موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٨ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٧
الكتابة بالأنف

رمزي الغزوي - جريدة الدستور :

في حكايات الجدات سمعنا عمن حفر بئراً عميقة بإبرة خياطة. يومها قلنا غير مصدقين: لو أنه استخدم أظافره لأنجز المهمة بشكل أسرع. وكنا سمعنا عمن نقل جبلا عاليا حجرا حجرا، وقلنا عندها هازئين: لو أنه نقله حجرين ؛ لكان الأمر أوفى، أو أقرب إلى التصديق.

وبعد أن أخذتنا الحياة بمعجزاتها اليومية، صرنا نقول أمام كل مشهد جبار عظيم: الإنسان همة. ولو أن همة أحدنا تعلقت في الثريا لنالها، أو لو أنها تاقت إلى مجرت قصية في زاوية بعيدة من كوننا لوصلها. الإنسان قوة بلا حدود.

لربما أن الشاب المبدع (المعتصم بالله أبو محفوظ) طالب هندسة البرمجيات في جامعة الزرقاء واجه حال وصوله إلى هذه الدنيا نقصاً حادا في الأكسجين، مما أدى إلى أصابته بشلل دماغي عطل أطرافه الأربع وعضلات فمه. لكن الأوكسجين العائلي المشبع بدفء الرعاية والاحتضان جعل منه انموذجا للتحدي، وعنوانا للاصرار يستحق وقفة احترام واشادة.

ندرك كم هي مؤثرة الكتابة بالألم. فالأوجاع حينما تتحول إلى حروف تظل بارزة لتقرأ بعين التقدير زمنا طويلا. فلا يؤثر إلى المتأثر. وما كتاب بدموع لا يقرأ إلا بدموع. وما كتب بالأنف يبقى غريبا عجيبا حتى نرى كتابين يقولان: الشلل لا يعيق إلا أطراف الإنسان، لكنه لا يشل أمله ولا يقصي طاقته ولا يثني عزيمته.

بعين الدهش والفرح راينا كيف أن هذا الشاب قد استخدام أنفه لتأليف الكتابين على جهاز الكمبيوتر اللويحي (الآيباد): نقرة نقرة. فالنقرة تعني حرفا، والحرف على الحرف كلمة، والكلمة إلى جوار أختها جملة تترابط بأخرى لتكون كتابا.

لم أقرأ الكاتبين (نظرات ثاقبة ) وعاشقة صاحب الكرسي، حتى الآن، ولكني أستشف حجم الإصرار الذي صنعهما، والعاطفة التي تكتنزهما وتلهبهما. أستشف حجم الأمل والرغبة في التغيير، والانتصار على الواقع. فالمعتصم بالله لا يرى في الإعاقة إلا طاقة. سيما حين يكون هدفه أن يسعد الآخرين، كما يقول.

كنت وما زلت معجبا بالعالم (ستيفن هوكينج) أبرز علماء الفيزياء النظرية، الذي لا تتحرك منه إلى رموش عينيه، وهو صاحب نظرية الانفجار الكبير، ومؤلف كتاب (الكون في قشرة جوز) وكتاب (التصميم العظيم). هذا العالم استطاع بواسطة حاسوب أن ينتج هذه المآثر الكبيرة.

اليوم يعجبني الشاب المعتصم بالله، وأرى أننا نحتاج أن نعلي من شأن تجربته، ونتمثل همته وهمة أمثاله من الشباب الذين يفوقون حافر بئر الإبرة وناقل الجبل. هم أعمدة تشهق بنا وترفع سمت حياتنا. وترينا أن لا حد يستطيع أن يقف بوجه رغبة الحياة.