موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢٣ ابريل / نيسان ٢٠١٤
المسيحية العربية والتشدد والدولة المضطربة

سميح المعايطة :

عبر أكثر من مرحلة وقضية كانت المسيحية العربية محل استهداف مباشر أو غير مباشر، وكان أحد أهم الأهداف رسم صورة للمسيحية العربية وكأنها « جالية غربية « في العالم العربي، أو أنها حالة غير متجذرة عربياً وخيار الهجرة أو الهروب جاهز دائماً، وعندما جاءت القضية الفلسطينية عمل الإحتلال الصهيوني بشكل ممنهج على التهجير للمسيحيين العرب من فلسطين والقدس، ونجحت هذه المؤامرة بشكل كبير، ولهذا لا يوجد اليوم إلا بضع عشرات الالاف من المسيحيين العرب في أرض فلسطين 67.

وكان جزءاً من الاستهداف رسم صورة للمسيحية وكأنها قادمة من الغرب، ولم يكن هذا نقصاً في المعلومة بل تغييراً للحقائق، فمهد المسيحية أرضنا العربية، والسيدة مريم العذراء عليها السلام كانت تعيش هنا، والمسيح عليه الصلاة والسلام أعلن رسالته وبشر بالمسيحية من أرضنا العربية لكن الغاية إظهار المسيحية العربية وكأنها غريبة في أرضنا العربية، وأن المسيحيين العرب بلا أي إمتداد بين أبناء أمتهم.

وكان تفسير البعض لنصوص الدين الإسلامي سطحياً ويخدم الإستهداف ومصدراً لإثارة القلق والخوف وحتى الغربة لدى فئات من المسيحيين العرب، وربما يكون هذا من أسباب إنحياز جزء من نخب المسيحية العربية إلى الأحزاب القومية واليسار العربي، لأن بعض التنظيمات الإسلامية كانت بلا أجوبة حاسمة حول العلاقة مع المسيحيين، بل أن بعضها تبنى التفسيرات القاصرة للنصوص الشرعية، وكان الحديث عن المسيحي العربي وكأنه إمتداد للحرب الصليبية، أو عدو للأمة، أو فئة معزولة اجتماعياً وأقلية بلا جذور.

لكن الإنحياز الأكبر من المسيحية العربية كان للدولة الوطنية، وهو إنحياز ايجابي، فالدولة هي عنوان الجميع، وأنحازت الكتلة الغالبة من المسيحية العربية للإعتدال والوسطية والاستقرار والأمان، وكان أي اضطراب يصيب أي دولة، أو إزدياد نفوذ الفكر المتشدد في أي دولة ينعكس على الشعور بالأمن في تلك الجغرافيا، لأن الفكر المتطرف قدم نماذج سلبية في كثير من الدول ليس فقط في عمليات إرهاب ضد كنائس ودور عبادة، بل في الفكر والآراء التي يتبناها، وكان هذا ضد المسلمين والمسيحيين، لكن الأثر أكبر على المسيحي بحكم الرقم السكاني وعوامل أخرى.

وخلال سنوات الربيع العربي كان الاحساس بالقلق حاضراً لدى المسيحية العربية ليس من الاصلاح والديمقراطية بل من أي نفوذ للقوى المتطرفة، وكان القلق الأكبر بعدما كرست تنظيمات الفكر المتشدد قناعة بأن استهداف المسيحية العربية جزء من أولوياتها فكان ما كان في سوريا وقبل الربيع العربي في العراق وغيرهما، كما جاء القلق نتيجة الإنهيارات في الدولة الوطنية المضطربة أو الضعيفة والفكر المتشدد مصدر قلق لمواطني أي دولة، لكنهما أيضاً جزء من عوامل استهداف المسيحية العربية ولعلنا–من فضل الله تعالى – لم نشعر بالأردن بهذا القلق، لكن محيطنا المضطرب الذي ضعفت به الدولة الوطنية أو أزدادت فيه مساحة الفكر المتشدد على الأرض صنع قلقاً للمسيحية العربية على حقها في العيش بأوطانها كجزء منه.