موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ١٠ مايو / أيار ٢٠١٨
المسؤول والمسؤولية

د. صلاح جرّار :

للّغة العربيّة في مصطلحاتها ودلالاتها ذكاء فائق يدلّ على نباهة مستخدميها وبراعتهم وفطنتهم، إذ ندر أن يقع فيها مسمّى من المسميّات أو اشتقاقٌ من المشتقات عشوائيّاً، ومن الشواهد على ذلك كلمة «المسؤول»، فإنّ اعتمادها على اللّسان العربيّ دون غيرها من الكلمات المرادفة لها أمرٌ له دلالاته القريبة والبعيدة، فقد غلبت كلمة «المسؤول» على غيرها من الكلمات الدالّة على الشخص الذي يتولّى أمر جماعةٍ أو مؤسّسةٍ أو وزارة أو شركة أو غيرها، لأنّ هذه المفردة أقدر على التعبير من سواها عن المهامّ التي يقوم بها هذا « المسؤول».

فالمسؤول الذي يتولّى الإشراف على الجماعة أو المؤسّسة ويتخذ القرارات ويضع الخطط والبرامج ويعيّن الموظفين أو يقيلهم يمكن أن يعطى مسمّى آخر غير «مسؤول» ممّا ينبثق من تلك المهامّ التي يقوم بها، مثل (مشرف) أو (مدير) أو (مقرّر) أو (معيّن) أو (مقيل) أو (مخطّط) أو غير ذلك كثير. لكنّ إعطاء مسمّى (مسؤول) لم يأت عشوائيّاً لأنّ لكلمة (مسؤول) في اللّغة العربيّة معنيين، أولهما: الذي يسأله الناسُ حاجاتهم، ولذلك فإنّ طالب الحاجات يسمّى (سائل) ووردت هذه الكلمة مراراً في القرآن الكريم.

والمعنى الثاني لكلمة المسؤول هو الذي يُسْأل عن أفعاله وأدائه وإنجازاته وعن أخطائه وتجاوزاته.

وعلى ذلك، فإنّ إطلاق صفة (مسؤول) دون غيرها من الصفات على من يتولّى وظيفة عليا أو يفوّض بشأن عظيم أو توكل إليه مهمة خطيرة أو قيادة جماعة أو مؤسّسة، لا يعني ما يفهمه أكثر الناس أنّه الشخص الذي يكون في موقعٍ يكون فيه الآمر الناهي والمتفرّد بالقرارات والأحكام دون أن يعترض عليه معترض، بل إنّ صفة المسؤول تعني خلاف ذلك تماماً، وتجمع المعنيين اللّغويين معاً، فهو الذي يرفع إليه الناس طلباتهم وتظلماتهم واحتياجاتهم وهو ممّن يُسألون عن أدائهم إن أحسنوا أو أساؤوا، ومن هنا تأتي كلمة (المساءلة) التي هي شرط من شروط تولّي المسؤوليّة، أي أنّ المسؤول لا ينبغي أن يكون في منأى عن المساءلة وعن المحاسبة متى أخفق في أداء عمله أو استغلّ سلطته لمصالحه الشخصية، ولا يجوز لأي مسؤول أن يعترض على منتقديه أو على مساءلته، لأنّ الوحيد الذي لا يُسال عمّا يفعل هو الله تعالى }لا يُسْألُ عمّا يفعل وهم يُسألون{ (الأنبياء 23).

وعندما يعترض المسؤول على المساءلة فإنّه بذلك يكون قد أخلّ بأهمّ شرط من شروط المسؤوليّة ولم يعد أهلاً لها، لأنّ اللّغة والبناء الصرفي للكلمة «اسم مفعول» والمسمّى والمنطق والعدل والدين تقتضي كلّها أن يكون مسؤولاً عمّا يفعله ويقرّره ويصدر عنه.

(الرأي الأردنية)