موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الأربعاء، ١٨ مايو / أيار ٢٠١٦
الملك من جامعة لوفان الكاثوليكية: لا يستغلنّ أحد الدين للعنف والتطرف

لوفان - أبونا وبترا :

ألقى الملك عبدالله الثاني، اليوم الأربعاء، كلمة خلال الزيارة التي قام بها إلى مركز الدراسات الإسلامية متعدد التخصصات في العالم المعاصر، في جامعة لوفان الكاثوليكية، شدد فيها بألا يسمح لأحد باستغلال الهوية الدينية أو أية هوية أخرى ذريعة للعنف والتطرف، مشيراً أن التفجيرات المروعة التي وقعت في بروكسل وباريس ليست من الإسلام بشيء"، وأن "مرتكبي هذه الأفعال مجرمون، وليسوا جنوداً في نظر الإسلام".

وأوضح: "قبل أكثر من ألف سنة من اتفاقيات جنيف، كان الجنود المسلمون يُؤمرون بألا يقتلوا طفلاً أو امرأة أو طاعناً في السن أو كاهناً، وألا يلحقوا الضرر بكنيسة أو يقطعوا شجرة. أنا جندي، وأقول لكم إن هذه المبادئ مازالت راسخة لدينا في زمننا هذا"، مؤكداً أن "التسامح والرحمة وحقّ الجميع بأن تصان كرامتهم الإنسانية هي القيم التي تعلمتها، وهي التي أعلمها لأبنائي وبناتي، تماماً كما يفعل المسلمون في الأردن وفي كل مكان".

وقال: "يريد خوارج هذا العصر أن يغلقوا أبواب المستقبل أمام المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. وإن سعيهم للسلطة قد أوقع الضحايا وشرد الملايين من الأبرياء، والغالبية العظمى منهم مسلمون. لقد جعلوا من النساء رقيقاً، واستغلوا الأطفال، واضطهدوا الأقليات، وذبحوا الآلاف من السجناء، وقتلوا عشرات الآلاف من الأبرياء"، لذلك "لا بدّ من هزيمتهم. وهي حرب، في المقام الأول داخل الإسلام. وخوضها واجب علينا".

تابع "واجه الأردن منذ سنوات أزمة اللاجئين، التي كانت تبعاتها شديدة على شعبنا واقتصادنا. فهناك لاجئ سوري من بين كل خمسة أشخاص يعيشون في الأردن، كما نستضيف أشقاء ليبيين ويمنيين وعراقيين وعرباً مسيحيين فروا من اضطهاد داعش وغيرهم الكثير"، مشيراً من جهة ثانية أن "قيم التعايش والاندماج في أوروبا هي المستهدفة من قبل المتطرفين، بغض النظر عن عقائدهم"، ومؤكداً أن "الاحترام والعون المتبادل ضروريان لتعزيز المنعة والأمن الإقليمي".

وفيما يلي نص كلمة جلالته:

بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد،
صاحبا الجلالة، سعادة رئيس الجامعة الكاثوليكية البرفسور بلونديل،
سعادة رئيسة جامعة غنت البرفسورة دي باب،
أعضاء هيئة التدريس والعاملين والطلبة،
الضيوف الكرام،
أصدقائي،
شكرا لكم جميعا،
ويشرفني جدا حضوركما جلالة الملك فيليب وجلالة الملكة ماتيلدا.
أدرك مقدار إخلاصكما وتفانيكما في خدمة الشعب البلجيكي.
البروفيسور بلونديل والبروفيسورة دي باب،
والجميع هنا من علماء متميزين على مستوى العالم،
وقادة مبدعين وشباب متفوق –

أقول لكم إن تفانيكم في عملكم هو سر قوة بلادكم وقدرتها على تجاوز الأوقات الصعبة، وخلق أمل جديد. إن أصدقاءكم في الأردن سعيدون بأن يكونوا شركاء لكم في هذا الدرب. أقدر عالياً فرصة زيارة مركز الدراسات الإسلامية متعدد التخصصات في العالم المعاصر في الجامعة الكاثوليكية. فهذا المركز يتمتع بشهرة عالمية لما يقوم به من دراسات عن الإسلام في العالم المعاصر. إن استخدام عبارة «في العالم» في تسمية المركز يوحي بمسألة في غاية الأهمية – وهي حق وواجب المسلمين والمسلمات في ممارسة دور أساسي في بناء مجتمعاتهم والعالم. واليوم، ونحن نحارب الإرهاب العالمي، أود أن أدق ناقوس الخطر حول مخاطر التوتر بين المسلمين وغير المسلمين. وآمل أن تقبلوا دعوتي لكم لتكونوا شركاء لنا في اتخاذ خطوات فاعلة للدفاع عن مستقبلنا المشترك.

اسمحوا لي أن أبدأ بذكر شيء يعرفه معظمكم، ولكن لا بد أن نشير له بكل وضوح، فالتفجيرات المروعة التي وقعت في بروكسل وباريس ليست من الإسلام بشيء. وفي الواقع، إن مرتكبي هذه الأفعال مجرمون، وليسوا جنودا في نظر الإسلام. فقبل أكثر من ألف سنة من اتفاقيات جنيف، كان الجنود المسلمون يُؤمرون بألا يقتلوا طفلا أو امرأة أو طاعنا في السن أو كاهنا، وألا يلحقوا الضرر بكنيسة أو يقطعوا شجرة. أنا جندي وأقول لكم إن هذه المبادئ مازالت راسخة لدينا في زمننا هذا. إن التسامح والرحمة وحق الجميع بأن تصان كرامتهم الإنسانية هي القيم التي تعلمتها، وهي التي أعلمها لأبنائي وبناتي، تماما كما يفعل غيرنا من المسلمين في الأردن، وهنا في بلجيكا، وفي كل مكان. ليس بوسعنا السكوت على مسألة كهذه، بل يجب أن نتكلم بصراحة، وفي مختلف ميادين الحياة العامة، وفي العمل والمدرسة، وعبر وسائل الإعلام الاجتماعية وغيرها. وفي هذا الصدد، اسمحوا لي أن أثني على العمل الجاد الذي تقوم به هذه الجامعة في تعزيز مفهوم التعايش.

أصدقائي، دعونا ندرك مواطن الخطر. يريد خوارج هذا العصر أن يغلقوا أبواب المستقبل أمام المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. وإن سعيهم للسلطة قد أوقع الضحايا وشرد الملايين من الأبرياء، والغالبية العظمى منهم مسلمون. لقد جعلوا من النساء رقيقا، واستغلوا الأطفال، واضطهدوا الأقليات، وذبحوا الآلاف من السجناء، وقتلوا عشرات الآلاف من الأبرياء، وقد نهب هؤلاء الخوارج الموارد الوطنية، وأغلقوا المدارس ودمروا التراث العالمي. إن العالم الذي تعمل فيه هذه العصابات لا يمكن أبدا أن يكون آمنا لنا، ولا بد من هزيمتهم. وهي حرب، في المقام الأول داخل الإسلام، والدول الإسلامية في طليعتها. وخوضها واجب علينا لحماية ديننا وقيمنا ومستقبلنا. إلا أن الإرهاب يشكل مصدر قلق عالمي، فليس من الصواب القول: إن «هذا الهجوم أو عملية الخطف أو العنف هو مشكلة إفريقيا» أو القول بأن «هذه الأزمة هي قضية خاصة بالشرق الأوسط»، فعصابات داعش والنصرة والقاعدة وبوكو حرام والشباب وغيرها تشكل جزءاً من تهديد واحد. وللتصدي له، فإننا بحاجة إلى تحديد الروابط المعقدة بينها، وبناء رد جماعي منسق لها.

إن التعاون في مجال الأمن وإنفاذ القانون هو أحد مفاتيح الحل، ولكنه لا يوفر الحل كله،إننا بحاجة إلى شراكة اقتصادية عالمية لدعم البلدان التي تتبع سياسات سليمة،ونحن بحاجة إلى جهد دبلوماسي جديد من أجل العدالة العالمية. لقد استغل المتطرفون في جميع أنحاء العالم حرمان الفلسطينيين من إقامة دولتهم، وقد أججت التهديدات التي تتعرض لها المقدسات الإسلامية والمسيحية والهوية العربية التاريخية للمدينة الغضب في العالم أجمع. وعليه، يجب علينا معالجة الصراعات ومواطن الضعف التي يستغلها الخوارج ذريعة في سوريا، وليبيا، والعراق، وإفريقيا، وجنوب شرق آسيا وغيرها. ومن شأن النجاح في هذا المسعى أن يفتح فضاء استراتيجيا أوسع لمواجهة التهديدات في أماكن أخرى.

واليوم أيضا، تؤكد أزمة اللاجئين الكارثية ترابط التحديات التي تواجهنا. لقد واجه الأردن منذ سنوات هذه الأزمة الإنسانية، التي كانت تبعاتها شديدة على شعبنا واقتصادنا. فهناك لاجئ سوري من بين كل خمسة أشخاص يعيشون في الأردن، كما نستضيف أشقاء ليبيين ويمنيين وعراقيين وعربا مسيحيين فروا من اضطهاد داعش وغيرهم الكثير. إن حجم اللاجئين في الأردن يعادل دخول أكثر من مليوني لاجئ إلى بلجيكا في أقل من خمس سنوات. وكلنا يعرف أن الأزمة الدولية للاجئين قد تتسع إلى أبعد من ذلك إذا عجزت الدول المستضيفة في الإقليم مثل الأردن عن القيام بدورها تجاههم. وعليه، فإن دعم التنمية المستدامة لدينا أمر ضروري. ونحن نعمل بشكل وثيق مع بلجيكا وأوروبا لتلبية هذه الحاجة الملحة.

أصدقائي، لأوروبا دور ريادي وحيوي في مختلف الجهود التي ذكرتها. فبعد قرون من الصراع، شيّد شعبكم مستقبلا جديدا عبر تكريس وإعلاء قيم التعايش والاندماج في منطقتكم. وليس من قبيل الصدفة أن هذه القيم هي المستهدفة من قبل المتطرفين، بغض النظر عن عقائدهم. وعلينا أن نؤكد هنا أن الاحترام والعون المتبادل ضروريان لتعزيز المنعة والأمن الإقليمي. وتتجلى أهمية ذلك في منطقة البلقان أكثر من غيرها. فهذه المنطقة هي خط المواجهة في أوروبا ضد التطرف وخط دفاعكم الأول. فالقارة بأكملها – ومناطق أبعد منها – ستعاني في حال عدم استقرار هذه المنطقة. وعليه، يجب ألا يسمح لأحد باستغلال الهوية الدينية أو أية هوية أخرى ذريعة للعنف والتطرف. ودول البلقان ذات الأغلبية المسلمة مثل البوسنة والهرسك وألبانيا وكوسوفو تعمل جاهدة لاستباق مثل هذه التهديدات. فهم وجيرانهم بحاجة إلى دعم جميع الأوروبيين. اسمحوا لي أن أقول: اجعلوهم جزءا فاعلا من قارتكم التي تحتضن الجميع، واجعلوا منهم أركانا للتعايش ولقيم الاعتدال الأوروبي. وكذلك في بقية أوروبا، يبقى الانسجام والتعايش والاندماج قيماً في غاية الأهمية. يجب أن تقاوموا التحديات التي تهدد مُثلكم العليا؛ ولكل مواطن، بغض النظر عن خلفيته، دور يؤديه ضمن هذا الجهد. فالمسلمون وغير المسلمين في أوروبا بحاجة إلى أن يروا بعضهم بعضا على حقيقتهم: جيران، وزملاء عمل، وشركاء في المواطنة، وجزء من قوة أوروبا ومستقبلها.

أصدقائي، غلب الحديث عن أوروبا على خطابي، ولكن ما أقوله ينطبق على العالم بأسره، خصوصا مناطقنا. فما يحدث على جانب من البحر الأبيض المتوسط، يؤثر بعمق على الجانب الآخر. ولأوروبا والشرق الأوسط دور مشترك في بناء المستقبل. وتقع علينا مجتمعين مسؤولية مشتركة في رسم مسار قضايانا على أساس من الاحترام المتبادل. شكرا لكم.