موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢ يوليو / تموز ٢٠١٥
المسيحيون في الخندق الفلسطيني

حمادة فراعنة :

لطمة جديدة مزدوجة تلقاها المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي يوم 26 حزيران 2015، عبر التوصل الى تفاهم وتوقيع اتفاق بين حاضرة الفاتيكان ودولة فلسطين، وقعه وزير الخارجية الاسقف بول ريتشارد غالاغر وعن فلسطين وزير خارجيتها رياض المالكي، الذي وصف الاتفاق على أنه “تاريخي“ وبمثابة اعتراف الدولة رقم 136 بفلسطين، وحدد “وضع فلسطين الخاص كمهد للديانة المسيحية، وأرض الديانات التوحيدية“، وبوضع وحماية الاماكن المقدسة المسيحية ضمن الولاية الفلسطينية (وليس تحت الولاية الاسرائيلية)، وهذا له دلالة معنوية وأدبية وأخلاقية ودينية وسياسية ستترك بصماتها الايجابية لصالح الشعب الفلسطيني من قبل المسيحيين في العالم، وهذا هو الشق الاول من الصفعة على وجه تل أبيب وسياستها العنصرية الاحادية التوسعية الاحتلالية، أما الشق الاخر فهو فشل سياستها في التوصل الى اتفاق مماثل مع الفاتيكان رغم المباحثات والمفاوضات بينهما المتواصلة المتقطعة منذ عام 1993، أي منذ اتفاق أوسلو وولادة السلطة الفلسطينية على الارض الفلسطينية، وحتى يومنا هذا.

ولهذا عبرت خارجية المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، عن أسفها لقرار الفاتيكان ورفضها له، وقد صرح الناطق باسمها عمانوئيل نحشون بقوله “لا يمكن لاسرائيل أن تقبل بالقرارات الاحادية الجانب الواردة في الاتفاق“ وذلك لأن “نصوص الاتفاق تتجاهل المصالح الاسرائيلية واليهودية“ على حد تعبيره، وفي هذا السياق لا بد من الاقرار أن خطوة الفاتيكان هذه في اقرار الهوية الوطنية للمقدسات المسيحية باعتبارها قائمة على أرض فلسطين ليست جديدة، بل تمت في سياق سياسة تدريجية بدأت منذ عام 1975، حينما سجل البابا بولس السادس، الفضل حينما أكد أن الفلسطينيين ليسوا مجرد لاجئين بلا هوية، بل يشكلون شعباً له حقوق وتطلعات، وعليه عين البابا يوحنا بولس الثاني لأول مرة عام 1987 ميشال صباح ابن الناصرة بطريركاً تقديراً منه لمكانة الرجل ودوره ولشعبه، وكانت فاتحة الاتفاقات بين الفاتيكان ومنظمة التحرير عام 2000، ومنذ تولي البابا فرنسيس مهامه فتح أبواب الفاتيكان مشرعة نحو فلسطين، وزارها وتوقف أمام جدار الفصل العنصري رافضاً له وصلى من أجل ازالته، واعترف بدولة فلسطين، بعد الاعتراف الدولي من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين وقبول عضويتها كدولة مراقب عام 2012، هذا ما فعله الفاتيكان، وله الفضل في ذلك.

ولكن الفضل الاساس يعود لرجال الدين المسيحيين أبناء الشعب العربي الفلسطيني الذين أسهموا بتغيير موقف الكنيسة الجوهري لصالح الشعب الفلسطيني والاقرار بعدالة قضيته، بدءاً من الراحل الاب ابراهيم عياد الذي تفانى وتفرغ لمصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته ووظف دوره الكنسي كرجل دين يؤمن بعدالة قضيته وبالسيد المسيح الفلسطيني الاول رمز عدالتها وتضحياتها ولا يزال، ودور المطران الراحل ايليا خوري المعطاء الذي واصل طريقه بلا تردد بالمزاوجة بين فلسطينيته ومسيحيته، أما المناضل الكبير المطران كبوشي فقد جسد الانخراط حتى نخاع العظم برحلة النضال الفلسطيني ونقل السلاح بسيارته الدبلوماسية الى مناضلي فلسطين تأكيداً على عروبته كمواطن سوري، ورجل دين مسيحي عرف أن موقفه ومكانته بين مناضلي فلسطين وفي أتون جهادها لكنس الاحتلال واستعادة شعبها حقوقه على أرضها، ودفع ثمن ذلك سنوات طويلة قضاها في سجون الاحتلال، اضافة الى رجل الدين الشجاع المطران عطا الله حنا الذي واصل العمل كسلفه ميشيل صباح حازماً موقفه، عارفاً طريقه وسط شعبه ولصالح رعيته المسيحية الفلسطينية، ولا يزال.

أبونا قسطنطين قرمش والدكتور رمزي خوري رجل المهمات الصعبة لدى الراحل ياسر عرفات كان لهما الدور والفضل الذي يسجل لهما أمام شعبهما الفلسطيني، حيث أعطيا الواجب والعمل مما يستوجب التقدير على الطريق الطويل، واذا كان للمسيحيين الفلسطينيين من دور، فلا شك أيضاً أن المسيحيين الاردنيين شركاء في هذه الدور يؤديه البطريرك فؤاد الطوال ابن مادبا وبطريرك القدس الامين على مقدساتها والراعي لرعيته على أرضها، الحازم في وطنيته لصالحها، والمدافع القوي على فلسطينيتها، كما نذكر بالخير الاب رفعت بدر والاب نبيل حداد اللذان يسهما في التعامل مع الاخرين لتقديم صورة المسيحي الحقيقي الذي يجمع بين نبله كرجل دين، وبين وطنيته الاردنية وقوميته العربية ويوظف كل ذلك من أجل فلسطين، باعتبارها مهد السيد المسيح وعلى أرضها أقدس مقدسات المسيحيين كنيسة المهد في بيت لحم، وكنيسة القيامة في القدس، وكنيسة البشارة في الناصرة، وهذا هو سبب انتصار الفلسطينيين التدريجي المتعدد المراحل والذي سيتوج باستعادة حقوقهم الثلاثة: 1- حقهم في المساواة في مناطق 48، و2- حقهم في الاستقلال في مناطق 67، و3- حق اللاجئين في العودة الى اللد ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع، واستعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها باعتبارها وطنهم الذي لا وطن لهم سواه.