موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٧ يونيو / حزيران ٢٠١٧
الواقع التعليمي في الأردن

د. كميل موسى فرام :

استعرضت بمقالتي السابقة في هذه الزاوية محطات عن الواقع التعليمي في الأردن والذي يحتاج لمراجعة شاملة وجذرية، بعيدة عن مبررات التراجع والاخفاق التي عصفت بمفاصل التعليم بشقيه المدرسي والجامعي، متسببة في النهاية بإنحدار ملحوظ بمستوى الخريجين ضمن مسارات التعلم بالرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الادارات المتعاقبة المسؤولة عن هذا القطاع الحيوي والتي تعتمد أساسا (بل حصرياً)على اجتهاد الرأس الهرمي للمؤسسة بدليل تغير القرارات بجلسة واحدة ترافق التعديل برأس الهرم حتى وإن كانت تلامس مستقبل المصير للأبناء، الأمر الذي يفرض علينا بتوضيح الدور المحوري للمناهج والمدرسة بواقع العملية التدريسية وتأثير ذلك على درجة الفهم، الاجتهاد، والابداع، بل صقل المعالم الأساسية التي يجب أن تجعل من المحطة الجامعية محطة تكميلية وليست بداية جديدة منفصلة بظروفها ومحتوياتها وتحتاج لفلترة قدرات كضمان للاستمرار.

تعرضت المناهج المدرسية الحديثة وخصوصا منهاج اللغة العربية لحرب ظروس بين مؤيد ومنتقد، وربما أن التحديث الذي حصل على المناهج يعطيها قدرا من المرونة والواقعية، بل من المنصف أن نعطيها وصفا أدق بإعادة التأهيل وإعادة ترتيب الأولويات لتناسب ظروف العصر الحديث بالقدر الذي يسمح لبناء الشخصية المسلحة بالمعرفة والعلم بانفتاح وتوازي ودون الأسر بمنعطفات التاريخ التي أصبحت لا تناسب واقع الحال، فمناهجنا السابقة قد ركزت على المواضيع ذات الطابع البديهي ومنعت فرصة الاجتهاد والتفكير، فكانت النتيجة أن هناك تكراراً بغير فائدة عبر سنوات الدراسة على حساب تطورات علمية وحياتية مهمة تساعد الطالب للانتقال لمرحلة التفكير الناقد، حيث كنا نلاحظ التكرار لنفس المحتوى بالمواد الدراسية وعبر السنوات المتعاقبة، واقع جعل القائمين على المناهج يسمحون بزيادة وتكرار المحتوى نتيجة عدم التنسيق والمراجعة، فهمهم الأول تصوير وجهة صاحب القرار بأنها الرؤية السليمة، فمن يعارض يدفع الثمن بتقاعد مبكر أو استيداع غير مبرر، فطريقة التدريس بالتلقين للمباحث الدراسية الجامدة لم تعد مناسبة بيومنا هذا، وعلينا الانتقال لمرحلة البحث والابتكار للالتحاق بعربة التقدم العلمي، نقارن أنفسنا بمن سبقونا وليس بهؤلاء الذين يلهثون للوصل الينا.

تحديث المناهج الدراسية وتغيير الخطط بما يتلاءم مع متطلبات الواقع يجب أن يكون شعارا واقعيا لا يعتمد على الفرضيات أو التغذية الراجعة ببوصلة ليست بريئة، فسهولة حصول الطالب على المعلومة بشكلها الجامد من خلال وسائل الاتصال الحديثة قد ساهم بدرجة معينة بإضعاف فرصة التفكير، مؤشر يجعل من تحديث المناهج بصورة مستمرة لمعالجة الخلل مسؤولية أساسية مناطة بشكل حصري بوزارة التربية والتعليم من خلال لجان فاعلة مشكلة من أصحاب الاختصاص بالمناهج المختلفة وبعيدا عن ترجمة رؤية أصحاب القرار بفرص الاجتهاد، مناهج تلامس الواقع بشكله الصحيح، يقوم على نقل المعرفة فيها بليونة وتدريسها بواسطة أساتذة بالمستوى الحرفي والتخصصي ليكون تفاعل الطالب والمنهاج منضبطا بمفتاح التحكم الذي يساعد على تطوير الأفق التفكيري للطالب بما يسمح من استخلاص لأسس النجاح المستقبلية، عبر دورات على مدار العام الدراسي لتوضيح الأهداف والتمهيد لاستيعاب المقرر بالدرجة المأمولة. هذه المناهج يجب أن تخضع للتحديث ضمن خطة واضحة المعالم لا يكون لشخص متنفذ أي دور بتغير محاورها أو أبجدياتها.

تشكل المدرسة والبيئة المدرسية العامل المكمل للعملية التربوية بشقها العملي والتنفيذي فالمنهاج المدرسي يحتاج لضابط ارسال وانني أدرك جيدا الجهود لتي تبذلها وزارة التربية والتعليم لتوفير الغرف الصفية المناسبة وتجهيزها بما يتطلب توفير الأجواء المريحة لطرفي المعادلة؛ الطالب والمعلم، فتصميم الجدول الدراسي وتوزيع الحصص الصفية هو معقل ومربط العملية الادارية التي تساهم بالمحافظة على روح الانتباة للطالب داخل الغرفة الصفية بما يتوفر فيها من وسائل التدفئة والتكييف، الأدراج الخشبية المريحة، درجات الاضاءة والتهوية المناسبة، تفاعل أبوي بين الطالب والمعلم المقتدر الذي هضم محتوى المادة وأهدافها ضمن تخصصه الأدائي، بأسلوب تشويقي يجعل دقائق الحصة تمر بغفلة فيدلف بعلمه بفنون الأداء الذي يترجم الفائدة، وقناعتي أن الطالب الذي يرتبط بمعلم المادة بعلاقة سطحية نافرة لن يستفيد من حصة ذلك المعلم خصوصا أن بعض المواد الدراسية تشكل جدارا صعبا أمام الطلبة بالرغم من أساسياتها الحياتية والعملية بالمستقبل.

محصل القول بوجوب تكامل المناهج الدراسية المحدثة والملائمة لسنوات العصر وفهمها بالقدر الكامل من قبل المعلمين الذي توكل اليهم مهمة تبسيط فهم محتوياتها لنخلص بالنتيجة لنهضة علمية حقيقية تعكس جانب الحرص على مستقبل الأبناء، شريطة التفهم الكامل من المسؤولين بضرورة وضع حدود لاجتهاداتهم التي تهبط بحكم عملهم، على أن يكون موضوع مقالتنا القادمة عن مقترحات للنهوض بالعملية التعليمية بالأردن بما يناسب ترتيبنا العلمي المتقدم.

(نقلا عن الرأي الأردنية)