موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٠ ابريل / نيسان ٢٠١٤
المسيح قام والقبر فارغ

الأب الأيكونوموس بطرس ميشيل جنحو :

مع مطلع الخيوط الأولى للفجر كانت مريم المجدلية تسرع إلى القبر ومعها الحنوط والأطياب لتدهن بها جسد يسوع، وعلى طول الطريق كانت الدموع تنهمر على وجنتيها بغزارة، ولعلها كانت تود ان تغسل بها جزءاً ولو يسيراً من الظلام الدامس الذي يخيم على روحها اليائسة ولكن هيهات. وفجأة سمع الجميع صوت يهتف ويصيح قائلاً : " قد قام " ! لقد تزلزل القبر، وتدحرج الحجر، وقام يسوع منتصراً على الموت، ناقضاً أوجاعه، كاسراً شوكته.

أن حدث القيامة كما سجله الإنجيليون الأربعة، يُشير إلى أن المعجزات قد رافقت هذا الحدث أيضاً. ففي إنجيل متى وبعد كل ما فعله اليهود، سمح بيلاطس أن يعطى الجسد لرجل غني من الرامة اسمه يوسف، فوضع في قبر جديد كان قد نحته في الصخرة، ثم دحرج حجراً كبيراً على باب القبر، وبعد أن أمر بيلاطس أن يضبط الحراس القبر ويختموه بالحجر يقول الإنجيلي : أنه عند فجر أول الأسبوع عندما جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر، وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر على الباب، وجلس عليه، والحراس أيضاً جاؤوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان (متى 27: 28). والإنجيلي مرقس لا يختلف عن الإنجيلي متى في سرد ما حصل بعد موت المسيح على الصليب، ولكن يؤكد أن النسوة رأين شاباً جالساً عن اليمين داخل القبر وهو الذي أعلن لهنَّ عن قيامة المسيح عندما قال : قد قام ! ليس هو ههنا (مرقس16: 6). والإنجيلي لوقا وبعد أن يحدثنا عن يوسف الذي من الرامة وكيف طلب جسد يسوع من بيلاطس يؤكد على أن الحجر كان مدحرجاً عن القبر عندما جاءت النساء حاملات الحنوط وأن رجلين وقفا بهنَّ بثياب براقة وقالا لهنَّ : لماذا تطلبنَ الحيَّ بينَ الأمواتٍ ليسَ هو ههنا لكنهُ قامَ (لوقا 24: 5-6). ويبقى الإنجيلي الرائي يوحنا الأكثر تفصيلا ًفي حديثه عن القيامة لأنه كان شاهداً على كلام مريم المجدلية عندما جاءت إلى القبر باكراً، والظلام باقٍ فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر، وهو الذي انحنى فنظرَ الأكفانَ موضوعةً، ولكن المنديلَ الذي كان على رأسهِ لم يكن موضوعاً مع الأكفانِ، بل ملفوفاً في موضعٍ وحدهُ ورأى فأمن (يو 20: 5- 8 ).

بدون القيامة لبَدا كل شيء وهماً. كان المخلص يتحدّث عن الحياة الأبديّة، ولكن بقيامته، أظهر أنه هو حقيقةً الحياة الأبديّة. كان المخلص يبشّر بقيامة الأموات، ولكنه بقيامته، أظهر أنه هو حقيقةً القيامة من بين الأموات. كان يبشّر أن الإيمان به كان يجيز من الموت إلى الحياة، ولكنه بقيامته أظهر أنه غلب حقيقةً الموت، وأمكنه بالتالي أن يؤمِّن للموتى العبور من الموت إلى الحياة. بكلمة مختصرة، كلّ بشارة المسيح وتعاليمه أخذت قوّتها وسلطانها من قيامته.

هكذا كانت حالة جميع التلاميذ قبل فجر القيامة، فقد سادت عليهم ظلمة اليأس، وامتلكهم شعور جارف بالضياع والفشل. فكان سمعان بطرس يقاسى الأمرين من الحزن المفرط بسبب نقده لمعلمه، وتأنيب الضمير بسبب إنكاره لسيده ، وكان تلميذي عمواس يمشيان عابسين يتحدثان عن الأمور المحزنة ، التي حدثت في تلك الأيام والتي كانت سبباً في فقدانهم لكل رجاء.

فكر في تلك الشعاعة الباهرة من النور التي بددت ظلام الموت، وفي تلك النغمات الموسيقية العذبة التي صدحت، فأزالت سكون القبر، وكيف كان تأثير هذه وتلك على نفسيات التلاميذ الخائرة البائسة، فأنمحى اليأس، وانتهى الفشل، وانقشع الظلام، وحلَّ بدل هذه الأمور كلها نور عجيب أضاء القلوب.

فقد صارت حقيقة القيامة أساساً لإيمان التلاميذ، وموضوعاً للبشارة المفرحة التي حملوها إلى كل أركان الأرض، فكما انتصر الرب على القبر، وبسلطانه أبطل سلطان الموت، فلا بد أنه يستطيع أن ينتصر على كل القبور، وأن يغلب كل أنواع الموت، موت الجسد والنفس والروح، ففي المسيح يستطيع كل إنسان أن يقوم من قبر خطاياه، وبدلاً من الموت الروحي يتمتع بالحياة المجيدة المنتصرة، " ألا تعلمون أننا حين تعمدنا لنتحد بالمسيح يسوع تعمدنا لنموت معه، فدفنا معه بالمعمودية وشاركناه في موته، حتى كما أقامه الآب بقدرته المجيدة من بين الأموات، نسلك نحن أيضاً في حياة جديدة, فإذا كنا اتحدنا به في موت يُشبهُ موته، فكذلك نتحد به في قيامته. ونحن نعلم أن الانسان القديم فينا صُلبَ مع المسيح حتى يزول سلطان الخطيئة في جسدنا فلا نبقى عبيداً للخطيئة، لأن الذي مات تحرر من الخطيئة، فإذا كنا متنا مع المسيح، فنحن نؤمن بأننا سنحيا معه. ونعلم أن المسيح بعدما أقامه الله من بين الأموات لن يموت ثانية ولن يكون للموت سلطان عليه، لأنه بموته مات عن الخطيئة مرة واحدة، وفي حياته يحيا لله " ( رو 6 : 3 _ 10).

أما كيفيّة معاينة قيامة المسيح بالنسبة لكل مؤمن، فلا تكمن باشتهاء الظهورات ولكن الإيمان بالمسيح القائم من بين الأموات: "طوبى للذين يؤمنون ولم يروا" (يو 20 :29 ). وتؤكّد صلوات الكنيسة الأرثوذكسية خلال فترة الأربعين يوماً بعد الفصح على هذه الحقيقة بصَلاتها في سواعي الفصح على سبيل المثال إذ نقول: "إذ قد رأينا قيامة المسيح فلنسجدْ للربّ القدّوس البريء من الخطأ وحده". كيف يمكن للروح القدس أن يُلهم الكنيسة أن تقول "إذ قد رأينا قيامة المسيح" والقيامة قد وقعت قبل ألفَي عام؟ إنها تشكّل كشفاً لحقيقة حيّة وهي أن القيامة فاعلة في كل واحد منا، من المؤمنين، لذا فإن المسيح منظور منّا روحيّاً، على حدّ تعبير القدّيس سمعان اللاهوتيّ الحديث. لذا نرتّل في كطافاسيات الفصح : "لننقِّ حواسّنا ولنعاينْ المسيح في نور القيامة الذي لا يدنى منه...". معاينة القيامة ممكنة بالحواسّ الروحيّة التي تتبلور بعد أن يتطهّر المرء من كلّ خطيئة. عرفاناً بالجميل ننشد: المسيح قام!

وفي هذه المناسبة العطرة إلا وهي عيد القيامة وموسم المواسم أرفع أدعيتي إلى قائد المسيرة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين وحكومته الرشيدة أن يبقى ذخراً لبلدنا الحبيب الأردن. ولا يسعني أن اعايد جميع أبناء وطننا عامة وأبناء رعيتي خاصاً . ومن كل قلبي أصرخ إلى الإله القائم من بين الأموات أن يديم علينا السلام الذي من لدنه.

المسيح قام ... حقاً قام