موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٣ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
الهوس والوهم وجهان لعُملة واحدة!

ناديا هاشم العالول :

يعيش البشر ضمن منظومة يتخللها الواقع و الحلم والخيال بنسبة ملائمة محفّزة لتحقيق طموحاتهم من خلال العمل والمتابعة.. بشرط ان يبقى الطموح المتخيَّل غير مبالغ فيه لتجنّب الوقوع ب»الوهم»..

وبالرغم من أن ولوج عوالم الخيال يتطلب التحرّر من قيود الواقع، إلا ان البقاء بالسليم مطلوب منعا من تجاوزالفضاء الصحيّ المسموح والوقوع ببراثن الوهم..

فالهوَس والوهم وجهان لعُملة مرَضية واحدة يحتاج كلاهما الى معالجة سريعة دون الاستهانة بهما لأضرارهما البالغة على المستويات الفردية والجمعية لكوْن أحدهما يقود للآخر بغض النظر عمّن يبدأ اولا!

فالهوس تؤدي شدته لهلوسة وأوهام وإن لم تتم مداواته يصبح وسواسا قهريا يضيّع صاحبه ومن حوله وبخاصة إن كان يتعلق بمصير أفراد وجماعات وشعوب..

ف»جنون العظمة»ينجم عن وهْم متضخم نتيجة تضخيم الواهم للواقع إلى عدّة أضعاف غير حقيقية، سواء أكانت هذه الحالة ناتجة عن ظنّ، أو تمثيل، أو تخيّل مبالغ فيه.. فالمريض بالهوَس غالبا مايحسّ بالعظمة وسرعة الغضب والعدوانية، وكثيرا ما ينكر وجود أي شيء خاطئ به لدرجة انه يتجاوز القانون بكل أريحية فقراره بنظره هو الأصوب..»وهاتْ بعدها دبِّرها معاه»!

علاوة على وجود انواع من الهوس مثل هوس»الأكل» وهوس»التسوّق» وهوس»التجميل» وهوس»العاشقين» وهوس «السرقة» وهوس»تكديس القمامة».. الخ.. وكل شيء إن زاد عن حده انقلب لضده!

فموضوع»الوهم والهوس»بوسواسهما القهري الذي يسيطر على عقل صاحبه فيتصرف ب»لاعقلانية»واضحة ليسا من الكماليات لأن كثيرا من المشاكل الإجتماعية جذورها نفسية تؤثّربدورها سلبا على مسيرة أمة بأسرها نتيجة قرارات ارتجالية ناجمة عن إحساس بالزّهو الناجم عن هوس مدمر!

فما احوجنا لقرع الجرس بوادي النسيان.. فكثرة الوهم وكثرة النسيان تؤديان للخذلان وكفانا خذلانا وإحباطا.. فالمشاكل «المتلْتلة» التي تحيط بعالمنا العربي ناجمة عن وهْم نابع من تفاؤل شديد غير متزن وغير متوازن وليس بمكانه، فلا نعود نبصر الثغرات ولا نستمع للتحذيرات..

وبيْني وبيْنكم أنْ يعيش المرء حلما ورديا أبديا بلا شغل ولا مشْغلة متعلقا دوما بحبال الوهم هو أريح شيء بالوجود ولكن نتائجه الوخيمة غيرمريحة على الإطلاق فما بال أمّة بأسرها..

فنكسة 5 حزيران 1967 كانت نتيجة توهّم بعض البلدان العربية بجاهزيتها.. ليثبت العكس تماما.. فإن اختار البعض تضييع عمرهم بالوهم على المستوى الشخصي الفردي.. فهم أحرار بأنفسهم لكن لا يجوز تضييع الأوطان بالأوهام!

ومن هنا لا بد من محاربة الوهم بهوَسه.. او الهوِس بوهمه.. وما جنون العظمة الا نتيجة الوقوع بمصيدة الوهم والتعلّق بحبال هوائه..

وتحدث الطامة الكبرى عندما لا نستطيع التفريق بين الوهم المرَضي والتخيل الإيجابي.. ومن هنا لا يجوز الخلط بينهما فالخيال مطلوب والوهم مرفوض مرفوض!

فحتما نحتاج الى التخيّل للتخطيط لأية تجربة علمية للحصول على النتائج المأمولة فالعلم بأنواعه مرتبط بالخيال وكذلك العمل.. فشتّان ما بين نسيج الخيال ونسيج الوهم، فالأول ينتج نسيجا إبداعيا مبتكرا منجزا مفيدا على الصعد كافة.. اما نسيج الوهم فهو على العكس تماما. مضِر ومدمّر!

وحتى لا ينطبق علينا قول: انا من ضيّع في الأوهام عمْره!

وعمْر غيره كمانْ..

فحذار من عَملة «الوهم والهوس».. حذار!