موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الجمعة، ٢٢ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٧
القدس من خديعة إلى وعد... ثم وديعة!

سدني - انطون سابيلا :

كنت في مهمة عمل لدى هيئة اعلامية حكومية استرالية قبل يوم واحد من وعد ترامب بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس التي اعترف بها عاصمة لأسرائيل.

وفي سياق الحديث مع بعض الاعلاميين الاستراليين قالت لي اعلامية إن الامريكيين وبعد أن انتصروا على داعش سوف يجدون حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية وان السلام قادم لا محالة.

أردت أن اصدق هذا الكلام لكن جوابي كان صادماً لها: الامريكيون لم ينتصروا على داعش لأنهم هم الذين اوجدوها....والامريكيون يدمرون كل دول العالم من اجل مصلحتهم! واضفت: وعود امريكا مجرد حبر على ورق ولا تنجح في الامتحان.

ومع ذلك صدّق قادة فلسطين وعود اميركا واسرائيل ثم صُدموا بعد ان وعد ترامب حول القدس لإسرائيل. وهذا يذكرنا بما قاله الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر بعد هزيمة حرب 67: انتظرناهم من الشرق فجاوءنا من الغرب."

لكن الحرب خدعة، وكان لزاماً على القيادة الفلسطينية ان تتوقع كل الاحتمالات وأن لا تتوهم أنها في مرحلة سلام مع عدوها، لأنه قبل توقيع اتفاقية سلام شاملة فإن النزاع ما يزال قائماً!

كانت خديعة قاسية ومؤلمة لكن ردة الفعل الشعبية الفلسطينية والعربية والدولية جاءت مفاجئة للجميع ولم تصدق مندوبة اميركا في الامم المتحدة ولا ترامب ولا نتانياهو ان العالم لم ينسى القدس رغم مرور اكثر من 50 عاما على احتلالها.

الخديعة الاميريكة كان ينقصها تحليل استخباراتي عميق وتقصي للحقائق من الجانب الأمريكي. ولكن منذ عدة سنوات تخلت مجتمعات الاستخبارات الامريكية والاسترالية والبريطانية عن المحللين العرب الحياديين والعارفين بالامور حق المعرفة واستبدلتهم بماسحي وملمعي الأحذية والمطبلين والمزمرين لها.

ولكن نحن لسنا بساذجين لنعتقد ان استخدام ماسحي الأحذية هو "غلطة غير مقصودة"، لأن لا شيىء في السياسة غير مقصود. الهدف ببساطة هو استخدام المعلومات الخاطئة لتبرير الوجود الاستعماري ونهب ثروات المنطقة العربية.

ومع ذلك يجب القول أليس عيباً ان لا تعرف المخابرات الامريكية أن اغلبية دول الامم المتحدة سوف تصوت ضد الولايات المتحدة حول القدس؟ أليس هذا عار على شرف امريكا السياسي؟ أليس شرشحة امريكا في الامم المتحدة خطأ استراتيجي تتحمل تبعاته نيك هيلي وفريقها " المراهق"؟ ثم أليس تدمير فرص السلام في الشرق الاوسط عاراً على امريكا؟!

بدون شك أن امريكا خدعت الفلسطينيين والاردن وفي نفس الوقت خدعت نفسها! وكان وعدا ترامبياً مبكياً ومضحكاً في الوقت ذاته. مبكياً، لانه خيانة تاريخية ضد القانون ودعما للإحتلال، ومضحكاً، لان ترامب ونتانياهو ظهروا امام المجتمع الدولي وكأنهم مهرجين متطفلين على السياسة الدولية.

وبالتحليل النهائي نعتقد أن القرار الذي أعطته 126 دولة في الامم المتحدة إلى الفلسطينيين هو وديعة ثمينة...ونرى أن على قادة فلسطين والعرب ألا يخسروا هذه الوديعة وأن يعملوا بمقتضاها لأن المعركة السياسية القادمة سوف تكون شاقة ومريرة وشرسة. عليهم كسب الاصدقاء الجدد والحفاظ على الاصدقاء القدامى. وفي هذه الأثناء يبدو واضحاً أن عهد الهيمنة الامريكية على أمور الشرق الاوسط قد انتهى أو شارف على الانتهاء وأن روسيا والصين قيد الإنتظار لسد الفراغ!