موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢١ أغسطس / آب ٢٠١٣
الوجود المسيحي في القدس.. عن مركز دراسات الوحدة العربية

إبراهيم السواعير - جريدة الرأي الأردنية :

في 12 فصلاً تضمنها كتاب (الوجود المسيحي في القدس خلال القرنين التاسع عشر والعشرين) للباحث في الشؤون المقدسية المؤرخ الدكتور رؤوف أبو جابر، نقف على كتاب متكامل بالهوامش والشروحات، يعتمد السرد التاريخي بتسلسل يشكّل مرجعيّة للمهتمين والذين يريدون معرفة التاريخ والمتخصصين.

الكتاب الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، بنسخته العربية، في طبعته الأولى 2004، وطبعته الثانية عام 2010، يقف على الأوضاع العامة في القدس في مطلع القرن التاسع عشر(1800-1831م)، وفترة الحكم المصري في بلاد الشام(1831-1841م)، وعودة الحكم العثماني( 1841م) وحرب القرم(1853-1856م). ويقدم صورة عن الأوضاع العامة في القدس في أواسط القرن التاسع عشر: الكنائس الشرقية، والكنائس الغربية، وحكم السلطان عبدالحميد الثاني واشتداد المنافسة بين الطوائف، والنهضة التعليمية في القدس والنضال ضد الغزو الصهيوني، وتطور الأوضاع في القدس في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

يتناول الكتاب قضية سقوط القدس بيد الحلفاء واشتداد الصراع، وتطور المجتمع في القدس بين عامي 1917م و1967م، وموضوع الوحدة الأردنية- الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلي للقدس العربية ودور القدس في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

في تقديمه الكتاب يقول أبو جابر إنّه من الطبيعي أن تعود علاقة المسيحيين بالقدس إلى بداية الفترة التي بشر فيها السيد المسيح بمعتقده. ومن الثابت أنّ الوجود المسيحي في المدينة المقدسة ظلّ متواصلاً من منذ ذلك العهد باستثناء فترة امتدت حوالي الستين عاماً عندما ثار اليهود ضد السلطة الرومانيّة بين عامي 66 و70 للميلاد، فجزع الأسقف سمعان على المسيحيين أن يصل الضرر إليهم، ورحل بهم إلى مدينة بيلا المعروفة الآن باسم طبقة فحل في الغور الشمالي شرقي نهر الأردن مقابل مدينة بيسان. فتفادوا بذلك معاناة السكان الذين ظلّوا في أورشليم عندما زحف عليها القائد الروماني تيطس عام 70 ميلادية وحاصرها بجيش لجب ودمرها حتى الأساسات، فبقيت خربةً ستين سنة، حتى إذا قرر الإمبراطور هدريان بناء مدينة جديدة سماها إيلياء على أنقاض أورشليم، عاد المؤمنون المسيحيون وتوطّنوا فيها، وأخذوا ينتخبون أساقفةً منهم لإدارة كنيستهم.

يقول أبو جابر إنّ المدينة المقدسة مرّت عليها أوقات متباينة منذ ذلك الزمن وحتى عام 638 ميلادية، عندما أصبح سكانها العرب المسيحيون بعد تسليم القدس يعيشون فيها باستمرار جنباً إلى جنب مع أبناء جنسهم من العرب والمسلمين، بينما كانت الفئات المسيحية الأخرى كاليونان والسريان والأرمن والأحباش والأقباط والكرج، وفي أوقات لاحقة الأوروبيين الذين قدموا أثناء حروب الفرنجة، ينتشرون في المدينة بحسب الظروف المختلفة. إلا أنه من الثابت أنّ العهدة العمرية التي أقرّها الخليفة عمر بن الخطاب للبطريرك صفرونيوس عام 638ميلادية، والتي صبت جلّ اهتمامها على العرب المسيحيين الذين كانوا في المدينة، أوجدت منحى جديداً لحياة العرب وسمحت للروم بالرحيل، بحيث أنّ كتب التراث العربي في القرنين السابع والثامن لم يرد فيها ذكر لهذا العنصر أثناء حديثها عن الأحداث التي جرت في البلاد المقدسة خلال حكم الأمويين والعباسيين، بينما ترد بالتفصيل أنباء الحروب والغزوات التي كانت تشتغل على الحدود الشمالية بين العرب والروم(البيزنطيين) حتى بدء حروب الفرنجة.

يضيف أبو جابر أنّ تعدد المواضيع التي اضطرنا البحث إلى ذكرها والخوض في تفاصيلها جعل من الصعب في بعض الأحيان التقيّد بتواريخ الأزمنة والحوادث التي حصلت فيها. وقد وجدنا من الأنسب عدم التشدد في هذا المجال حفاظاً على سياق البحث وبسبب ثقتنا التامّة أنّ القارئ سوف يتمكن من أخذ هذا في الحسبان عندما يتبيّن له حرصنا على استمراريّة البحث في الموضوع المحدد.

ونظراً لوجود هذا الوضع غير الطبيعي الذي يجد العرب فيه أنفسهم بالنسبة إلى المدينة المقدسة في هذه الأيام، أي في بداية القرن الواحد والعشرين، وهذا الاحتلال الذي يجثم عليها بكلّ قسوته واستبداده، فإنّه من الضروري أن يوثّق هذا التاريخ الحافل الذي هو عنوان العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين في رحاب الأراضي المقدّسة، وفي طليعتها القدس، وخصوصاً أنّ القرنين التاسع عشر والعشرين كانا عصر النهضة العربية التي ما زلنا نتطلع إليها، رغم الهجمة الصهيونية في هذا القرن، إلى قيام أمتنا من خلالها بإنجاز حضاري يؤهلنا للحاق بركب العولمة الذي باغتنا بهجمته دون سابق إنذار.

يقول أبو جابر إنّ معرفتنا بالأمور التي حصلت والأحداث التي وقعت خلال القرنين الماضيين ستكون ولا شكّ دعامة لمواقفنا الأساسية، مسلمين ومسيحيين، في الدفاع عن المقدسات والحفاظ على عروبة القدس وحريتها للأجيال القادمة.

يلحق أبو جابر الكتاب بصور ملوّنة قديمة لقبر السيد المسيح من الداخل والخارج في كنيسة القيامة بالقدس، وصور لمدينة القدس وكنيسة القيامة خلال الإصلاحات، وأبواب سور المدينة خلال القرن العشرين. ويلحق صوراً لمدخل كنيسة القيامة عن قرب عام 1930م أثناء الانتداب البريطاني، وصوراً للكنيسة أواخر القرن التاسع عشر، ومنظراً رائعاً للمدينة المقدسة يظهر فيها مسجد الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى المبارك وبينهما كنيسة القيامة. وفي هذا الملحق المهم نكون أمام منظر للبلدة القديمة في القدس من الجانب الجنوبي الغربي تظهر فيه قبتا كنيسة القيامة، وكنيسة الجثمانيّة للكاثوليك والكنيسة الروسية الأرثوذكسية ذات القباب، وكنيسة الأقباط الأرثوذكس خلف القبر المقدس في كنيسة القيامة، ودير مار يعقوب للأرمن الأرثوذكس داخل البلدة القديمة، وكنيسة القديس مرقص للسريان الأرثوذكس، وسور البلدة القديمة التي أخذت في حقل الزيتون المحيط بكنيسة الجثمانيّة، وطريق الآلام التي سار عليها السيد المسيح في البلدة القديمة، وصورة للإجراءات اليومية لفتح باب كنيسة القيامة من قبل أحد أفراد عائلة نسيبة بحضور مندوبين عن البطريركيات الأرثوذكسية واللاتينية والأرمنية في القدس، وصورة تظهر كنيسة الأحباش أثناء بنائها عام 1887 ميلادية، ومدرسة المأمونية في البلدة القديمة وقبة الصخرة، والنزل في دير القديس لويس خارج أسوار البلدة القديمة، والمستشفى الإفرنسي في القدس الذي بني عام 1887 ميلادية، وباب العمود حوالي عام 1890 ميلادية وقد ظهرت يافطة تشير إلى موقع مكتب شركة كوك للسياحة في البلدة القديمة، وصورة قديمة للقدس حوالي عام 1890م، وظهر فيها سوق الحلال خارج السور، وصورة موكب القيصر وليام عند دخوله القدس عام 1898م على حصان أبيض، وصورة تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر لواجهة كنيسة القيامة، وصورة للجنرال السير أدموند اللنبي الأول وعلى يساره المطران الأنجليكاني ماك أنيس مع مجموعة من ضباط الجيش الإنجليزي ينظرون إلى القدس من على جبل الزيتون بعد دخولهم إليها عام 1917م، وصورة للاحتفال في يوم غسيل الأرجل في كنيسة القيامة صورتها سارة جراهام براون في الأربعينات، وصورة لأمين القدس السابق روحي الخطيب ومساعده أنطون صافية أمام سور القدس أثناء احتفالات زرع الزيتون في المدينة المقدسة ومعهما رئيسة جمعية شجرة الزيتون عام 1963 ميلادية. ونطالع مجموعة من الطوابع التي أصدرتها الحكومة الأردنية بمناسبة زيارة البابا بولس السادس للأراضي المقدسة ولقائه جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال والبطريرك المسكوني أثيناغوراس في القدس في يوم 5/1/1964م، وصور متفرقة للمؤلف الدكتور رؤوف أبو جابر رئيس المؤتمر الأرثوذكسي الخامس عام 1992م يرافق فيها الأب إبراهيم عياد لدى اختتام الجلسة الافتتتاحية، كما نطالع صوراً للمؤلف أبو جابر مع سماحة الشيخ عبدالحميد السائح آنذاك.

الكتاب اشتمل على وثائق مهمّة بخط اليد ومطبوعة على الآلة الكاتبة مروّسة ببطريركيّة الروم الأرثوذكس والأملاك الواقعة في أكثر من مكان، والمدارس والكليات، والأماكن المقدسة التاريخية، والممتلكات اللاتينية في المدارس والأديرة والكليات، والمستشفيات والمستوصفات، إضافة إلى الخرائط الشارحة ومراسلات المؤلف أبو جابر بالإنجليزية والعربية. وفي هذه الأيام التي تتعرض لها مدينة القدس لمزيد من المضايقات يحسن بنا التعريف بمثل هذا الكتاب القيّم الذي أصدر منه أبو جابر نسخة جديدة حديثة بالإنجليزية تحت عنوان(أراب كريستينيتي آند جيروزالم).