موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الأربعاء، ٢١ سبتمبر / أيلول ٢٠١٦
الملك عبدالله الثاني: التطرف هو العدو المشترك، ويجب محاربته بنهج شمولي

نيويورك – أبونا :

ألقى الملك عبدالله الثاني، أمس الثلاثاء، كلمة الأردن في الجلسة العامة لاجتماعات الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أشار فيها إلى أن "الإرهابيين المتطرفين، الساعين إلى السيطرة على العالم، يريدون أن يمحوا الإنجازات، وأن يدمروا الحضارة الإنسانية، ويدفعوا العالم إلى عصور الظلام".

وفيما يلي مقتطفات من كلمة جلالته:

بينما نجتمع هنا اليوم، تعمل قوى شريرة في منطقتنا وخارجها، وهدفها إضعاف القيم التي تجمع البشرية. وأنا أشير هنا بالطبع إلى الإرهابيين المتطرفين الذين يتصدرون عناوين الأخبار، والساعين إلى السيطرة على العالم. إنهم يريدون أن يمحوا إنجازاتنا وإنجازات أجدادنا، وأن يدمروا الحضارة الإنسانية ويدفعوا بنا إلى عصور الظلام. والسؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا، ونحن نواجه هذا التحدي ونخوض معركة هذا العصر هو: ما طبيعة الإرث الذي سنتركه وراءنا؟ هل سنورث أطفالنا عالمًا يسيطر عليه الخوف والانقسام، فيصبحون مسكونين بهاجس الأمن إن ركبوا طائرة أو حضروا حفلاً أو مباراة كرة قدم أو تجولوا في سوق تجاري؟

والسؤال الأكثر أهمية: هل نحن نقوم حقاً بما يجب علينا فعله لهزيمة هذه القوى الشريرة، لنترك لأولادنا عالما يسود فيه التآخي الإنساني والأمل بدلاً من الخوف والشكوك، ولتحقق هذه الأجيال كامل إمكاناتها وطاقاتها، وتسهم في الإنجازات البشرية المتراكمة على مر العصور؟ للأسف، وبعكس ما أتمناه، فإن الجواب على هذا السؤال هو لا، إذ كيف يمكننا أن نكون فاعلين في هذه المعركة، ونحن لم نحدد لغاية الآن من هو عدونا بوضوح، ولا نعرف إلى جانب من نقاتل وضد من نقاتل؟ اليوم، وبعد سنوات من خوض حرب عالمية ضد الإرهاب، أجد نفسي مصدومًا من الفهم المغلوط لطبيعة الإسلام لدى العديد من المسؤولين الغربيين والمعاهد الفكرية وقادة الإعلام وصنّاع السياسات، حيث أجد نفسي مضطرًا لتوضيح ما هو واضح المرة تلو الأخرى.

إن الأفكار المغلوطة عن الإسلام والمسلمين تصب في خدمة أجندة الإرهابيين الساعية لإشعال فتيل حرب عالمية، وذلك من خلال تعميق وتغذية الانقسام والاستقطاب في المجتمعات، بين الشرق والغرب، فتقوم كل مجموعة بوصم الأخرى، وتنغمس أكثر فأكثر في سوء الظن بالآخر ورفضه. إن للمسلمين، الذين يشكلون ربع سكان العالم ويتواجدون كمواطنين في كل دوله، دور محوري في صياغة مستقبل عالمنا. فكل مسلم ومسلمة يسهم في رفد العالم بتراث غني من المسؤولية المدنية، والعدالة والعطاء، والحياة الأسرية، والإيمان بالله. لذلك، فعندما يتم إقصاء المسلمين وحرمانهم من المساهمة وأداء دورهم بسبب التحيّز ضدهم أو الجهل بحقيقة الإسلام، أو عندما يسعى الخوارج لتضليل بعض المسلمين أو تشويه ديننا عبر تعاليم خاطئة، فإن الخطر سيحدق بمستقبل مجتمعاتنا كلها.

إن الخوارج عندما يقتلون أو ينهبون أو يستغلون الأطفال أو يحرمون النساء من حقوقهن التي شرعها الله، فإنهم يسيئون للإسلام. وعندما يضطهد الخوارج الأقليات وينكرون الحريات الدينية، فإنهم يسيئون للإسلام. الإسلام يعلمنا أن البشر متساوون في الكرامة، ولا تمييز بين الأمم أو الأقاليم أو الأعراق. ويرفض الإسلام الإكراه في الدين، ولكل مواطن الحق في أن تحفظ الدولة حياته وأسرته وممتلكاته وعرضه وحريته الدينية. كما أن المسلمين يؤمنون بالكتب المقدسة، التي أنزلها الله تبارك وتعالى ومنها الإنجيل والتوراة. وفي الواقع، فإن الرسول الأكثر ذكرًا في القرآن الكريم هو موسى، إذ ورد اسمه 136 مرة. أما يسوع المسيح، فقد ذكر 25 مرة، وأمه مريم، والتي يصفها الإسلام أنها "خير من خلق الله من النساء" مذكورة 35 مرة، كما في القرآن الكريم سورة كاملة باسم مريم. إن الخوارج يتعمدون إخفاء هذه الحقائق عن الإسلام ليفرقوا بين المسلمين وغير المسلمين، وهو أمر لا يمكن أن نسمح به.

السيدات والسادة، لن نتمكن من مواجهة عدونا المشترك ومن رؤية طبيعة خصمنا بوضوح، إلا عندما نخوض معا هذه المعركة، جميعا من سائر الأديان، ممن يؤمنون بأن الكرامة والحرية والرفاه حقوق طبيعية لكل إنسان منذ ولادته. وأود أن أؤكد هنا، وبكل وضوح، أن الجماعات المتطرفة خارجة عن الإسلام ولذلك ندعوهم بالخوارج. فهؤلاء يتخذون من العالم المتحضر والناس جميعا، مدنيين أو عسكريين، أعداء، ويرون في ذلك هدفا مشروعا. وهم يحاولون أن يزرعوا في كل دولة من دول العالم "خلافة" مزعومة ليمتد نفوذهم، وهم يتمددون بسرعة وعلى نطاق واسع من خلال مهارتهم في استغلال التكنولوجيا الحديثة ووسائل الإعلام الاجتماعي. ولمواجهة هذا العدو غير التقليدي، فإننا بحاجة إلى وسائل غير تقليدية، عبر تبني نمط تفكير جديد، وشراكات وأساليب جديدة.

إن هذه المعركة بالنسبة للمسلمين، هي أولاً وقبل كل شيء، معركة من أجل مستقبلنا، وكل مكوّن من مكوّنات مجتمعنا ينتظره دور مهم، ليس فقط بالنسبة للمساجد والمراكز الدينية، بل للإعلام والمدارس وقادة المجتمعات المحلية أيضًا. ولا بد هنا من التأكيد الحاسم، وبما لا يترك مجالاً للبس أو التضليل، بأن الإسلام السنيّ المستند إلى الأصول والتقاليد الصحيحة وبجميع مذاهبه الفقهية يرفض رفضًا قاطعًا أفكار التكفيريين ومزاعمهم. ويجب على المسلمين المساهمة بشكل فاعل في تعرية الخوارج والتصدي لهم ولنهجهم في انتقاء نصوص دينية وإخراجها من سياقها وتوظيفها بما يخدمهم، فيحرّفوا بذلك تعاليم الإسلام الحنيف.

وبطبيعة الحال، فإن المجتمع الدولي يخوض أيضًا معركة من أجل المستقبل، وهي معركة لا تنحصر في ميادين القتال فحسب... إن التعاون الأمني واجب، ويوازيه أهمية اتباع نهج شمولي. ربما أن ميدان المعركة الرئيس والأكثر أهمية لهذه الحرب الحاسمة في عصرنا هو ميدان الفكر والعقل. فأيديولوجية الكراهية والقتل وتدمير الذات تنتشر على الإنترنت، ويجب مجابهتها بفكر مضاد قائم على الأمل والتسامح والسلام. إننا في الجمعية العمومية، وفي مناطقنا وبلداننا ومجتمعاتنا في جميع أنحاء العالم، نملك القدرة على طرح الفكر والرؤية الصحيحة، لذا دعونا نعمل ونثبت أننا نملك الإرادة لذلك.