موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢٣ يونيو / حزيران ٢٠١٤
الفارابي - أول من قام بتبويب وتصنيف العلوم في التاريخ

د. عميش يوسف عميش :

أبا نصر الفارابي (228هـ -339هـ/870م -950م) - كان اول من قام بتصنيف العلوم في تاريخ البشرية. جاء بعد الفيلسوف أبا يوسف ابن اسحق الكندي (185هـ -260 هـ/801م - 873م) الذي كان مهتما بما يسمى المعلمة او الموسوعة، وكان مهتماً بالفلسفة والجغرافيا والحساب وكان لأعماله تأثير على كتابات الفارابي. لقد كان والد الفارابي جنرالاً وساعده في تلقي علومه فاختار له المدرسين وتعلم الدين واللغات حيث اتقن (العربية والفارسية والتركية). بعد ذلك اهتم بالفلسفة والعلوم - واستقر في بغداد وتعلم على يد العلامة أبا بشر بن يونس ثم بدأ يعلم الفلسفة لطلابه خاصة المسيحين منهم وبعد عشرين عاماً من عمله في بغداد عين في بلاط (سيف الدولة) في حلب حيث عاش وتوفي هناك. كان الفارابي اول عالم في التاريخ - قام بتصنيف وتبويب العلوم. وكان يصف بدقة الحدود لكل علم، ويرسخ ويثبت بحزم الاساس لكل فروع العلوم. لذلك اطلق عليه اسم (المعلم الثاني) على اساس ان المعلم الاول هو « الفيلسوف اليوناني ارسطو ARISTOTLE» الذي قام بعمل مماثل لكن بدرجة اقل قبل الفارابي بألف عام. كان الفارابي من الناقدين لفلسفة ارسطو. وكان صوفياً وتعلم الموسيقى الصوفية التي ظلت لوقتنا الحالي سائدة في الاناضول.

كما ذكرنا فان الكندي قام بمحاولات لتصنيف العلوم متبعاً الاسلوب الثلاثي لأرسطو: (1) النظرية (2) العملية (3) الانتاجية. بعد ذلك اضاف اليها القواعد الاسلامية والدينية والمتميزة الخصبة وذلك بالصورة الغيبية الخارقة او الفوق طبيعية. يعتبر المؤرخون ان التبويب الذي وصفه الفارابي هو الاول والاقدم والاكثر تأثيراً في تاريخ البشرية وقد وضع محتواه في كتابه (احصاء العلوم) (Enumeration of the sciences) (Ihsa al ulum) وقد عرف في الغرب باللغة اللاتينية (De Scientitis) وثم ترجم للعبرية. المهم ان معظم العلماء الذي اتوا بعده اقتبسوا الشيء الكثير مما كتب الفارابي مثل ابن سينا والغزالي وابن رشد.

ورغم ان الفارابي كتب مواضيع الكيمياء او تفسير الاحلام وامور تعتبر من (المخفيات) ولكنه لم يضمها في تبويب وتصنيف العلوم. كما ان الشيء الملاحظ ان الفارابي لم يتطرق في تصنيفه الى موضوع الطب مطلقاً اما ملخص تبويب الفارابي للعلوم فكان: (1) علم اللغات: ويشمل (أ) الاعراب (ب) علم النحو والصرف (ج) التهجئة والتكلم (د) الشعر. (2) المنطق: ويشمل (أ) القياس المنطقي (ب) الجدل او الحوار (ج) اختبار الاخطاء بطريقة الدليل والبرهان (د) فن الخطابة (هـ) دراسة الشعر.(3) العلوم التمهيدية والمعارف الاولية وتشمل: (أ) علم الحساب (ب) علم الهندسة (ج) علم العدسات (د) التنجيم (هـ) الموسيقى (و) علم الاوزان (ز) علم الادوات. (4) الفيزياء (أ) اسس معرفة الاجسام (ب) معرفة طبيعة المواد وتكوينها (ج) علم النسل والذرية والتوليد وفساد وتعفن الاجساد (د) علم تفاعل المواد وتحولها الى مركبات (هـ) علم المعارف (و) علم النبات (ز) علم الحيوانات. (5) علوم ما وراء الطبيعة (أ) معرفة جوهر وروح البقاء (ب) معرفة قواعد علوم المشاهدة (ج) معرفة الوجود الغير الجسدي: صفاته، واتجاهه في المسيرة لمعرفة الحقيقة والصدق او الوجود، الخالق (الله). (6) علوم المجتمع (أ) القانون (ب) علم البلاغة والبيان وفن الخطابة.

لقد قصدت من كتابه هذا المقال ان اشير الى المستوى العالي للتفكير والفلسفة والمعرفة التي كان علماءنا الاجلاء يتحلون بها اثناء فترة الحضارة العربية والاسلامية. وهذا الموضوع الذي اخترته كتب منذ اكثر من الف عام. ترى هل هذا يحفزنا لقراءة تاريخنا المجيد من جديد واعادة كتابته والاستفادة من الكنوز التي يحتويه لفائدتنا وللأجيال القادمة من امتنا العربية.