موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الإثنين، ١٠ يوليو / تموز ٢٠١٧
المواطنة من وجهة نظر مسيحية ولاهوتية

عمان - القس سامر عازر :

 

"اطلبوا سلام المدينة.. وصلوا لأجلها إلى الرب لأنه بسلامها يكون لكم سلام" (إش 29: 7).

 

يقول القديس أوغسطين أنَّ المسيحي هو مواطن في مملكتين: مملكة الأرض ومملكة السماء. ولذلك معنى ومغزى كبير إذ أن لكل موطنة حق علينا. فلا يجوز أن تكون واحدة على حساب الأخرى، ولا يجب أن نبالغ بالواحدة على الأخرى، بل أن نسعى لأن نكون مواطنين في المملكتين: مملكة السماء ومملكة الأرض. فلكل منهما حق علينا، وعلينا أن نسعى لنكون حقاً مواطنين في كلتا المملكتين. وهناك من يظن أنه يعيش في السماء متناسياً أنه يعيش في هذا العالم، وهناك من يعيش في هذا العالم بطوله وعرضه متناسياً أن يكون أيضاً مواطناً في مملكة السماء.

 

للنظر إلى موضوع المواطنة من منظور مسيحي علينا أن نتفكر بحياة السيد المسيح الذي ولد في بلدة الناصرة من أعمال فلسطين، وخضع ووالديه للقوانين السائدة آنذاك، ويقول الإنجيل أن المسيح جال يصنع خيراً ويشفي كل ضعف في الشعب. أحب المسيح الناس وكل الناس لا بل عمل على إزالة الفوارق بين الناس ورفع من قيمة المرأة وخالط العشارين والخطاة، وحبُّه هذا لم يكن بأقل من حبه لوطنه فلسطين الذي ولد فيه في الزمان والمكان المعينين من الله. وبلا شك كان مهتماً بالحفاظ على الصالح العام وعلى القوانين المرعية. ومن جمله المشهورة عندما اختبره رؤساء الكتبة والفريسيين ليجربوه "أعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، بمعنى أنه هناك حقوق للدولة وهناك حقوق للوطن علينا أن نؤديها وواجب علينا أن نطيع القوانين والأنظمة المرعية لأنه واجب علينا أن نخضع للسلطات " لتخضغ كل نفس للسلاطين. لأنه ليس سلطان إلا من الله "والسلاطين الكائنة هي مرتبه من الله (رو13: 1)، لأن السلطات هي من الله وتَقصد أن تحافظ على النظام وصون الكرامة الإنسانية وتحقيق العدالة بين الناس، فالسلطان هو خادم الله للصلاح (رو 13: 4).

 

ويطلب منا بولس الرسول في رسالته الأولى إلى تيموثاوس أن تقام صلوت وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس ولاسيما الملوك والحكام لكي نقضي حياة آمنة مطمئنة في كل تقوى ووقار (1 تمو 2: 1-2). فالوطن ومسؤولية المحافظة على الوطن هي جزء لا يتجزأ من إيماننا المسيحي. وأصعب وضع على الإنسان أن يكون بلا وطن وبلا هُوية، كأن يكون لاجئًا أو مشردًا أو مستعمَرًا أو تحت الاحتلال، لأنه عندها يعرف قيمة الأرض وقيمة الوطن.

 

وإيماننا المسيحي ليس إيمانًا نظريًا بل يجب أن ينعكس على نوعية الحياة التي نحياها، وكذلك على واقع حياتنا التي نعيشها في كل مجالات الحياة. واليوم أكثر من أي مضى نتكلم على الإيمان الذي يترجم إلى الصالح العام، لذلك فالكنيسة ليست بديلاً على الدولة وليست موازية لها، وإنما هي جزء منها وتسعى للشراكة الفاعلة والحقيقية في إتمام إرادة الله الصالحة في الحفاظ على الخليقة، وتحقيق العدالة وتطبيق قوانين حقوق الإنسان.

 

وقد انقسم المسيحيون تاريخيًا على ضرورة الاندماج في الحياة العامة. إلا أن الأغلبية الساحقة تجد أن حياة المسيحي هي جزء من حياة المجتمع وضرورة لا بل واجب أن ينخرط المسيحي في كل نواحي الحياة وأن يكون شريكًا في مسيرة البناء والإعمار. مجموعة صغيرة تجد مفهوم إيمانها بالإنعزال عن الحياة العامة وعدم الاشتراك فيها أو المساهمة فيها بكل النواحي، لأنها تلوث حياة الإيمان والنمو الروحي. لكن على العكس فإن اللاهوت المسيحي يقدس الحياة ويقدس العمل ويقدس كل عمل مهمًا كان ويعلي شأن الأوطان، فكيف إذا كان هذا العمل جزء من بناء الوطن والحفاظ عليه وتوفير الأمن والأمان له.

 

وفي إحدى ترانيمنا الكنسية هذه الترنيمة المخصصة للوطن والتي جاء فيها: "محبة الأوطان حتم على الإنسان، في كل آن. يا أيها المنّان، يا مصدر الإحسان، بارك لنا البلدان، طول الزمان. وبدد الشرور ووفق الأمور أنت السميع، ودرب الحكام للعدل في الأحكام ليملك السلام بين الجميع. أنظر إلى السكان واهد إلى الإيمان كل الغواه، وبارك العيال وأصلح الإحوال ويسر الأعمال في ذي الحياة. وبارك الأقطار واسكب بها الأمطار يا منعمُ، بارك لنا الزرعا والغرس والمرعى والأصل والفرعا يا أرحم".

 

لذلك أن تكون مسيحيًا يعني أن تكون مواطنًا صالحًا، أن تعمل في كل الأعمال التي يتطلبها الوطن ولكن بروح المحبة المسيحية. فنحن إنما مدعويين أيضًا للخدمة العسكرية والأمن العام والجيش وما شابه ذلك. وأن نبادر في مجمتمعاتنا بكل المبادرات التي تبني الوطن وتخدم المواطن وكل الناس.

 

فنحن مواطنون ولسنا غرباء، كما يقول بولس الرسول في معرض حديثه عن المؤمنين من شتى الأصول والأعراق "فلسنا إذا بعد غرباء ونزلاء بل رعية من القديسيين وأهل بيت الله". ومواطنتنا هي مسؤولية مقدسة.. هي أمانة. الوطن هو البيت الكبير كما أن البيت هو بيتنا الصغير. وواجب الأعتناء به وتقويته وازدرهاه هو مسؤولية كبيرة تنبع من عمق إيمانيٍ بأنَّ الله قدس وبارك الأرض وكل البلدان وبتجسده في عالمنا أعطى القيمة الحيقيقة له، وبأن العناية به هي جزء من رسالتنا ودورِنا في الحفاظ على خليقة الله وعلى السلام  والأمن والاستقرار.

 

 

العربي المسيحي وعلاقته بوطنه

 

قبل كل شيء علينا التنيه لهُويتنا، فهُوية العربي المسيحي تجمع بين خاصتين: أولاهما أنه المطّل على العالم المسيحي في الخارج، وثانيهما أنه العربي المتجذر في ارضه وتراثه وقوميته. وهاتين الخاصتين تجعلان منه  بأن يكون عنصر حداثة وتجديد في محيطه من ناحية، وأن يكون عامل تأصيل ورسوخ في الهوية العربية من ناحية أخرى.

 

إن العربي المسيحي هو جز عضوي لا يتجزأ من البيت العربي انتماء وحضارة وتراثًا ووجدانًا ومستقبلا. وهو يعيش اليوم في قلق من تضاؤل دوره. والكنائس المسيحية في العالم العربي جزء لا يتجزأ أيضاً من الرصيد الديني والحضاري و الثقافي العربي. والعربي المسيحي، بصفته عربياً قلباً وقالباً، ومسيحياً  دينا، أتيحت له فرص انفتاح خاصة تساعده على النهوض بدور متميز في احتواء ما يُدعى في الغرب بـ"صدام الحضارات" كما تساعد على إبراز حقيقة الحضارة العربية ومكانتها في المساهمة في الحضارة العالمية.

 

 

مسؤولية العربي المسيحي تجاه مجتمعه وتجاه وطنه

 

مسؤوليتنا تنطلق من فهمنا لهُويتنا، فالعربي المسيحي هو عربي صدف أنه مسيحي، وليس مسيحيًا صدف كونه عربي، وكذلك بأن للعربي المسيحي مشاركة حضارية ذات بعدين: الأول مع مجتمعه العربي، والثاني مع العالم المسيحي في الخارج؛

 

أولاً: البناء على خبرتنا التاريخية في العيش المشترك ونقل هذه الصورة إلى الغرب الذي أصبح يخشى الإسلام والمسلمين ويربط ذلك مباشرة بالإرهاب والتطرف.

 

ثانياً: المكوث في أرض أبائنا وأجدادنا جسدًا وروحًا وبشكل فاعل، فذلك يضفي بعدًا مدنيًا وإنسانيًا على معنى العروبة. فهجرة العربي المسيحي تشكل خطرًا على العروبة. فللعروبة جناحان واحد مسيحي والآخر مسلم.

 

ثالثًا: التخلص من عقدة الأقلية، والتفاعل الإيجابي مع حضارتنا العربية والإسلامية.

 

رابعاً: المشاركة الفعالة في الحياة السياسية، والإنخراط في الأحزاب والمنظمات والجمعيّات والوطنية والمهنيّة والشعبية.

 

خامسًا:  تعزيز مشاركة العربي المسيحي في الحياة العامة مشاركة بنّاءة وفاعلة.

 

سادسًا: تجديد خطابنا الديني واللاهوتي بما يعمق العلاقة بين العربي المسيحي والعربي المسلم.

 

سابعًا: التعمق في إيماننا ومعتقداتنا والتمسك بتراثنا العربي، إذ نحن لسنا امتدادً للغرب في المشرق.

 

ثامنًا: على العربي المسيحي أن يساعد في نشر التراث العربي المسيحي الذي يتحدث عن الإسلام بإيجابية.

 

تاسعًا: التصدر معًا لكل التيارات الأصولية إن كانت تيارات أصولية  مسلمة أو حتى مسيحية تريد إلغاء الآخر والنيل منه.