موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٢ أغسطس / آب ٢٠١٩
المواطنة الصالحة وإنساننا العراقي

بغداد - الأب ألبير هشام نعّوم :

أريد أن أبدأ بقول يعرّف المواطنة: "ليست المواطنة هي التي تصنع أناسًا صالحين، بل الأناس الصالحون هم الذين يصنعون المواطن الصالح". ليست العبارة ضدّ المواطنة، بل المقصود ألاّ تبقى مصطلحًا نظريًا لا يمسّ أرض الواقع؛ فلابدّ من "تربية" أناسٍ صالحين في الوطن لكي نحصل على مواطنين صالحين! كيف يساعدنا الدين أن نربّي إنسانًا، ثمّ مواطنًا صالحًا في العراق؟

يرتبط مفهوم المواطنة بمصطلحاتٍ أخرى تعبّر عنها، أبرزها مصطلح "الانتماء" وهو شعور داخلي يجعل المواطن يعمل بحماس وإخلاص للارتقاء بوطنه ورفع شأنه والدفاع عنه ممن يريدون إضعافه أو إفساده. وهذا الشعور بالانتماء لا يتعارض مع قيم الدين والانتماء الأول لربّنا، بل يدعونا الإيمان ذاته للانتماء إلى الوطن، ونبذ التفرقة بين أبنائه المختلفين من خلال رفض الطائفية والعنصرية والتحزّب، وكلّها أمراض أصابت ولا زالت تصيب مجتمعنا العراقي في أركانه الأساسية، الأمر الذي أضعف روح المواطنة الصالحة لدى الإنسان العراقي.

وواحدة من مقومات المواطنة الصالحة أن يصلح الإنسان ذاته ثمّ يصلح الآخرين من حوله، ولا يكون عامل فساد وهدم في المجتمع. فإصلاح الذات هو في أساس إصلاح المجتمع، وإصلاح المجتمع هو في أساس إصلاح الوطن. وكلّ الأديان تهدف إلى هذا الإصلاح، فلا زال دورها قائمًا وجوهريًا في تربية الإنسان على عيش مبادئ المواطنة. وفي هذه المسيرة الصعبة وغير المستحيلة في الوقت ذاته:

1. نحن بحاجة إلى تحشيد الجهود في هذه العملية التربوية، فنشرك العوائل والمدارس وعالم العمل والمتخصصين والمؤسسات الثقافية... الخ.

2. يتطلب تكوين أخلاق المسؤولية تجاه الوطن، تساعد المواطن في إيجاد أسباب وقناعات يستنتجها من تطبيق القواعد العامة للمجتمع. وفي هذا الصدد لابدّ من تفعيل وإعادة التفكير في قيم ضرورية كالتضامن وتعلّم الحوار مع الآخر المختلف عن ديني ومعتقداتي... الخ.

3. يحتاج أيضًا عدم الوقوع في سوء فهم يكمن في جعل التربية على المواطنة كنوعٍ من انسياق غير مدرك لمجريات الأمور، وبالتالي يضعف عنصر الإبداع والنقد والتحليل لدى المواطن كما يغيّب روح المعارضة المدنية الضميرية التي تمسّ جوهر المواطنة الصالحة.

4. تقوم المواطنة اليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى، على احترام الاختلاف، وعدم تحويله إلى خلاف، وأن الجميع لديهم الحقّ في العيش الكريم في مجتمع مسالم. وهذا يتمّ من خلال المعرفة المتبادلة بين أبناء الوطن الواحد، وتتضمن هذه المعرفة جوانب عدّة: الدين، الحضارة، الفكر، نمط الحياة،... الخ.