موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٨ ابريل / نيسان ٢٠١٤
اللقاء المبارك بين جلالة الملك وقداسة البابا

السفير موفق العجلوني :

مر عشرون عاماً على العلاقات الدبلوماسية بين المملكة الاردنية الهاشمية ودولة الفاتيكان، حيث تم تدشين هذه العلاقة في الثالث من آذار عام 1994. وهذه العلاقات المتميزة تمتزج فيها العلاقات الروحية التي تمتاز بها هاتين القيادتين العظيمتين: القيادة الاولى بامتدادها الروحي الى جده الرسول العظيم صلوات الله وسلامه عليه خاتم الانبياء والمرسلين واخرهم سيدنا عيسى عليه السلام, والقيادة الثانية برعايتها الكنيسة الكاثوليكية وامتدادها الروحي بسيدنا المسيح عليه والسلام صاحب المعجزات ابن اشرف وأكرم امرأة على وجه الارض منذ ان خلق الله الكون الى يوم القيامة منقذ البشرية داعي المحبة والسلام.

علاوة فان هذه العلاقات منذ بداية تدشينها, انطلق المغفور له باذن الله الملك الحسين عام 1994 بزيارة روما حاضنة الفاتيكان حيث التقى جلالته رحمه الله بقداسة البابا يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان، تبعتها زيارة مباركة تاريخية للمملكة, حيث استقبل المرحوم جلالة الملك الحسين قداسة البابا بولس السادس، وكانت أول زيارة لحبر أعظم خارج ايطاليا، حيث عبر قداسته ان العلاقة بين الاردن والفاتيكان حتى قبل اقامتها رسمياً كانت علاقة حوار ومحبة وتقدير واحترام.

ان العلاقات التي اسست على بنيان مرصوص بين الاردن والفاتيكان والتي اسسها المرحوم جلالة الملك الحسين رحمه الله وقداسة البابا يوحنا بولس الثاني استمرت بزخم اكبر وتواصل مبني على الاحترام وتبادل الرأي والمشورة بكل القضايا العالمية وخاصة في الشرق الاوسط وبالذات القضية الفلسطينية والقضايا الانسانية.

وتأتي الزيارات لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله في عهد البابا يوحنا بولس الثاني والبابا بندكتس السادس عشر، وآخرها في 29 آب من العام الماضي، حين زار جلالة الملك الفاتيكان والتقى بقداسة البابا فرنسيس الاول - المعروف عنه بالتواضع ودعم الحركات الإنسانية والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية وتشجيع الحوار والتواصل بين مختلف الخلفيات والثقافات – بهدف تعزيز الحوار والتفاهم بين أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية، وتطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، والقضايا ذات الاهتمام المشترك وحرص الأردن الدائم على توثيق علاقات التعاون مع الفاتيكان بما يسهم في ترسيخ مفاهيم المحبة والوئام بين الأمم، وتحقيق السلام والاستقرار لشعوب ودول منطقة الشرق الأوسط وتعزيز قيم التسامح والتعايش بين أبناء الديانتين الإسلامية والمسيحية وتعظيم القواسم المشتركة بينهم، وبما يصب في ترسيخ لغة الحوار والتواصل، وأن الوسطية ونهج الاعتدال والتسامح ركائز أساسية دعت إليها رسالة عمان التي أطلقها الأردن عام 2004 لبيان الصورة الحقيقية الناصعة للدين الإسلامي الحنيف لتعزيز التعاون بين الاردن والفاتيكان وتعزيز قيم التسامح الديني والتعايش بين أبناء الديانتين الإسلامية والمسيحية، بعيداً عن الانغلاق والتعصب. وهذه حالة ربما تكون حالة اردنية فريدة في العالم, كانعكاس للعلاقة الحميمة التي تعيشها العائلة الاردنية الاسلامية المسيحية الواحدة في الاردن.

وقد كان لي الشرف بأن عايشت هذه التطورات بين الاردن والفاتيكان عن قرب اثناء تولي مهام نائب رئيس البعثة والقائم بأعمال سفارتنا في روما خلال الفترة من 2000-2005.

ومن منطلق حرص المملكة على حوار الديانات السماوية, بالاضافة الى تأسيس المعهد الملكي للدراسات الدينية, فقد اطلق الاردن في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين العديد من المبادرات واللقاءات والندوات والمؤتمرات الدينية الهادفة إلى تعظيم الجوامع المشتركة والتعاون بين أتباع الديانات السماوية التوحيدية، وقد حظيت هذه المبادرات بمباركة الفاتيكان والاشادة بدور المملكة الاردنية الهاشمية ودور جلالة الملك عبدالله الثاني في هذه المجال. ومن هذه المبادرات: مؤتمر العرب المسيحيين عام 2002، ومبادرة رسالة عمان 2004، ومبادرة كلمة سواء 2007، وأسبوع الوئام بين الأديان 2010، والمؤتمر الخاص بالتحديات التي تواجه المسيحيين العرب في العالم الماضي.

ومن الجدير بالذكر أن الحبر الاعظم سيّد دولة الفاتيكان البابا فرنسيس انتخب في أعقاب مجمع انتخابي هو الأقصر في تاريخ المجامع المغلقة, ويعتبر الحبر الأعظم أول بابا من اميركا اللاتينية والوسطى ومن الأرجنتين بالذات، كما أنه أول بابا من خارج أوروبا منذ عهد البابا غريغوري الثالث (731-741). وقبل انتخابه شغل قداسته منصب رئيس أساقفة العاصمة الارجنتينية بيونس آيرس. وكان يوحنا بولس الثاني قد منحه الرتبة الكاردينالية عام 2001, وقد اختار البابا خورخي ماريو بيرجوليو اسم فرنسيس تيمناً بالقديس فرنسيس الأسيزي أحد معلمي الكنيسة الجامعة والمدافع عن الفقراء والمعوزين والداعي الى السلام والمحبة بين ابناء الشعوب. ويتقن البابا عدة لغات بالاضافة الى اللاتينية: الإسبانية والإيطالية والألمانية والفرنسية والإنكليزية.

هذا وقد رحب رجال الدين المسلمين في الأرجنتين بانتخاب البابا فرنسيس سيد الفاتيكان، وقالوا في بيان صدر عن المركز الاسلامي في الارجنتين ان البابا الجديد كان دائمًا صديق للمجتمع الإسلامي، وأنه رجل يقف موقف الداعم للحوار. وكان البابا خلال رئاسته أساقفة بيونس آيرس قد زار المسجد والمدرسة إلاسلامية في مدينة بيونس ايرس، ودعا إلى تعزيز العلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية والإسلام. وفي تصريح للأمين العام للمركز الإسلامي في الأرجنتين قال بأن الإجراءات التي اتخذها البابا في الماضي جعل من خبر انتخابه سبب فرح في المجتمع الإسلامي في الأرجنتين وساهم البابا مساهمة فعالة في الحوار بين المسيحيين والمسلمين وأنه ترك تأثيراً كبيراً في تاريخ العلاقات بين الأديان الموحدة.

من جهة اخرى دعت منظمة التعاون الإسلامي لتحسين العلاقات مع الفاتيكان, وقال أمينها العام السيد أكمل الدين إحسان أوغلو أنه يجب استثمار مناسبة انتخاب البابا فرنسيس لاستعادة الصداقة الحميمية بين الديانتين السماويتين. كما قام الشيخ أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر بارسال التهاني للبابا فرنسيس حيث كان الأزهر قد قطع علاقاته مع الكرسي الرسولي في أعقاب حبرية البابا بندكت السادس عشر. وفي لقائه الأول مع سفراء نحو 180 دولة حول العالم، قال البابا فرنسيس الاول أنه سيهتم بشكل خاص بالحوار مع المسلمين، وخلافًا للقانون الكنسي والتقليد, قام البابا خلال استذكار غسل المسيح أرجل تلاميذه بالغسل حسب التقليد لاثني عشر شخصاً اثنان منهم مسلمين.

وتأتي زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله الى الفاتيكان في الوقت الذي يقوم الاردن بالتحضيرات المميزة لاستقبال - ضيف جلالة الملك وضيف الاردن وكل الاردنيين - قداسة البابا فرنسيس الاول الى المملكة في ايار القادم استجابة لدعوة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين لتعزز العلاقات الوطيدة بين البلدين والقيادتين ذوات الامتداد الروحي والديني والانساني والاحترام الذي يوليه المجتمع الدولي لهاتين القيادتين وخاصة في دورهما في تعزيز السلام في منطقة الشرق الاوسط والعالم.

كما تأتي زيارة قداسة البابا فرنسيس الاول للاردن والاراضي المقدسة لتضيف بعداً آخر من خلال تأكيد الرعاية الهاشمية للمقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس وتعميق التعاون في مجال السياحة الدينية والحج المسيحي الى المغطس بجانب نهر الاردن.

يتطلع المجتمع الاردني الى زيارة جلالة الملك حفظه الله الى الفاتيكان يوم الاثنين ولقائه بقداسة البابا فرنسيس الاول, وزيارة قداسة البابا الى المملكة في ايار القادم الى تعزيز العلاقات بين البلدين والى الدور الهام لقداسة البابا من خلال موقعه الروحي وموقع الكنيسة الكاثوليكية في العالم ببذل جهود قداسته من اجل احلال السلام في منطقة الشرق الاوسط ودفع عملية السلام ووقف اسرائيل من التعدي على حرمة المقدسات الاسلامية والمسيحية في مدينة القدس ورعايتها ومنع تهويدها وتغيير معالمها وهويتها ودعم المقدسيين مسلمين ومسيحيين والحفاظ على المدينة وهويتها العربية واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة وعاصمتها القدس الشريف.