موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٨
المحطات الأساسية في رعوية الشباب: الإصغاء والدعوة والتمييز والمرافقة

البطريرك لويس روفائيل ساكو :

اكتب عن طروحات، تنتظر الوثيقة النهائية والإرشاد الرسولي. اكتبها حتى يقرأها أساقفتنا وكهنتنا ورهباننا وراهباتنا وشبابنا وعائلاتنا. من المؤسف القول أننا في الكنيسة الكلدانية وهكذا الحال في معظم الكنائس الشرقية، قلَّما نهتم بالشباب، من حيث الاصغاء، والدعوة والتمييز والمرافقة، وعموماً نفتقر الى مراكز للشباب، ومراكز الاستقبال والارشاد. أعتقد علينا مراجعة ذاتنا، لايجاد توازن بين اهتماماتنا الراعوية، ورسم خطة حديثة متطورة، للاهتمام بالشباب لانهم حاضر الكنيسة والمجتمع ومستقبلهما.

اليوم علينا أن نتجاوز الماضي وأنماطه، لأننا نعيش في عالم مختلف تماماً عن السابق بسبب الحداثة والعولمة والعلمنة ووسائل التواصل الاجتماعي التي قلبت المفاهيم والموازين، لكن هذا لا يجب ان يخوّفنا ويقلقنا ويجعلنا نتقوقع على ذاتنا. بل يتوجب علينا، أن نؤمن وبثقة مطلقة بان الروح القدس هو من يقود الكنيسة في هذه الثورة الثقافية والاجتماعية والعالم الرقمي، كما قاد الكنيسة في الثورة الصناعية. "الروح يهب حيث يشاء" (يوحنا 3/8).

أعتقادي الشخصي، ان الشباب ليسوا غير مبالين بالايمان، بل انهم يرغبون في روحانية عميقة، بعيدة عن الممارسات التقوية الكلاسيكية، وينتظرون من الكنيسة جهداً خاصاً لتفهم واقعهم ولمساعدتهم في بحثهم عن جديد الله في عالمهم الجديد. انهم لا يقبلون بسهولة ايمانا موروثاً آلياً، بل يريدون ايماناً شخصيا وخبرة روحية تستند على لقاء شخصي مع المسيح في حياتهم. الشباب لا يزالون ينجذبون الى صورة المسيح.

نحن الآباء والرعاة، لا ينبغي ابداً ان نخاف من طروحات الشباب الجرئية واسئلتهم المصيرية، كما علينا ان نعترف باننا لسنا محاورين جيدين مع الشباب أحياناً، أي أننا لا نمارس فن الاصغاء اليهم بسخاء وفرح، وبحاجة شديدة أن نكون بالنسبة لهم شهوداً للمسيح بمثالنا الشخصي والجماعي، وليس عبر الكلام والتلقين. بإختصار، علينا ان نعطيهم مكانتهم الحقيقية في الكنيسة.

لقد طرحت "أداة العمل" المحطات الأربع الأساسية، في سبيل خدمة راعوية متجددة للشباب وهي: الاصغاء والدعوة والتمييز والمرافقة. دارت حولها معظم مداخلات آباء السينودس في الأسبوع الثاني لالتئامه، وكذلك مناقشات الحلقات الصغيرة. مدركين ان الاصغاء والتمييز والمرافقة هي فن خاص ينبغي معرفته والتدرب عليه، بينما الدعوة هي رؤية.

الإصغاء

يتوجب على الكنيسة كأم ومربية ان تستمع الى الشباب، ليس فقط عن معاناتهم وتطلعاتهم الطبيعية، لكن أولا عن نظرة الله اليهم. ماذا يريد الله ان يقوله لهولاء الشباب بناته وابنائه؟ هنا يأتي دور الكنيسة النبوي بالدرجة الأولى، أي قراءة علامات الأزمنة وتفسيرها على ضوء الانجيل، وواقع الشباب.

الكنيسة، أي الأساقفة بشكل خاص والكهنة، مدعوون للاصغاء الى الشباب، لكن هذا لن يحصل الا بالاصغاء أولاً الى كلمة الله (الكتاب المقدس)، والتأمل فيها، والاصغاء الى الهامات الروح القدس. آنذاك يتمكن المُصغي والمتكلم ان يقيما علاقة عميقة تغيرهما. في الكنيسة كما قال احد الأساقفة: “كلنا احجار حية“: الرعاة والشباب وجماعة البالغين. علينا ان نصغي الى الشباب الذين يعبّرون بشجاعة عن مطالبهم ويقولون: اننا نريد كنيسة أكثر انفتاحاً واستقبالاً واهتماماً واحتضاناً وضيافة. جميعنا الكنيسة، كنيسة نتضامن فيها كإخوة، كنيسة تهتم بالاكثر إحتياجاً. هذه هي الكنيسة التي يتوجب علينا ان نبنيها معاً”.

الشباب لن يبقوا شبابًا، انما سوف ينضجون ويكبرون ويصبحون ازواجًا وزوجات، آباءً وامهات، كهنة ومكرسين ومكرسات، عليهم جميعًا أن يحملوا مسؤولية حمل الانجيل لمعاصريهم وفقًا لظروف حياتهم. لذا أسأل نفسي أولاً وأساقفة كنيستنا أيضًا، أين نحن من مثل هذه الخدمة الراعوية؟

الدعوة

في الانجيل لا توجد سوى دعوة واحدة محددة وواضحة، ألا وهي الدعوة الى القداسة. هذه الدعوة ينبغي أن يضعها كل مسيحي نصب عينيه وهي مسؤولية الجميع: فالله يدعو البشر رجالاً ونساءً الى ان يعيشوا كابناء وبنات له وكاخوة واخوات لبعضهم، وأن يعيشوا في غاية الفرح، متيقنين ان حيث الحب هناك الله. “أُعْطيكم وَصِيَّةً جَديدَة: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً. كما أَحبَبتُكم” (يوحنا 13/34).

أما اختيار حالات خاصة (مسارات) في الحياة، فهذه هي ثمرة نداء خاص واختيار شخصي حر. كل واحد، يختار وفق اطره وظروف حياته، النمط الذي به يحقق حياته – دعوته ورسالته. وهذا يتم من خلال البحث والصلاة واللقاءات والعائلة والإرشاد. هذه الدعوة هي أما للتكريس في الزواج وتكوين العائلة او في نوع آخر من التكريس الكامل كالتكريس للخدمة (الكهنوتية) أو الحياة الرهبانية. وهذه الدعوة تصب في النهاية في الدعوة الى القداسة. لذا على الكنيسة ان تهتم بتنشئة الشباب ومرافقتهم في البحث واكتشاف دعوتهم الخاصة ومساعدتهم على تحقيقها. وهنا أشدد على أهمية دور المدارس المسيحية في التنشئة والمرافقة في اكتشاف الدعوة.

وذكر أكثر من اسقف الغبن بحق المرأة وتهميشها، وطالب بضرورة مشاركتها مشاركة فعالة في رعوية الكنيسة، بكونها شريكة فيها، لان كلنا معاً نكوّن الكنيسة. وخسارة الا تستفيد الكنيسة من طاقات السيدات.

التمييز

موضوع التمييز، موضوع معقد يدور حول اكتشاف مسار الحياة الخاص بالشخص واختياره إياه، لتحقيق ذاته. على الكنيسة مساعدة الشباب في تحقيق اختيارات ملائمة لشخصيتهم وتاريخهم في العائلة والمجتمع والكنيسة. وهذا التمييز يتطلب وعياً حراً واهتداء “دائما” الى الدعوة وثقة وطيدة بالنفس.

المرافقة

تحتاج عملية المرافقة الى اعداد دقيق، لاهوتياً وروحياً وثقافياً ونفسياً وتربوياً وتتطلب دفءً انسانيأً وحضارياً وروحياً. المرافقة تتم بحسب كل حالة من حالات الدعوة لتحقيقها وهي مسؤولية يومية. وما يجب الانتباه اليه في خدمة المرافقة هو التصدي لكل من وما ينزع فرح المدعو، أي جرَّه الى الشك واللامبالاة اوتناول المخدرات او الكحول… ومعالجة حدوث بعض حالات الإخفاقات تتم عبر ممارسة المحبة والرحمة.. المرافقة تخلق علاقة بين الشخصين في تحقيق هدف الاتحاد مع المسيح، والاندماج في الكنيسة والمجتمع. المرافقة يقوم بها الرعاة والوالدان والناشطون الراعويون.

وهنا أود ان أشير بشكل خاص الى فن مرافقة المخطوبين للزواج في الكنيسة، حبذا الا يقتصر الاعداد على القليل من المحاضرات، انما ينبغي اعدادهم اعداداً جيداً ومن كل الجوانب. وحبذا لو دربنا بعض العوائل couples في الرعية لاستقبال المخطوبين ومرافقتهم، علماً أن ثمة تقليد في كنائسنا هو القريب والقريبة (الاشبين والاشبينة)، هذا الدور يمكن ان يُفعَّل حتى لا يبقى دوراً بروتوكولياً وشكلياً.