موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الخميس، ٤ يناير / كانون الثاني ٢٠١٨
انطون سابيلا يكتب: بين ثقاقة المواطنة وثقافة الطائفية!

سدني - انطون سابيلا :

في اندونيسيا، أكبر دولة مسلمة سنية في العالم، ولي فيها اصدقاء مسلمون ومسيحيون، فإن الاغلبية العظمى من مواطنيها يشاركون مواطنيهم المسيحيين في فرحة الميلاد ورأس السنة الجديدة ويتبادلون الهدايا وكأنه عيد وطني بإمتياز. نعم هناك متطرفون لكنهم أقلية ومحاصرون من كل الجهات الحكومية والشعبية لأن هناك ثقافة المواطنة في هذا البلد الجميل.

وذات مرة كنت مدعواً لحضور العيد الوطني لاندونيسيا في كانبرا وكنت جالساً قرب السفير الاندونسي فإذا بشخصية عربية متحمسة لفلسطين تقول للسفير: أنتم المسلمون عليكم واجب دعم القضية الفلسطينية اكثر من ذلك بكثير. فرد السفير قائلاً " كان لزاماً أن تقول انتم الاندونيسيون لأن في اندونيسيا 25 مليون مسيحي وهم مواطنون أيضاً وأنا واحد منهم."

وفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية هناك أيضاً دولة المواطنة التي لا فرق فيها بين مسلم ومسيحي ويهودي...حيث الإحترام لجميع الطوائف والأديان ورموزها.

لم يحدث في أي وقت من الأوقات أن اعتدى ايرانيون على رموز المسيحية أو اليهودية. وفي اعياد الميلاد تقام في طهران أشجار الميلاد في المتاجر الاسلامية والمسيحية على حد سواء وايضاً في الساحات العامة التي يتواجد فيها المسيحيون بكثرة ولم يحصل في يوم من الايام أن اعتدى الايرانيون على أشجار الميلاد حتى في ايام خضم الثورة الإسلامية الايرانية التي حصدت عشرات الآلاف من المواطنين وكذلك في ايامنا هذه حيث تقام مظاهرات احتجاجية ضد الوضع الاقتصادي في البلاد.

ولم يحصل في ايران أن قام اشخاص بتحطيم تمثال السيدة العذراء كما حصل في لبنان وسوريا أو قتل المسيحي لأنه مسيحي كما حصل في سوريا والعراق خلال الحرب الاهلية أو كما يحصل في مصر.

لكن لماذا هناك فرق بين ايران واندونيسيا وبعض الدول العربية...

الجواب نجده في ثقافة المواطنة. ففي الثقافة الطائفية يُنظر إلى الانسان الذي من دين أو مذهب آخر على انه ينتمي إلى طائفته ومذهبه وليس لوطنه، وهكذا يصبح التمييز بين مواطن وآخر شيئاً عادياً عند البعض.

وثقافة المواطنة شبه معدومة في معظم الدول العربية لأن الاعلام وصفحات التواصل الاجتماعي يلعبون دوراً رئيسياً في تثبيت ودعم ثقافة الطائفية لأهداف تجارية بحتة. ويندر ان تجد صفحة عربية عامة واحدة على الفيس بوك أو مؤسسة اعلامية عربية تتحدث عن المواطنة بل كل ما تفعله هو تمجيد ثقافة الطائفية بطرق ملتوية.

وتستدعي ثقافة المواطنة غرس ثقافة احترام رموز وممتلكات الآخرين لدى الأطفال من الصفوف الإبتدائية وتوعيتهم حول أهمية وفائدة المجتمع المتعدد الثقافات والديانات. المجتمع التعددي هو مجتمع قوي تزداد فيه فرص الإستثمار والتوظيف ورفع مستوى المعيشة لكل مواطن، أما المجتمع الآحادي فهو العكس تماماً ويصعب الدفاع عنه في المنتديات الدولية

وثقافة المواطنة هي أن يحتفل المسيحي والمسلم بعيدهم دون تنغيص أو تنكيد أو تهديد، ففي الدول الغربية والشرقية مثلا يحتفل المسلمون واليهود والسيخ والهندوس والبوذيون بأعيادهم في أجواء الفرح والسعادة وبإطمئنان لأن الدول التي تعتنق ثقافة المواطنة تسهر على رعاية الجميع بدون استثناء أو تمييز.

الوطن بحاجة إلى ثقافة المواطنة حيث لا يسأل الشرطي او التاجر أو سائق التاكسي الإنسان عن دينه أو خلفيته. الثقافة الطائفية خطيرة لأن نتيجتها واحدة وهي تدمير الأوطان وتشتيت الطاقات وتهجير الانسان بحيث لا مستقبل للوطن أو المواطن. ليس أجمل من محبة المواطن لأخيه المواطن...إنه شعور رائع لا يفهمه إلا من عاش في مجتمع تسود فيه ثقافة المواطنة!