موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢١ ابريل / نيسان ٢٠١٨
الملك والكاردينال.. عالم الحوار والتسامح

إميل أمين :

حدث يؤكد على أن المملكة العربية السعودية ماضية قدما في طريق توحيد الصفوف وتجميع القوى الخيرة حول العالم ، لتنفتح أبواب الحوار والجوار، وليسود السلام والتسامح ، عوضا عن الخصام والحروب.

قبل ساعات قلائل كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يستقبل في قصر اليمامة بالعاصمة الرياض ، الكاردينال "جان لويس توران " رئيس المجلس الحبري للحوار بين الأديان ، في أرفع وأنفع زيارة يقوم بها مسئول فاتيكاني إلى المملكة العربية السعودية عبر تاريخها الحديث والقديم معا .

الزيارة تحمل الكثير جدا من المعاني والمضامين ، إنها إعلان بان الرؤى التنويرية ، التسامحية والتصالحية التي وعد بها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أضحت برنامج عمل وواقع حال ، رؤى تعيد للإسلام الوسط السمح فعالياته ، وللمملكة دورها الريادي كقبلة للمسلمين ، أولئك الذين أناروا العالم بالحوار والجوار قبل ان ندخل جميعا حالة الانسداد التاريخي غير المسبوق ولا المعهود في العقود الأربعة الأخيرة.

لغة الجسد في الصورة التي وزعتها وكالات الأنباء اصدق من ألف كلمة ، فملامح الملك وضيفه الكاردينال تنبئان المر بان أوان الحصاد الطيب على الأبواب ، وان زمن العيش الواحد يدق بمودة ويمتد عبر جسور السلام ، ليربط الشرق بالغرب ، والإسلام بالمسيحية ، كما يجب أن يكون الحال .

مثير شان الشرق الخلاق ، فعلى أراضيه ولدت الرسالات السماوية ، ومنه أرسلت الحقيقة شمسها ساطعة لتبدد ظلمات الضلال ، وتمحو علامات الظلام ، وتعيد للأرض علاقتها بالسماء ، وللإنسان علاقته بالأبدية.

وعندما يزور الكاردينال الملك ، فان ذلك يلقى بأسئلة مقلقة على أولئك النفر الذين يؤمنون بان الأديان وأتباعها لابد لهم من الحروب وأخبار الحروب ، وان على أبناء الثقافات المختلفة تعميق خلافاتهم لا الإيمان بأهمية التنوع والتعددية في مسيرة الإنسانية.

لقاء الملك والكاردينال الذي تناول التأكيد على أهمية دور أتباع الأديان والثقافات في نبذ العنف والتطرف والإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار في العالم ، هو خير رد عملي وفعلي على القائلين في الغرب ومنذ نحو ثلاثة عقود أن الإسلام هو الخطر الأخضر، ذاك الذي لابد له وان يحل حكما محل العدو الأحمر السابق أي الشيوعية .

اللقاء يبدد الجفاء ، ورايات المودة التي رفعها ولي العهد بدءا من زيارته لبابا الأقباط في مصر ، مرورا بالأسقف "جاستن ويلبي " كبير أساقفة كانتربري في انجلترا ، وصولا إلى زيارة الكاردينال توران إلى السعودية ، جميعها تؤكد على ان الخير يكسب وان الشر يتوارى بعيدا ، وان الحضارة الإسلامية التي شارك في صنعها المسيحيين العرب تعود للتألق معا من جديد.

عندما يسأل ضيف الفاتيكان الكبير مضيفه الذي يحمل لقب خادم الحرمين عن الحضارة العربية والإسلامية ، يمكن للملك أن يحدثه عن دعوة تلك الحضارة التي دعت إلى إقامة وحدة بشرية في رحاب الخالق تنهض على الحرية والمساواة والتسامح ، ويمكن أن يحدثه عن دعوتها للعبادة والتقوى والخير على امتداد ارض مترامية ما بين مشارف الهند والصين وحدود فرنسا ، وقد يطيب له كذلك الحديث عن المؤاخاة التي تحققت في حضنها بين الأديان والعناصر في تسامح فريد .

لكن أفضل ما يمكن للملك أن يذكر به الكاردينال هو انه في إحدى معارك الحضارة العربية الظافرة مع الدولة البيزنطية ردت الأسرى في مقابل عدد من كتب الفلسفة والطب والرياضة من التراث الإغريقي العتيد ، وهي شهادة قيمة للروح الإنساني في طموحه إلى العلم والمعرفة ، رغم أن الطالب يعتنق دينا سماويا والمطلوب ثمرة حضارة وثنية .

يطرق رجل الفاتيكان أبواب المملكة ومن وراءه إرثا عريضا من العمل الخلاق من قبل الفاتيكان لتعميق حالة الحوار مع أتباع الأديان الإبراهيمية بنوع خاص ، وقد كان المجمع المسكوني الفاتيكاني قبل أكثر من خمسين عاما قد شرع الأبواب واسعة للتلاقي الايجابي الخلاق مع العالم الإسلامي ودعا إلى تجسير الفجوات وتقريب وجهات النظر فيما يخص الحياة الإنسانية للمؤمنين مسلمين كانوا أو مسيحيين على أرضية من البنوة الواحدة لله رب العالمين.

من رحم الرياض الفكري ومن مسيرة محمد بن سلمان التجديدية والنهضوية ، تولد دعوات تؤكد على أهمية دور أتباع الأديان والثقافات في جعل عالمنا المعاصر مكانا يطيب للنوع البشري الإقامة فيه.. طوبى لصانعي السلام فإنهم أبناء الله يدعون.