موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٣٠ سبتمبر / أيلول ٢٠١٧
النساء يقدن التغيير

جميل النمري :

أخيرا ستجلس المرأة السعودية وراء المقود، ليس لقيادة السيارة فقط بل لقيادة التغيير. والتغيير الاجتماعي في السعودية تأخر كثيرا وطال أكثر مما ينبغي كما هو حال أمور كثيرة أخرى لم تعد تتناسب إطلاقا مع روح العصر وتغير الأجيال ولا مع التقدم العمراني والتكنولوجي والاقتصادي للبلاد.

نحيي هذا القرار الجريء للقيادة السعودية وقد يكون الفضل فيه لولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان الذي جاء عبر حركة تغيير مفاجئة حملت دلالات كثيرة بينها التحول في وراثة العرش من الخط الأفقي بين الإخوة أبناء عبدالعزيز الى الخط العمودي من الأب الى الابن بما يعنيه من انتقال السلطة الى أجيال شابة تعيش زمنها وتفكر بعقلية عصرية.

الأمير القوي يملك رؤية داخلية تحديثية، ويدعم خطة تحديث إصلاحية تعرف باسم رؤية 2030، تهدف إلى تغييرات اجتماعية واقتصادية، تأخذ بالاعتبار أن لا يظل اقتصاد البلاد معتمدا فقط على النفط. وفي نيسان 2016 حين تم عرض الرؤية تم توجيه سؤال للأمير تحديدا عن قيادة المرأة للسيارة فتحدث بتلميح ايجابي عن دور المرأة ومشاركتها وهي نصف المجتمع، ولعله كان يضمر إنضاج القرار بهذا الشأن.

القرار الأخير يحمل رمزية اجتماعية كبيرة بالنسبة لوضع المرأة في المجتمع، كما أن وضع المرأة في المجتمع يحمل كل المعاني بالنسبة لتقدم المجتمع وتطور البلد الذي يمكن اعتباره الأشد محافظة في العالم، والقرار بالطبع لم يهبط على حين غفلة كهدية غير متوقعة للنساء، فنضال النساء من أجل حقوقهن بما في ذلك قيادة السيارة قديم وأخذ أحيانا طابع التحدي المباشر للقوانين المفروضة، والعام 1990 قادت نساء سبع عشرة سيارة في موكب تحدى السلطات مباشرة. والعام 2011 مع الربيع العربي بدأت حملة تحت عنوان "سأقود سيارتي بنفسي"، وفي 2013 تقدمت 3 عضوات في مجلس الشورى باقتراح للسماح للنساء بالقيادة، وفي 2015 تحدت امرأة سعودية الحظر بالدخول من البحرين الى السعودية بعربتها فتم وقفها.

ولعل تحريم قيادة النساء للسيارات كان على الدوام الرمز البارز للتحريم الذي تعيشه المرأة السعودية والذي يتخلف عقودا عن ضرورات الحياة العملية وضرورات ملموسة في حياة السعوديين اليومية لا تتعارض مع الدين ولا تصادم المتوسط العام للقيم السائدة. وقد قال الأمير نفسه إنها مسألة اجتماعية وليست دينية، لكن في السعودية تبدو بعض القيم الاجتماعية المتغلفة بالدين وتتمسك بها بعض الأوساط الدينية وكأنها تكبّل المجتمع بعكس ما يريده وما وصلت له ثقافته واحتياجاته وتطلعاته.

كثير من القيود الاجتماعية كما هي كثير من الأفكار والسياسات وكما هو الخطاب المهيمن لم يكن في أي وقت هو الاتجاه الرئيس في الإسلام، وبكل الأحوال مهما كان الرأي فيه فلم يعد ممكنا ولا مقبولا أن يحكم هذا الاتجاه حياة المجتمع والبلاد، وهو ما فهمته المملكة التي تريد ان تكون جزءا من المستقبل في هذا العالم المترابط أكثر من أي وقت مضى، لذلك فهي تحث الخطى للتحديث في كل المجالات.

في اعتقادي ان النساء السعوديات اللواتي عانين وكن الضحية الأبرز لعقود من التهميش والمهانة يتحفزن للمشاركة في التغيير، ومشهد النساء لأول مرة في شوارع الرياض وغيرها وراء المقود سيشع بقوة في القلوب والعقول من أجل التحرر والتغيير.

(نقلا عن الغد الأردنية)