادية والروحية للمحتاجين".

واختتم كلامه قائلاً: "دعونا نطلب نعمة ارتداد قلوب هؤلاء المسؤولين عن مصير هذه المنطقة".

مصير حلب

وبعد البابا فرنسيس، قال المطران الكلداني لمدينة حلب، أنطوان أودو: "إن الحرب التي نعيش رحاها يوميًا في سوريا، العراق وفي الشرق الأوسط، تجعلنا نشاهد تدمير منزلنا المشترك، وموت الأبرياء وأفقر الفقراء. معظم المستشفيات دُمِّرت، و80% من الأطباء تركوا حلب. يبلغ عدد الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدارس 3 ملايين طفل. ويمكن قراءة التدهور الجسمي والمعنوي في كل وجه، ويصل إلى كل فرد، وخصوصًا الأكثر فقرًا بينهم؛ أطفالاً، مراهقين وكهول. يتم قصف المدارس والجامعات كل يوم تقريبًا".

وأكد أودو على أهمية العمل الذي يتم إنجازه سنويًا من قبل جمعية الكاريتاس الدولية والخدمة العالمية للاتحاد اللوثري. "نريد أن نحطم معكم الحواجز الأيدولوجية، وأن نتحرك معًا نحو الجميع، خصوصًا هؤلاء الأكثر تأثرًا بالحرب. في الحقيقة، يجب ألا يكون الدين مصدرًا يعيق اللقاء، بل على العكس أن يكون مصدرًا للإحترام المتبادل والاهتمام بالأكثر فقرًا سواء أكان مسيحيًا أو مسلمًا، ويجب أن يحثنا الدين على الدفاع عن قيم الكرامة الإنسانية، والتضامن، والسعي إلى تحقيق الصالح العام".

جهود مشتركة

كما تحدث رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفيان أيضًا. وقال عن المسيحيين المتحدين بأنهم قوة تمحو وتستأصل الصراع، الكراهية، دمار الأرض، التعصب والتطرف. وفي الختام، فإن الشهادات الأربعة عبرت عن بعض الالتزامات المشتركة: مسساعدة اللاجئين والدفاع عن حقوقهم، دعم المتألمين من جراء الحرب والعنف، وقال: "نقول لا لكل أنواع العنف التي تؤثر في وتدمِّر حياة الكثيرين من بني البشر". ومن بين التزاماتهم كان أيضًا تحقيق تنمية سبل العيش والدفاع عن الخلق.

وفي نهاية اللقاء، بارك البابا فرنسيس ومارتين جونج، الأمين العام للإتحاد اللوثري العالمي، الحضور. وقال البابا فرنسيس: "ليحفظنا اللهُ في رحلتنا من الصراع إلى الشركة".