موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢١ مايو / أيار ٢٠١٨
المونسنيور عكشة يسرد خبرته في الحوار المسيحي الإسلامي على مدار ربع قرن

المونسينيور خالد عكشة :

<p dir="RTL">فيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها المونسنيور الدكتور خالد عكشة، رئيس مكتب الحوار مع المسلمين وأمين سر لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين، في المجلس البابوي للحوار بين الأديان في الفاتيكان، وذلك في المحاضرة التي نظمها المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، بالتعاون مع اللجنة الثقافية في النادي الأرثوذكسي، في العاصمة عمّان بتاريخ 7 أيار 2015:</p><p dir="RTL">&quot;أعوذ بالله من قول أنا&quot;، ولكن كيف يمكن تجنب هذا عندما يدور الموضوع حول قرابة ربع قرن من العمر؟</p><p dir="RTL">على أي حال، لم أتردد في قبول دعوة الأب رفعت بدر بالتحدث إليكم، على الرغم من أني ترددت في البداية في ما يخص العنوان &ndash; لرغبتي في أن لا أكون محور اللقاء؛ إلا أني وثقت بحسّ الأب رفعت في اختيار العنوان الذي يراه مناسبًا، والذي أشكره والقائمين على النادي الأرثوذكسي العريق، ممثلين في د. سمير القطامي، على الدعوة الكريمة وعلى تنظيم هذا اللقاء الخيّر.</p><p dir="RTL">أود أن أتناول موضوع الحوار المسيحي &ndash; الإسلامي انطلاقًا من خبرة شخصية، أكثر منه من خلال بحث نظري، لافتًا انتباهكم إلى أن العمل الحواري الجاد يستند، بالنسبة لي كما لغيري، إلى رؤية إنسانية ودينية وروحية، وإلا كان سيرًا على غير هدى ومقارعة للريح، على حدّ قول القديس بولس.</p><p dir="RTL">أودّ أن أتناول العناوين التالية: البدايات، مفهوم الحوار وممارسته، الباباوات والحوار الديني، رسالة المجلس إلى المسلمين لمناسبة شهر رمضان، لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين، التعاون لمسكوني في إطار الحوار بين الأديان، الأسفار، تنظيم المؤتمرات والاجتماعات، المشاركة في المؤتمرات والاجتماعات، وأخيرًا، بعض الخواطر.</p><p dir="RTL"><strong>البدايات</strong></p><p dir="RTL">بدأت الخدمة في المجلس البابوي للحوار بين الأديان في الأول من كانون الأول عام 1994. سبق هذا التاريخ سنة قمت خلالها بالحصول على شهادة الدكتوراه في لاهوت الكتاب المقدس. الخدمة التي سبقت كانت في المعهد الاكليريكي للبطريركية في بيت جالا لمدة أحد عشر عامًا. وأما الخدمة الأولى التي تلت السيامة الكهنوتية فكانت في مأدبا لمدة أربع سنوات، الثلاث الأولى كانت مع المرحوم الأب فؤاد حجازين، والرابعة مع الأب مارون لحام، الذي سيم أسقفًا لاحقًا. تعلّمت الكثير من الأب فؤاد، الذي قدّرت فيه أكثر ما قدّرت حكمته وروحه الطيبة وشهادته الكهنوتية.</p><p dir="RTL">قد تسألونني: كيف دخلت إلى المجلس؟ أجيبكم: لا أعلم. فالاتصال الأول كان مع أمين سر الدائرة آنذاك، المطران مايكل فيتزجيرالد، من جمعية مرسلي إفريقيا، المعروفين بالآباء البيض. وكانت الغاية من الاتصال الطلب إلي ترجمة رسالة المجلس إلى المسلمين لمناسبة شهر رمضان، وسوف أعود إلى هذا الموضوع فيما بعد.</p><p dir="RTL">وعندما عرض عليّ المطران فيتزجيرالد فيما بعد الالتحاق بالدائرة، خلفًا للأب اليسوعي توماس ميشيل، قبلت. ولا بد أن مسؤولي المجلس حصلوا قبلاً على موافقة رئيسي الكنسي آنذاك، البطريرك ميشيل صباح، والذي تربطني به علاقة تقدير ومودة.</p><p dir="RTL">كان رئيس الدائرة آنذاك الكاردينال فرنسيس أرينزي، النيجيري الأصل. مما لفت نظري فيه حكمته وغيرته الرعوية ومرحه. وأذكر ما قاله لي في لقائنا الأول: &quot;حتى الكلب يعرف إن كنت تحبه أم لا&quot;. وهذا القول البسيط الحكيم غني عن الشرح. وأما عن الغيرة الرعوية، فهي كنز الكاهن وحصنه، وبالنسبة لأمثالي أمر أساس يحمي من خطر التحوّل من راعٍ إلى موظف. ومن هنا التوصية الموجّهة إلى الكهنة العاملين في الدوائر الرومانية بأن يبقوا على علاقة بالحياة الراعوية. وفيما يخصني تعلق في، فقد حظيت بممارسة الخدمة الراعوية، في رعية لها صلة وثيقة بالبطريركية، قريبة من موطن الأب آلدو وكذلك الأسقفين بولس ماركوتسو وايلاريو انتونياتسي.</p><p dir="RTL"><strong>مفهوم الحوار وممارسته</strong></p><p dir="RTL">أجد الآن لزامًا عليّ أن أقول كلمة عن الحوار الديني كيف نفهمه وكيف نعيشه.</p><p dir="RTL">الملحوظة الأولى هي أن الحوار ليس بين الأديان، بل بين المؤمنين بها. وليس الحوار جدالاً ولا مساومات &ndash;مما قد يتيح المجال لتنازلات&ndash; ولا يقتصر، كما قد يوحي المصطلح، على الكلام بل يتعدّاه إلى مجمل العلاقات بين الأفراد أو الجماعات انطلاقًا مما يؤمنون به. هو إصغاء وتحدث، هو شهادة تؤدى إلى ما يؤمن الإنسان به. وقد اعتدنا التمييز بين أربعة أشكال من الحوار: حوار الحياة، حوار العمل المشترك، الحوار اللاهوتي، وأخيرًا حوار الخبرة الروحية. ولعل الأهم بينها هو <strong>حوار الحياة،</strong> أي العلاقات بين المؤمنين من أديان متعددة، وفيما يخصّنا في الأردن، العلاقات بين المسيحيين وإخوتهم المسلمين. قد تكون العلاقة جوارًا أو دراسة على مقعد واحد في المدرسة أو في الجامعة أو العمل معًا في دائرة حكومية أو في مكتب.</p><p dir="RTL">وإني لمتأكد أنه لو أتيحت الفرصة لكل منا لقص الكثير عن علاقات احترام ومودة مع أصدقائه أو جيرانه المسلمين، والعكس صحيح. وهذه الخبرة الجميلة الغنية لا تقتصر علينا بل تتعدانا إلى الآباء والأجداد. ولست على علم إن تمّ جمع هذا التراث المشرّف ليبقى شاهدًا أمام الأجيال الحاضرة والآتية على طيبة الأردني ونبل خلقه وسعة قله وعقله. وأضيف أن هذا المشروع أصبح أكثر ضرورة بعد أن ارتفعت بعض الأصوات النشاز التي تفرّق ولا تجمع &nbsp;وتحاول زرع الفتنة٬ لا قدّر الله.</p><p dir="RTL">وأما حوار <strong>العمل المشترك،</strong> فالمقصود به عمل أناس ينتمون إلى أديان متعددة في مشروع خيّر سواء كان ذلك إغاثة لمن حلّت بهم كوارث طبيعية أو ويلات الحرب أو الفقر أو المرض أو الشيخوخة أو العزلة أو الإدمان على المخدرات أو غير ذلك.</p><p dir="RTL">وفيما يتعلق <strong>بالحوار اللاهوتي،</strong> فليس القصد منه بالضرورة تناول موضوعات نتفق على بعضها ونختلف في بعضها الآخر، إنما النظر في موضوعات اجتماعية من وجهة نظر المسيحية والإسلام، مثل الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، وتربية الأجيال الصاعدة، والحفاظ على موارد الأرض وحماية بيتنا المشترك، بحسب تعبير البابا فرنسيس، أي الكوكب الذي نعيش فيه.</p><p dir="RTL">وقد يقول البعض بأنه لا مجال لحوار ديني أو لاهوتي بالمعنى الحصري، فأجيب بأنه ممكن، كدراسة مفهوم الإلوهية والحياة الأبدية والحياة الأخلاقية المتأتية عن الإيمان. ولا يهدف، لا هذا الشكل من أشكال الحوار ولا غيره، إلى فتنة المؤمن عن دينه ولا إلى إقناعه قسرًا بوجهة نظرنا، إنما إلى المزيد من المعرفة المتبادلة والبحث عن المشترك وتعظيمه وشكر الله عليه، ومعرفة ما نختلف فيه واحترام الحق المشروع في الاختلاف. وفي هذا السياق يعتبر التأكيد القرآني على أنه لو أراد الله تعالى لجعل الناس أمة واحدة الشعار الإسلامي الأهم المؤدي إلى احترام التنوع٬ بدءا بالتنوع الديني.</p><p dir="RTL">ولعل الكلام على الحوار اللاهوتي يفتح المجال للتعريج، ولو سريعًا، على ما يسمى عادة <strong>بحوار النخبة،</strong> أعني ذاك الذي يدور بين رجال دين وثقافة وأكاديميًا، ويبقى في أغلب الأحيان أسير صالات الاجتماع، منتهيًا على أحسن حال ببيان ختامي قد لا يصل حتى إلى المهتمين بالحوار! والواقع أن هذا الانتقاد في محله إلى حد كبير. فمن الأهمية بمكان أن تصل نتائج الحوار إلى أكبر عدد من الناس وأن تنتشر في الصحافة الورقية والإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي. وحق علي أن أشيد بدور موقع أبونا في نشر أخبار ومقالات حول الحوار بين المسلمين والمسيحيين في بلادنا وفي المنطقة وفي العالم كذلك. ولكي يحقق حوار النخبة الغاية المتوخاة منه، فمن الضروري أن يصل إلى القوانين الناظمة لحياة المجتمعات والى المناهج المدرسية والى المدرّسين، سواء كان ذلك في المدارس أو الجامعات. وقد تابعت بقدر ما يسمح لي الوقت النقاش الذي دار حول تغيير المناهج في بلدنا.</p><p dir="RTL"><strong>البابوات والحوار الديني</strong></p><p dir="RTL">حوار الكنيسة مع مؤمني الديانات الأخرى أمر واجب ومن جوهر رسالتها. فالكنيسة، كما مؤسسها هي كلمة، هي خطاب محبة وخير لكل إنسان. والحوار رسالة كل عضو في الكنيسة بحسب دعوته. ولا بد هنا من إشارة وإشادة بدور المدارس والجامعات المسيحية، والمؤسسات الاجتماعية، مثل الكاريتاس، والعلاجية، من عيادات ومستشفيات، ودور رعاية المسنين، مثل دار السلام التابعة لراهبات الأم تريزا.</p><p dir="RTL">وما يقال عن المؤمنين عامة، يقال من باب أولى عن البابوات. فالبابا أب للجميع بصرف النظر عن الانتماء الديني أو الطائفي. وبالطبع، فلكل حبر شخصيته ورؤيته للأمور. وقد تشرفت بخدمة الرسالة الحوارية خلال حبريات البابا القديس يوحنا بولس الثاني والبابا بندكتس والبابا فرنسيس المالك سعيدًا. حظيت بلقاء خاص مع البابا فرنسيس مرتين، كما سعدت بالسلام عليه مرات عديدة في إطار لقاء وفود مسلمة أو مؤتمرات مسيحية-إسلامية. وفي نهاية أحدها، الذي قمت بالترجمة خلاله، استوقفني، بعد أن سلمت عليه ليسألني &ndash;مع معرفته بأني عربي أردني: &quot;أنت تجيد العربية، فمن علّمك إياها؟&quot;.</p><p dir="RTL"><strong>رسالة المجلس إلى المسلمين لمناسبة شهر رمضان</strong></p><p dir="RTL">بدأ هذا التقليد الجميل عام 1967. وكان اسم الدائرة آنذاك &quot;أمانة السر لغير المسلمين&quot;. وتم التغيير إلى الاسم الحالي عام 1986 بقرار من البابا القديس يوحنا بولس الثاني من خلال الوثيقة الراعي الصالح التي تم من خلالها تجديد الكوريا الرومانية وتحديثها. ولعلمكم، فسوف تصدر قريبًا وثيقة أخرى غايتها تجديد الدوائر الرومانية بحسب رؤية البابا فرنسيس.</p><p dir="RTL">القصد الأول من الرسالة هو تقديم التهاني لمسلمي العالم كافة بحلول شهر الصوم والصلاة والصدقة، ومع التهاني التمنيات بأن يأتي الشهر بالثمار المرجوة. وتقدم الرسالة في الوقت عينه موضوعا للتفكير والنقاش. ويستعين المجلس بالسفارات البابوية وبلجان الحوار التابعة للمجالس الأسقفية لإيصال الرسالة إلى رجال الدين والسياسة والثقافة والفكر. وتردنا بعض الإجابات بما في ذلك رؤساء دول ووزراء.</p><p dir="RTL">وأسر بأن أطلعكم على قاله بعض أعضاء مجلس الأساقفة اللاتين في البلاد العربية خلال زيارتهم القريبة العهد إلى روما عن الأثر الطيب لهذه الرسالة وآفاق التلاقي والحوار الذي تفتحه. آمل أن تجد الرسالة الاهتمام الذي تستحقه من الصحافة في بلدنا كما في البلدان الأخرى بأن تتسع صفحاتها لنشرها.</p><p dir="RTL"><strong>لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين</strong></p><p dir="RTL">أسسها البابا الطوباوي بولس السادس في تشرين الأول 1974، في اليوم عينه الذي أعلن فيه عن تأسيس لجنة العلاقات الدينية مع اليهود، في إشارة واضحة إلى الروابط الدينية والروحية التي تجمع بين أتباع الديانات التوحيدية الثلاث. ومن الأهمية بمكان التركيز على ضرورة الحفاظ على الأديان بعيدا عن التجاذبات السياسية والتوظيف السياسي للدين، وأن تبقى هذه على فسحة حوار وأمل، وبخاصة عندما تتلبد الآفاق ويشتد التوتر وتقترب الصراعات.</p><p dir="RTL">تتكون اللجنة من رئيس المجلس وأمين سره ورئيس المكتب للإسلام، ومن ثمانية مستشارين منتخبين من قارات العالم الخمس. يتم خلال الاجتماعات السنوية تدارس العلاقات بين المسحيين والمسلمين، على وجه الخصوص في بلدان المستشارين. كما يتم البحث في موضوع ذات اهتمام مشترك، تتم طباعة نتائجه في نهاية المدة القانونية للجنة، والتي هي خمس سنوات.</p><p dir="RTL"><strong>التعاون لمسكوني في الحوار بين الأديان</strong></p><p dir="RTL">التعاون الأهم والأقدم في هذا المجال هو القائم بين المجلس البابوي ومجلس الكنائس العالمي، ومركزه جنيف في سويسرا. نلتقي سنويا في روما أو في جنيف لتبادل الأخبار والخبرات ولكتابة وثائق مشتركة. تتناول الوثيقة التي ستصدر قريبا موضوعا هو تربية الأجيال الصاعدة على السلام. وهناك تعاون وتنسيق مع ممثل البطريرك المسكوني في القسطنطينية وممثل رئيس أساقفة كنتربري رأس الشركة الأنجليكانية في لندن. وتعاوننا هذا علامة من علامات الرجاء وتشجيع للحوار الإسلامي-الإسلامي. ومن دواعي السرور وبواعث الرجاء الزيارة المرتقبة لقداسة البابا فرنسيس إلى مجلس الكنائس العالمي.&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;</p><p dir="RTL"><strong>الأسفار</strong></p><p dir="RTL">إن العاملين في مجال الحوار بالفاتيكان بحاجة ماسة إلى البقاء على صلة بواقع الناس على اختلاف بلدانهم وأوضاعهم، وإلا فسيكون عملهم وكلامهم نظريًا مجردًا لا يصل إلى المخاطبين ولا يوجه إليهم الكلام المناسب. وقد يكون السفر للمشاركة في مؤتمر أو لحضور اجتماع أو تلبية لدعوة من الكنيسة المحلية أو من مؤسسة أو منظمة تعمل في مجال الحوار. ومثالا على ذلك٬ فحضوري إلى الأردن يأتي في إطار عقد المؤتمر الخامس بين المجلس والمعهد الملكي للدراسات الدينية والذي يرأسه٬ كما هو معلوم٬ سمو الأمير الحسن بن طلال. وكثيرا ما يقتصر السفر على هدفه الرئيس، بدون بعد سياحي. ولكننا نحرص دائمًا وعلى قدر الإمكان على التواصل قدر الإمكان مع الكنيسة المحلية، تعزيزًا للشركة الكنسية ومن باب دعمها عندما تكون قليلة العدد والعدة. وهناك سبب آخر: فالبعض يبحث عن الحوار مع الفاتيكان دون الالتفات إلى الكنيسة المحلية، محاولا أحيانا القفز فوقها، وهذا ما نرفضه تمامًا، محاولاً أحيانًا القفز فوقها، مؤكدين على التواصل محليًا قبل محاولة الوصول ألينا.</p><p dir="RTL">وفيما يخصني، فقد حملت عصا السفر إلى تشاد ونيجيريا في أفريقيا السوداء، والى المغرب وتونس وليبيا في شمال أفريقيا، وإلى مصر &ndash;طبعًا&ndash; وإلى لبنان وسوريا، وقبرص وتركيا، وإيران وأذربيجان، والى كازاخستان &ndash;مرارًا&ndash; وأوزباكستان، وإلى اندونيسيا وماليزيا، والى الولايات المتحدة الأمريكية والى العديد من الدول الأوروبية. وغني عن القول أن كل سفر يعني وجوها جديدة وخبرات وصداقات. ولعل من أهم العبر المستقاة هي الانتباه إلى التأثير المتبادل أو التلاقح بين الدين والثقافات، مما ينتج عنه مقاربة نحو الأديان فيها الكثير من المشترك بين المؤمنين على اختلاف أديانهم، ينجم عنها انسجام وتناغم. وما يحدث لسوء الحظ هو مجيء مبشرين &ndash;عادة من الإنجيليين&ndash; أو دعاة من خارج البلد فيلقون البلبلة أو الفرقة بين الناس، لجهلهم بثقافة ذلك البلد وبخبرة العيش المشترك التي قد تكون ممتدة لقرون، كما هو الحال في بلدنا. كما أن الظاهرة نفسها قد تحدث عندما تتم تنشئة رجال الدين في بلدان تُعرف بتشددها أو بغلوّها في دينها.</p><p dir="RTL">وأود أن أورد هنا خبرًا سارًا من أذربيجان التي زرتها قبيل عيد الميلاد. فقد علمت أن شيخ الإسلام فيها، شكر الله باشا زادة، وهو أيضا صديق عزيز، قد تبرّع بمبلغ من المال عند بناء الكاتدرائية الكاثوليكية في العاصمة باكو، كما أن السيدة الأولى قدمت الزجاج الفني.</p><p dir="RTL">وكوننا في سياق الأخبار السارة، في مجال العلاقات المسيحية-الإسلامية، وحول بيوت العبادة تحديدًا، فقد أصدر مفتي مصر فتوى فحواها أن الجندي الذي يسقط دفاعا عن كنسية هو شهيد مثل الذي يقدّم حياته عن وطنه. ولعلّي استطرد لأقول بأنه من باب الحكمة والعدل والموعظة الحسنة أن ننشر أخبارًا طيبة في مجال العلاقات بين الأديان، لأن قطاعًا من الصحافة لا يولي اهتمامًا إلا للأخبار السلبية. واسمحوا لي أن أعبرّ عن أمنية: أن تكون الصحافة موضوعية ومنصفة، وأن لا تقتصر على نشر السلبي من الأخبار عن الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية عمومًا.</p><p dir="RTL"><strong>تنظيم المؤتمرات والاجتماعات</strong></p><p dir="RTL">وقّعت دائرة الكرسي الرسولي (الفاتيكان) اتفاقات خلال العقود الثلاثة الماضية مع مؤسسات أو منظمات إسلامية، مركزها الشرق الأوسط على وجه الخصوص، نتج عنها شراكات وتعاون. فقد تطرقت قبل قليل إلى المؤتمر الخامس بين المجلس وبين المعهد الملكي للدراسات الدينية. وما اعتدنا عليه مع شركاء آخرين كذلك، هو أن نعقد مؤتمرا مرة كل سنتين، في مكان تختاره الجهة المنظّمة للاجتماع، يسبقه لقاء تحضيري يتمّ الاتفاق خلاله على كافة التفاصيل، كالموضوع ومحاوره وعدد المشاركين والبرنامج واللغات المستعملة والإمكان المعطى للصحافة ولأشخاص من غير المشاركين بحضور فقرات منه، عادة ما تكون جلسات الافتتاح والختام. &nbsp;</p><p dir="RTL">وقام المجلس، مع ممثلين عن الموقعين على الرسالة الموجهة إلى البابا بندكتس السادس عشر وقادة دينيين مسيحيين آخرين من رجال دين وأكاديميين ومثقفين مسلمين، بتأسيس المنتدى الكاثوليكي-الإسلامي، الذي عقد دورته الرابعة في بيركلي بكاليفورنيا، في شهر تشرين الثاني المنصرم. والمنسّق عن الجانب الإسلامي هو سمو الأمير غازي بن محمد.</p><p dir="RTL">ولنا حوار منتظم مع مركز الحوار بين الأديان في طهران، التابع لمنظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية. ويعود تنظيم المؤتمر الأول إلى عام 1994، حيث التقي الطرفان حول موضوع تقييم الحداثة من وجهة نظر المسيحية والإسلام. ومعلوم أن شركاء المجلس في هذا الملتقى هم من المسلمين الشيعة، فنحن نقف على مسافة واحدة من إخواننا المسلمين من سنّة وشيعة، كما داخل الأسرة السنّية والشيعية.</p><p dir="RTL">ويعود الحوار بين المجلس البابوي والأزهر الشريف إلى عام 1998، عندما تم التوقيع في روما على اتفاق تعاون يقضي بالالتقاء مرة كل سنة في روما والقاهرة على التناوب. وقد عادت الأمور إلى مجاريها بعد زيارة شيخ الأزهر د. أحمد الطيب إلى الفاتيكان، يوم 26 أيار 2016، التي تبعتها زيارة البابا فرنسيس إلى مصر ومشاركته في المؤتمر العالمي للسلام الذي نظّمه الأزهر في شهر نيسان 2017.</p><p dir="RTL">ولعلها مفاجئة لكم: من أقدم المبادرات بين المجلس البابوي للحوار بين الأديان ومنظمة إسلامية، المؤتمر الذي عقد في طرابلس في ليبيا عام 1976 بين المجلس وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية الليبية المنشأ والتي مركزها طرابلس. وقد استمر تنظيم المؤتمرات بين الطرفين حتى بداية الأحداث الأليمة التي حلّت بليبيا. ولا يزال التعاون قائما رسميا.</p><p dir="RTL">وأرى من المفيد أن أعرّج في هذا السياق، ولو بسرعة، على موضوع غاية في الأهمية، أعني العلاقة بين الحوار من جهة، والبشارة أو الدعوة من جهة أخرى. فكما أسلفـت، &nbsp;لا يهدف الحوار إلى تشكيك المخاطب في دينه أو إلى حثّه على تركه أو تغييره، بل إلى مزيد من المعرفة والاحترام المتبادلين، والتعاون على ما فيه خير الفرد والجماعة. وليس الحوار شكلا مقنّعا من أشكال الدعوة أو البشارة. ولكن إذا قرر إنسان اعتناق دين آخر انطلاقا من خبرة دينية حدثت في إطار الحوار، فلا يجب أن يمنعه أحد عن ذلك.</p><p dir="RTL">وتأكيدا على ما في العلاقة بين الحوار والبشارة من أهمية، فقد أصدر المجلس البابوي للحوار بين الأديان، بالتعاون مع مجمع نشر الإيمان بين الشعوب، وثيقة بعنوان &quot;الحوار والبشارة. أفكار وتوجيهات حول الحوار بين الأديان والبشارة بإنجيل يسوع المسيح. وثيقة مشتركة بين المجلس البابوي للحوار بين الأديان ومجمع نشر الإيمان بين الشعوب&quot;، 19 أيار 1991.</p><p dir="RTL">كما أن هذا التمييز الضروري بين الأمرين تمّ الاتفاق عليه مع بعض الهيئات الإسلامية التي تعنى بالدعوة والإغاثة في آن، لنصل إلى تفاهم مفاده أن الإغاثة أو العون المقدمين لضحايا الكوارث أو الحروب أو للمعوزين يجب أن لا تقترن بدعوتهم إلى اعتناق دين المغيث أو التخلي عن دينهم، إنما تتم مساعدتهم لدواع إنسانية ولوجه الله.</p><p dir="RTL">وهناك القمة المسيحية&ndash;الإسلامية، وهي مبادرة للكنيسة الأسقفية في واشنطن شاركت فيها الكنيسة الكاثوليكية وممثلون عن المسلمين من السنّة والشيعة. وقد عُقدت إلى الآن أربع دورات في واشنطن وبيروت وروما وطهران تباعا. وتمّ الاتفاق على أن تُعقد الدورة القادمة في روما. ولعلّ من أهمّ ما تمّ التوصل إليه في إطار لقاءاتنا الاتفاق على تفسير النصوص الدينية وفهمها دوما بما يتناسب مع احترام كرامة الإنسان والحقوق غير القابلة للتفاوض المتأتية عنها.</p><p dir="RTL">ولنا في الغرب العربي، وفي المملكة الغربية تحديدا، شراكة مع الرابطة المحمدية للعلماء -ويقصد بهم العلماء المسلمين&ndash; التي تأسست في الرباط عام 2006 ويرأسها ملك المغرب، ويديرها أمين عام هو حاليا د. أحمد العبادي. ومن ضمن أهدافها &quot;توثيق أواصر التعاون والتواصل بين العلماء والمفكرين والجمعيات والهيئات العلمية والمؤسسات الثقافية الوطنية والأجنبية&quot;.</p><p dir="RTL">تمّ في 3 أيار 2017 تأسيس لجنة مشتركة بين المجلس البابوي والرابطة المحمدية. وقد تمّ توقيع الاتفاقية في إطار يوم دراسي، في اليوم عينه، بين المجلس وأكاديمية المملكة المغربية حول موضوع: &quot;مؤمنون ومواطنون في عالم متغيّر&quot;.</p><p dir="RTL">والتعاون الأحدث للمجلس البابوي للحوار بين الأديان هو مع رابطة العالم الإسلامي، ومركزها مكة المكرمة، كما هو معلوم. ولعل هذا التعاون الجديد بين الجانبين يندرج في إطار إصلاحات ولي العهد الملكة العربية السعودية ومن ضمنها العودة وبسرعة إلى الإسلام الوسطي والى إسلام ما قبل الصحوة. تمّ التوقيع على مذكرة تفاهم بين الطرفين في التاسع عشر من نيسان، في إطار زيارة وفد المجلس البابوي للمملكة، والتي بدأت في الثالث عشر من الشهر عينه.</p><p dir="RTL"><strong>المشاركة في المؤتمرات والاجتماعات</strong></p><p dir="RTL"><strong>مجلس رؤساء الأديان العالمية والتقليدية، استانا، كازاخستان</strong></p><p dir="RTL">تأسس المجلس بمبادرة من رئيس الدولة نور سلطان نازربايف عام 2008، ويعقد دوراته كل ثلاث سنوات. وقد شارك المجلس البابوي في التأسيس وفي الفعاليات الرامية إلى تحضير الدورات. رئس الوفد الكاثوليكي دوما كاردينال في إشارة إلى اهتمام الكرسي الرسولي بالمبادرة.</p><p dir="RTL">يعيش مواطنو البلد الآسيوي في تناغم على الرغم من كثرة أعراقهم وأديانهم وثقافاتهم، ولكنهم يخافون على أنفسهم من انتشار التطرف، الذي يكوّن الحاضنة للعنف والإرهاب باسم الدين.</p><p dir="RTL"><strong>مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان</strong></p><p dir="RTL">أسهم المجلس بما له من خبرة في تقديم المشورة التي طلبت عند تأسيس المجلس في شهر أيار 2007<strong>.</strong> والذي أتى كثمرة لتوصيات مؤتمر الدوحة لحوار الأديان. وتم افتتاحه رسمياً في 14 أيار 2008 ويهدف المركز الى &quot;نشر ثقافة الحوار وقبول الآخر والتعايش السلمي بين أتباع الديانات&quot;. وشارك مندوبون عن الدائرة الفاتيكانية في الكثير من دوراته.</p><p dir="RTL"><strong>مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لحوار الأديان والثقافات</strong></p><p dir="RTL">أطلع المرحوم الملك عبد الله بن عبد العزيز البابا بندكتس السادس عشر خلال زيارته للفاتيكان على رغبته في إطلاق مبادرة في مجال حوار الأديان. شجّعه البابا بندكتس على المضي قدما في هذا المشروع، واعدا بدعم من الكرسي الرسولي. المبادرة الأولى كانت الدعوة إلى مؤتمر عالمي عُقد في مدريد عام 2008. تطورت الفكرة إلى إنشاء مركز للحوار باسم مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لحوار الأديان والثقافات. تم اختيار العاصمة النمساوية مقرا له. الكرسي الرسولي عضو مراقب مؤسس.</p><p dir="RTL"><strong>بعض الخواطر</strong></p><p dir="RTL">- الخدمة في روما نعمة وشرف. فهناك إمكان على الاطلاع على الأمور في كثير من البلدان وعلى زيارة بعضها ولقاء أساقفة وكهنة وعلمانيين، كما مؤمنين من الديانات الأخرى، في غالبيتهم مسلمون فيما يتعلّق في. شرف أن تكون ممن يساعدون الحبر الأعظم في تأدية رسالته في خدمة الكنيسة الجامعة والبشرية بأكملها.</p><p dir="RTL">- من ضمن التحديات أن البعض ينتظر منك ويريدك أن تقول ما يحبّ، لا ما تحبّ، أي ما يمليه عليك ضميرك، وكذلك أن تتعاون مع المسؤولين على كافة مستوياتهم دون أن تصبح <span dir="LTR">yes man</span></p><p dir="RTL">- عليك أن تجد توازنًا، مثل الذي يحتاجه من يمشي على الحبال: أن تشهد للمسيح دون أن تبشّر.</p><p dir="RTL">- وعليك أن تصالح دومًا بين الحقيقة والمحبة.</p><p dir="RTL">- عليك أن تهتدي دومًا بنورين: نور الإيمان ونور العقل.</p><p dir="RTL">- عليك أن لا تقبل بأن لا يكون حولك إجماع وأن تحترم الرأي المخالف وأن تطالب بالشيء نفسه.</p><p dir="RTL">وطوبى لك إن استطعت أن تقول، بنعمة الله، في كل نهاية، سواء كانت نهاية يوم، أو نهاية سنة، أو نهاية خمسة وعشرين سنة، أو نهاية مسيرتك الأرضية: جاهدت الجهاد الحسن، وحافظت على الإيمان، وأطمع في الجائزة.</p><p dir="RTL">وأخيرًا، الحمد لله على نعمة هذا اللقاء، والشكر لكم جميعًا على حضوركم وعلى حسن إصغائكم.</p>