موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٨ مارس / آذار ٢٠١٥
النص الكامل لكلمة البطريرك ساكو في الاجتماع الوزاري لمجلس الأمن

نيويورك – أبونا :

فيما يلي النص الكامل لكلمة البطريرك لويس ساكو، بطريرك بابل للكلدان، خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري الذي عقده مجلس الأمن، أمس الجمعة، حول "ضحايا الاعتداءات والهجمات على أساس طائفي أو ديني في الشرق الأوسط"، بدعوة من فرنسا، التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي:

باسم المسيحيين بمكوناتهم الاثنية والثقافية، وباسم الاقليات الاخرى الممتحنة في الشرق الاوسط، اتقدم بشكري العميق الى الحكومة الفرنسية على هذه المبادرة الانسانية الرائدة، والى معالي وزير خارجيّتها السيد لوران فابيوس.

ايتها السيدات، ايها السادة

كما تعلمون ان هذه السنة توافق الذكرى المئوية لمذابح المسيحيين سنة 1915. واليوم، وبعد مائة عام تمامًا نعيش وضعًا مأسويا مماثلاً، مما يدفع بالاف المسيحيين الى الهجرة، وهذا يعدّ خسارة كبيرة للجميع. صراحة ان ما سمي بالربيع العربي انعكس سلبًا علينا، في حين لو اتيحت لنا فرصة التناغم ضمن النسيج المتنوع في المنطقة، لكنّا قوة دافعة للسلام والاستقرار والتقدم.

إننا من هذا المنبر، نطلق هذه الرسالة بوحي من القيم الانسانية والروحية، بأن التعايش الايجابي على اسس العدالة والسلام، بروح المحبة والمواطنة، ينبغي أن يبقى في أعلى سلم اولويات مجلس الأمن والأمم المتحدة. وفيما يخص بلادي أدعو إلى دعم الحكومة المركزية وحكومة اقليم كوردستان من اجل تحرير كافة المدن العراقية وبالنسبة الينا كمكون مسيحي ومكونات اخرى كالايزيدية والشبك والتركمان خصوصا تحرير مدينة الموصل وبلدات سهل نينوى وتوفير حماية دولية لسكانها المرحلين قسرًا (منطقة آمنة)، واصدار قانون يضمن حقوق ملكية اراضيهم فيتمكنوا بالتالي من العودة الى بيوتهم ومواصلة حياتهم الطبيعية. كما يجب على الحكومة المركزية تعويضهم عن الاضرار التي لحقت بهم.

ان المشكلة الاساسية هي في فهم الدين والدولة والمواطنة، والفرد والجماعة ودور المرأة والتربية الوطنية، وامكانيّة العيش معًا بسلام واحترام. فالتيارات الاسلاميّة المتطرفة ترفض العيش مع غير المسلمين، وتعمل على اضطهادهم واقتلاعهم من بيوتهم وجذورهم وشطب تاريخهم. انها أزمة فكر، واحتكار السلطة، وتعطيل المؤسسات، وتقييد الحريات. هذا الوضع المخيف يتطلب إرساء ثوابت على مستوى القانون الدولي لمنع حصول كذا انتهاكات كارثية بحق الانسان والانسانية. في نفس الوقت لا ينبغي تعميم افعال هؤلاء الارهابيين على المسلمين كافة. فهناك أغلبية مسلمة مسالمة وصامتة ترفض تسيس الدين وتقبل العيش المشترك في إطار دولة مدنية، دولة القانون والمؤسسات.

ان السلام والاستقرار لا يتحققان بالحلول العسكرية وحدها، فهي غير قادرة على تفكيك هذا الفكر المنغلق الذي يدمر البشر والحجر، بل يتطلب الامر من المجتمع الدولي، ومن ضمنه جامعة الدول العربية ومؤتمر الدول الاسلامية، اتخاذ قرارات قانونية واجراءات حاسمة من خلال تبني حلول سياسية وثقافية وتربوية مناسبة تحافظ على النسيج الوطني المتمثل بالأشخاص والجماعات على اختلاف دياناتهم وانتماءاتهم، وتصون حقوقهم وتوطد العلاقات بينهم.

كما نلفت النظر الى خطر قد يكون أكبر وهو وجود ملايين الاطفال والاحداث الذين حرموا من متابعة التعليم، وملايين اللاجئين في المخيمات من دون عناية واهتمام. فالإحباط والبطالة والفقر قد يدفع بهم ليكونوا بسهولة بيئة جيدة للانتقام والتطرف. لذا ينبغي الاهتمام باللاجئين وتلبية حاجاتهم والتخفيف عن معاناتهم.

اننا نقترح خطة عملية للخروج من هذه الحلقة المفرغة:

1- المطالبة، من منطلق الامم المتحدة بتغيير نافذ للدساتير والقوانين واصلاحها بحيث تحقق العدالة والمساواة والكرامة للجميع على اساس المواطنة الواحدة، من دون اعطاء امتياز للبعض على حساب البعض. وهنا اشير الى ضرورة قيام مشروع دولة مدنية تقف على مساحة واحدة من الجميع، وتعتبر نفسها مسؤولة عن حماية الجميع والحفاظ على حقوقهم كاملة.

2- تشجيع المرجعيات الدينية على تبني خطاب ديني معتدل يعمق الشعور بالمواطنة، اي ثقافة انتماء الناس الى وطنهم وليس الى طوائفهم أو عشائرهم؛ كذلك اصلاح برامج التربية في المدارس، بحيث ترسخ مفاهيم الاحترام بين المواطنين وتعزز قيم التسامح والحوار بين الديانات والمذاهب، وتنبذ الفرقة والكراهية وروح الانتقام، وتحصنهم من عواقب التطرف والعنف والارهاب من خلال تقديم فهم صحيح للنصوص الدينية وعدم السماح باجتزائها من سياقها.

3- اصدار قانون بتجريم ومحاسبة الدول والافراد ممن يمولون هذه الجماعات الارهابية بالفكر والمال والسلاح باعتبارها جرائم تهدد السلم الاجتماعي.

4- تطوير منظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني، ودعمها بحيث يكون دورها، ليس استشاريا فحسب، بل تنفيذيا مسؤولاً، على النطاق الاقليمي والدولي.

نشكركم ونتمنى لكم النجاح في رسالتكم الانسانية.