موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٨ يوليو / تموز ٢٠١٩
الكاردينال ساكو يعرب عن خشيته من وقوع العراق وسط نزاع أمريكي إيراني

ترجمة موقع أبونا :

أعرب البطريرك الكلداني الكاردينال لويس روفائيل ساكو عن قلقه إزاء تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، متخوفًا من أن ذاك قد يقحم العراق وسط أي نزاع محتمل. وأشار في سياق آخر، إلى إن زيارة البابا فرنسيس المقترحة للعراق العام المقبل غير مؤكدة.

وفي مقابلة مع خدمة الأنباء الكاثوليكية، أوضح الكاردينال ساكو بأن المسيحيين العراقيين يكابدون بعد تدمير أراضي أجدادهم من قبل مقاتلي تنظيم داعش، والتزايد المتنامي من قبل المليشيات الشيعية على بلداتهم، بعد سنوات من العنف الطائفي المتشنج في العراق.

وقال: "ينتابنا القلق عندما نسمع أشخاصًا يقولون أنه ستكون هناك حرب، وما يمكن أن يحدث جراء هذا الأمر. لكنني آمل ألا تحصل حرب، وأن ينظر الإيرانيون فيما عاشه العراق. فبعد 15 عامًا، ما زال العراق يعاني، وهناك ارتباك"، لافتًا إلى أنه "لا توجد مواطنة في العراق، إنما طائفية. لقد عانى المسيحيون كثيرًا".

وتحدّث الكاردينال ساكو إلى خدمة الأنباء الكاثوليكية أولاً في دهوك في 8 تموز، ومرة جديدة في روما في 15 تموز، حيث كان من بين المتحدثين في الندوة التي أقامتها السفارة البريطانية لدى الكرسي الرسولي، لتقديم المراجعة البريطانية المستقلة حول اضطهاد المسيحيين، وذلك في كنيسة القديس برثلماوس في روما، المزار المخصص للشهداء الجدد في الكنيسة الكاثوليكية.

وينظر التقرير لوضع المسيحيين في العالم، خاصة في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط. وفي العراق، ذكر التقرير أنه بينما هزم تنظيم داعش، إلا أن الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران استولت على الممتلكات المسيحية، التي استولى عليها داعش في السابق، وأعاقت حرية حركة المسيحيين، وخاصة الكهنة غير القادرين على الوصول إلى كنائسهم لإقامة الاحتفالات الدينية.

ويقول محللون إن عدد السكان المسيحيين في العراق يتراوح بين 1.5 مليون إلى 2 مليون قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، وقد تضاءل الآن إلى حوالي 200 ألف مسيحي فقط. وقد استهدف المسيحيون بالعنف الطائفي، والتهجير من وطنهم، حيث ينتمي حوالي ثلثي المسيحيين العراقيين إلى الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية.

وفي دهوك، أخبر البطريرك ساكو خدمة الأنباء الكاثوليكية: "كانت هناك مجتمعات مسيحية مزدهرة في جميع أنحاء العراق: في العاصمة بغداد، والبصرة في الجنوب، وكذلك في كركوك والموصل وكوردستان في الشمال. أما اليوم، تكاد الموصل أن تخلو تقريبًا من المسيحيين. كان هناك أكثر من 30 ألف مسيحي (قبل العنف الطائفي وداعش). لقد كنت كاهنًا أبرشيًا هناك".

وأضاف: "ذهبت إلى الموصل بعد أسبوع واحد من تحريرها (من تنظيم داعش)، ورأيت أن جميع كنائسنا قد دمّرت. يرجع تاريخ قسم من هذه الكنائس إلى ما بين القرن الخامس والعاشر للميلاد. نحن قلقون من حدوث شيء مماثل في إيران، وأن العراق سيتأثر أيضًا بالحرب".

وأثار البطريرك ساكو مناخ عدم اليقين حول زيارة البابا فرنسيس المأمولة للعراق العام المقبل. وقال: "لا نعرف كيف ستسير الأمور. ربما سينتظر البابا". وأوضح غبطته الذي أرسل دعوة إلى البابا باسم الكنيسة العراقية: "لقد أعرب عن رغبته في المجيء إلى العراق". كما أرسل كل من رئيس الجمهورية العراقية ورئيس الوزراء دعوات لزيارة بلدهم.

وكان البابا فرنسيس قد أشار خلال لقائه يوم العاشر من شهر حزيران الماضي، مع هيئة المؤسسات الفاتيكانية المعنية بمساعدة الكنائس الشرقية، والمعروفة اختصارًا باسم ROACO، أنّه يأمل في زيارة العراق عام 2020.

وأوضح الكاردينال ساكو بأن المسيحيين والمسلمين "يتوقعون هذه الزيارة"، والتي ستكون كمثل زيارة البابا للإمارات العربية المتحدة في شباط الماضي "حدثًا استثنائيًا". وقال إنه خلال تلك الزيارة، شاهد ملايين المسلمين قداس البابا، "وللمرة الأولى، شاهدوا ليتورجية مسيحية مع الرجال والنساء والشباب وكبار السن يصلون في تناغم". وأضاف: "استقبلت التراتيل والمزامير والأناشيد والقراءات وعظة البابا بشكل إيجابيّ للغاية. أعتقد أن هذا الحدث سيكون لدينا".

وخلال زيارته الراعوية إلى شمال العراق لتشجيع الرعايا الكلدانية الكاثوليكية، أخبر البطريرك ساكو خدمة الأنباء الكاثوليكية إن الصراعات المضطربة في العراق قد تسببت في كسر الفسيفساء الديني والعرقي المتنوّع. وقال: إن جميع المجتمعات المتنوعة "مقسمّة الآن. هذه ظاهرة لم تكن موجودة من قبل".

وأضاف: "شيئًا فشيئًا سيغادر المسيحيون. فلا يمكنهم العيش مع آخرين يعتقدون أنهم مرتدون أو كفار". لكن، أردف قائلاً، "نحن (ككنيسة) نحاول، مع الحكومة وغيرها، إقناعهم بالبقاء. فالعراق هو تاريخهم وهويتهم، وحتى عليهم الحفاظ على تقاليدهم وإيمانهم".

ولم يخجل البطريرك من التحديات التي تواجه مجتمعه. وقال: "لدينا مشاكل. نحن نعاني. لكن لدينا هنا رسالة ودعوة". وأضاف: "ليس من قبيل الصدفة أننا خلقنا هنا. فعلينا أن نشهد لإخواننا وأخواتنا المسلمين حول سلوكنا وإيماننا وأخلاقنا. أعتقد أن ذلك مهم جدًا. الناس مرتبطون جدًا بكنائسهم".

التحدي الأخير كان في شكل ميليشيات شيعية مرتبطة بإيران، والتي ساعدت في تحرير المناطق المسيحية والإيزيدية التي كانت يومًا خاضعة لتنظيم داعش. فنفوذ الميليشيات الشيعية ووجودها يثيران القلق في البلدات التي كانت مسيحية في الغالب، إن لم يكن بالكامل، قبل سيطرة تنظيم الدولة عام 2014.

وفي هذا السياق، قال البطريرك ساكو: "هناك استراتيجية لتغيير التركيبة السكانية في سهل نينوى. تتطلع الآن الميليشيات إلى أن يكون لها مقر في بلدة برطلة، والتي كانت مسيحية بشكل كامل. كما أن هذه الميليشيات في بلدة سنجار الإيزيدية، بالقرب من الحدود مع سوريا".

وأوضح بأن العديد من المسيحيين والإيزيديين أجبروا على مغادرة منازلهم، وهم اليوم يعيشون في أوروبا وسوريا ولبنان والأردن وتركيا. إنهم بحاجة إلى المال للبقاء على قيد الحياة، لذا فهم يبيعون منازلهم"، مشيرًا إلى أنه "للميليشيات أموال، لأنها مدعومة من قبل أحزابها، وبعض البلدان، لذلك تقوم بشراء العقارات".

ومع ذلك، وفي حالات أخرى، فإن الميليشيات الشيعية تطالب وتحتلّ المباني والأراضي، على حد قول مراقبين.

وقال البطريرك ساكو إن بعض العائلات المسيحية قد عادت إلى بلداتها، "لكن العديد من المنازل قد أحرقت، ودمرّت بالكامل. وبالتالي، فإننا بحاجة إلى المال لإعادة بنائها، كما والكنائس. ككلدان، لدينا أكثر من 15 كنيسة مدمرة في الموصل بشكل كامل. فمن سيعيد بنائها؟ على الرغم من المساعدات المقدّمة من قبل الكنيسة، والعديد من مؤسسات الإغاثة، والولايات المتحدة والمجر، فلا تزال معظم البنية التحتية لهذه البلدات بحاجة إلى إعادة إعمار".

وأشار البطريرك الكلداني إلى المشروع القائم من قبل العراق لإعادة مسجد النوري الكبير في الموصل، الذي فجره تنظيم داعش. وقال إن معلمًا مهمًا آخر على الجانب الآخر من المسجد، وهو كنيسة سيدة الساعات التي بناها الآباء الدومينيكان في عام 1866. وعلى الرغم من وعود عملية إعادة البناء، إلا أنه لم يحدث شيء كثير.

وخلص الكاردينال لويس روفائيل ساكو حديثه لخدمة الأنباء الكاثوليكية، بالقول: "هذا نوع من التمييز. لا أحد يفكر في المسيحيين لأنهم أقلية عددية. يجب أن يكون هناك معاملة بالمثل".