موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢٠ يوليو / تموز ٢٠١٩
المكتبات العامة وضرورتها

موفق ملكاوي :

تشير الأرقام “الانطباعية” المتداولة في الإعلام ولدى النخبة، إلى تدني نسب القراءة في الأردن والعالم العربي، إذ أن الإنسان العربي يقرأ بمعدل دقائق فقط، فكل 80 عربياً يقرأون كتاباً واحداً خلال العام، بينما يقرأ الأوروبي 35 كتاباً.

المسألة يمكن سحبها على دور النشر كذلك، ففي الوقت الذي تشير فيه أرقام اتحاد الناشرين العرب إلى وجود ألف ناشر يعملون بشكل دائم، وألف ناشر آخر بشكل متقطع، يكشف الاتحاد عن أن هناك حوالي 50 ألف عنوان يطبع سنوياً، ما يعني كتاباً واحداً لكل 7 آلاف عربي، باعتبار أن عدد سكان العالم العربي يبلغ 350 مليون نسمة. وهنا نتحدث عن الكم وليس عن الجودة!!

هناك معضلتان أساسيتان تؤثران في عادات القراءة وصناعة النشر في العالم العربي، الأولى هي الأمية التي تفتك بـ 73 مليون عربي (نسبة الأمية 21 %)، والثانية هي تدني الدخول، ما يحد من القدرة الشرائية لدى طبقات عديدة، وتؤثر على فرص اقتناء الكتاب وتداوله.

إذن، ما هو الحل الذي يمكن لنا انتهاجه لتخطي هذه التحديات، ورفع نسب القراءة، ودعم صناعة النشر؟

ثمة وجهة نظر تتبنى مقولة إن زيادة أعداد المكتبات العامة، يمكن أن تخلق ثقافة مجتمعية جديدة، تسهم في رفع الوعي بأهمية القراءة وتأثيراتها على الفرد، خصوصاً أن المكتبة العامة اليوم تعدت دورها التقليدي كمكان للقراءة، واستعارة الكتاب، فقد أصبحت مجتمعاً يتمتع بإمكانيات التعليم والتأثير، وذلك من خلال الانزياحات التي طرأت على دورها.

مكتبة اليوم أصبحت مكاناً لتلقي التدريبات المختلفة التي تسهم في زيادة الوعي، والتعرف على الإمكانيات الخاصة الكامنة في الفرد، كما أنها للالتقاء وتبادل الأفكار والخبرات ووجهات النظر حول مجمل الأمور والأحداث.

ولكن، وبما أن معظم برامج محو الأمية التي انتهجتها البلدان العربية فشلت في الحد من الظاهرة، فيمكن للمكتبة العامة أن تأخذ على عاتقها هذا الأمر، وأن تقترح برامج مبتكرة، وغير تقليدية في هذا المجال. تجربة مثل هذه يمكن لها أن تكون ذات أثر فعال إن بنينا برامج حقيقية تأخذ بالحسبان الخصوصيات والحساسيات المجتمعية بعيداً عن الممارسات الشكلية التي طغت على غالبية برامج محو الأمية في السابق.

بالنسبة للمعضلة الثانية المتمثلة بتدني الدخول، أيضاً نحن نؤمن أن القراءة تخلق الثقافة، وأن الثقافة قادرة على تحسين موضع الفرد في المجتمع. خلال عقود عديدة، تحرك الأفراد في المجتمع من طبقة الى أخرى بناء على درجة التعليم التي كانت حاسمة في مثل هذا الحراك. بعد شيوع التعليم في جميع الطبقات، تراجعت أهميته في التقدم الطبقي، وتقدمت عليه الثقافة والمعرفة، خصوصاً مع تراجع جودة التعليم.

ينبغي لنا أن نزيد من أعداد المكتبات العامة في العالم العربي، فلربما نتمكن حينها من التخفيف من الفجوة المعرفية والثقافية القائمة مع العالم المعاصر. صحيح أن هناك حروباً ونزاعات وعدم استقرار تعاني منه بعض البلاد العربية، ما يعني عدم القدرة على استهدافها ببرنامج زيادة المكتبات، لكن الثابت أن هناك كثيراً من البلاد المستقرة، والتي لا تفعل شيئاً من أجل زيادة المعرفة والثقافة لدى مواطنيها.