موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الإثنين، ١٦ يوليو / تموز ٢٠١٨
المعلم البيداغوجي... هذا ما نريد

د. أمينة الحطاب :

كنت أرقب حضورها في الصباح, وأنتظر حصتها بفارغ الصبر، أحاول لفت انتباهها لتميزي واجتهادي، أتمنى رضاها وأسعى لثنائها، إنها معلمة العلوم والرياضيات التي جعلتني أتوجه نحو المجال العلمي ولم يتجاوز عمري حيننذاك العشر سنوات.

يعتبر المعلم محور العملية التعليمية التعلمية وعامل جذب أو نفور كثير من المتعلمين ولكي يقوم بدوره على أحسن وجه عليه أن يدرك تحديات مدرسة اليوم والغايات التي تصبو إليها وإتقان الكثير من الكفاءات المهنية الصفية واللاصفية، إذ ينبغي على المعلم إدراك الرهانات الكثيرة التي توجد المدرسة تحت رحمتها؛ فالاقتصادي يطالب المدرسة بتقديم تعليم نافع وبراغماتي، والسياسي يدعو إلى تعميم التعليم الأساسي وتمهينه، والبيداغوجي ينادي بتغيير الممارسات التقليدية للمدرسة على مستوى علاقة المدرس بمتعلميه وبالمحتويات المعرفية، وبالتقويم وإجراءاته، وبالدعم ومعالجة الثغرات دون إهمال الرهان التكنولوجي وظهور شبكات الاتصال وتنوعها التي أصبحت تشكل مصادر أخرى تنافس المعلم الذي كان في وقت قريب المصدر الأساسي للمعرفة.

إن هناك تغييرا جوهريا في علاقة المعلم بالمعرفة، وفي طرق انجازه لمهامه، وفي كفاءاته المهنية الخاصة، فحسب فيليب ميريو صار الهدف المرصود من مدرسة اليوم هو إقرار مهنة جديدة لتعليم الطلبة لا لتدريسهم، ويقوم التعليم في جانب كبير منه على مبادئ بيداغوجية عامة مثل التركيز على شخصية المتعلم ومراعاة الفروق بين المتعلمين، والتعلم النشط، وعلى جعل التدريس دالا بالنسبة للطلبة من خلال إدماجهم فيه، وتدريبهم على بيداغوجيا حل المشكلة.

إن مهمة المعلم الجديدة لا تقوم على ارتجال الدروس ولكنٌها ترتكز على ضبط عملية التعلٌم، وعلى بناء مشكلات مركبة ومتزايدة التعقيد، وهذا يتطلب منه تغييراً جوهرياً في هويته المهنية، فمن الطبيعي أن تقتصر وظيفته الجديدة على التوجيه والتحفيز دون أن يحل محل المتعلم ليصبح هو المنظم والمرافق والمصاحب والمقوم والوسيط والمعدل والمنشط.

وتهدف عملية التعليم إلى إكساب المتعلٌم مهارات تربطه بالحياة الحاضرة والمستقبلية، وتتيح للمعلم مجالا واسعا للتصرف والإبداع كفاعل مشارك مساعد ومنشط للعملية التعليمية، ولايستقيم التعليم إلاٌ مع التزام المعلم بأدواره الجديدة الآتي ذكرها:-

الانتقال من منطق التدريس إلى منطق التدريب

تحولت مهنة المدرس من بيداغوجيا التلقين والحشو إلى بيداغوجيات نشيطة تقوم على هندسة المواقف التعلمية وتنشيطها، وهذا يتطلب طاقة كبيرة وبحثاً متواصلاً ليتمكن من ترجمة الأهداف المعرفية إلى أهداف تعلٌمية ومن مشاركة المتعلمين في البحث وإثارة الرغبة في التعلم لديهم من خلال بناء مشكلات متدرجة التعقيد، كل هذا يتطلب ثورة ثقافية صغرى تغير الذهنيات الحالية. ولا ينبغي أن يتخلى المعلم عن كل تدريس منظم خاصة إذا كان المتعلمون أطفالاً، بل يحاول تصور انسجام بين منطقين مختلفين: منطق التدريس لتمكين المتعلمين من الحدود الدنيا من المعارف، ومنطق الفعل لحل المشكلة بإتباع منهج تفكيرمعين.

الانطلاق في التدريس من مشكلات مطروحة

إن التدريس المنظم حول المشكلات يكسب المتعلمين كفاءات عالية ويتحقق ذلك عند المواجهة المستمرة والمكثفة لمشكلات تتميز بكثرتها وتعقيدها وتنوعها وواقعيتها وأنها تسمح ببلوغ الهدف المراد منها واتخاذ القرارات المناسبة إزاءها. ولا يخلو مفهوم المشكلة من الغموض إلاٌ أنٌ تدريب المعلم على استراتيجياتها وإعدادها لأهداف معينة ومقاصد محددة، وضبط العوائق المعرفية التي يريد أن يضع المتعلمين فيها يفي بالغرض.

اعتماد عقد بيداغوجي جديد مع المتعلم

إن المواقف المشكلية الحقيقية ذات المعنى تدفع الطلبة للقيام بالاستقصاء والاكتشاف من خلال العمل مع بعضهم البعض وتزيد من دافعيتهم لأداء المهام ومن فرص المشاركة والحديث لنمو التفكير والمهارات، والعمل على بناء كفاءات جديدة، كما تشجعهم على التحول من روح التنافس الفردي إلى روح العمل الجماعي من خلال عقد يبرمه الطالب مع المعلم يتمتع خلاله بالمحاولة والخطأ، وإظهار شكوكه، وتصوراته وطرق الحل الخاصة والبرهنة على الكيفيات التي توصل بها للحل والفهم، ليصبح متعاوناً وممارساً ومفكراً في مجموعة الصف.

اعتماد التقويم التكويني عند التقويم

يقوم التقويم التكويني على التغذية الراجعة ومصدرها المتعلم والمعلم والواقع الذي يمكن أن ينفي أو يؤكد التوقعات التي حددها المعلم في البداية، ويعتبر التقويم التكويني عنصرا أساسيا في التكوين الذاتي للمتعلم، يساعده على تصحيح مساره التكويني ويمده بالثقة في نفسه من أجل تحقيق هدف التعلم.

كسر الحواجز المصطنعة بين المواد المختلفة (التكامل الأفقي)

إنٌ الهدف الحقيقي للمدرسة هو تكوين المتعلم تكوينا متكاملا وهذا يتطلب رؤية دقيقة لمختلف المواد التي يدرسها، تتجاوز النظرة الضيقة للمواد بفصل الواحدة عن الأخرى، فمسعى التدريس يركز على انفتاحها على بعضها لإدراك عمقها التكويني والقواسم المشتركة المساعدة على فهم العالم المحيط بالمتعلم.

التوجيه

يرتبط بأهم أدوار المعلم حينما يوجه أنظار المتعلمين إلى أخطائهم ونواحي قوتهم وضعفهم وتعريفهم بأفضل أساليب الأداء، ويتيح التوجيه البنّاء للمتعلم المشاركة والانخراط في بناء المعرفة وإنتاجها وذلك بتفاعله الدائم والمستمر مع أشكالها وأنواعها بما يتطلبه ذلك من ربط لموضوعات التعلم باهتماماته ومتطلباته وحاجياته ليكون تعلمه أكثر دلالة.

التحفيز

تؤكد معظم الأبحاث أنٌ التحفيز عامل من العوامل الأساسية لتحقيق تعلٌم فعٌال، باعتباره يؤدي إلى تعزيز التعلٌم وإلى تقدم ملموس في بناء الكفاءات ويفسح المجال واسعا لتنشيط وإثارة الدافعية للتعلٌم والإنجاز.

ونتيجة لسرعة التطور المعرفي الهائل أصبح النمو المهني والتدريب المستمر أثناء الخدمة أمراً لازماً لتجديد مهارة المعلم وزيادة فعاليته في التعليم، ولأن المناهج الحديثة متطورة ومتجددة فإنه يلزمها معلم متطور ومتجدد. ومن البرامج التدريبية التي تدعم عملية إعداد المعلم البيداغوجي الرخصة الدولية للمعلم التي تقدمها منظمة تعليم بلا حدود والتي تؤكد على أن عملية إعداد المعلم مستمرة لا تنتهي وتتوقف بمجرد انخراطه في مهنة التعليم.

(الرأي الأردنية)