موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٢٢ يوليو / تموز ٢٠١٤
المسيحيون في الموصل

ابراهيم غرايبة :

نقلاً عن جريدة الغد الأردنية

أُرسل النبي يونس، المذكور في القرآن الكريم والتوراة، إلى الموصل (نينوى) في القرن الثامن قبل الميلاد. وآمنت المدينة التي تعد مائة ألف أو يزيدون، بعد القصة الاستثنائية المشهورة التي حدثت مع النبي يونس (يونان) بن متى (متاي). وربما يمتد الوجود الديني الكتابي في الموصل إلى ذلك التاريخ. ثم دخل أهل العراق، بأغلبهم، في المسيحية في القرن الأول الميلادي، عندما كان الإيمان يعني الصلب والحرق! وهي قصص في الإيمان والثبات عليه، خلدها القرآن الكريم.

وأقام المسيحيون العراقيون (يسمون نساطرة؛ نسبة إلى نسطور، وسريان وآشوريين...) مراكز علمية رائدة وذات دور كبير في الحضارة الإنسانية بعامة والحضارة العربية الإسلامية بخاصة. وكانت الأديرة والمدارس في الموصل ونصيبين وأورفا وماردين مراكز علمية ودينية هي الأكثر أهمية وتنويرا بعد انتهاء الدولة اليونانية وامتداداتها في الشرق، والتي لولاها لحدث انقطاع وفراغ كبير في مسار التقدم الإنساني؛ وكانت أيضا مراكز إدارية وتنظيمية للدولتين الفارسية والبيزنطية، ثم العربية الإسلامية في دمشق وبغداد. وظل رئيس الكنيسة النسطورية حتى سقوط الدولة العباسية العام 1256، واحدا من أهم رجال الدولة والبلاط العباسي، والمرجع المعتمد لدى الدولة (والخليفة) في شؤون المسيحية كلها؛ فكان في نظر الخليفة بمثابة بابا المسيحية! كما كان النساطرة دبلوماسيين وولاة لدى الدولة، كما كانوا علماء وأطباء وفلاسفة.

ما يحدث اليوم في العراق وبلاد الشام للمسيحيين هو عار على جميع العرب والمسلمين، ويمكن أن يتحول إلى خطيئة يصعب تصحيحها. فالتهجير الواقع على المسيحيين، والذي أدى إلى هجرة معظمهم من أوطانهم التي يعيشون فيها منذ آلاف السنين، يُلحق ضررا كبيرا ببنية البلاد وحضارتها وهويتها الاجتماعية والثقافية والتاريخية. وأسوأ من ذلك أن ما يحدث هو أمر شائن ومخز، ويدخل ضمن الجرائم بحق الإنسانية. وفوق ذلك، فإن ما يجري كأنه تسويغ على نحو ما للجرائم اليهودية في فلسطين ومحاولة تهويدها؛ بتهجير وقتل غير اليهود فيها!

كأن أحدا لم يفطن للوجود المسيحي في الموصل، العميق والراسخ على مدى التاريخ، حتى اكتشفه اليوم قادة الجماعات المسلحة؟ ولكنها جماعات لم تكتشف بعد الوجود اليهودي في فلسطين، أو أنها لا ترى اليهود أعداء! هل المسألة مجرد تطرف وهوس ديني، أم أنها أخطر من ذلك بكثير؟