موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٤ يوليو / تموز ٢٠١٦
العنف المجتمعي.. جذوره وأسبابه

رجا طلب :

يوما بعد يوم تصدمنا صورتنا الحقيقية التي تهزمها صورتنا النمطية ، ، ومن أكثر الزوايا المفصلية والمهمة التي تساهم في وضعنا أمام مرآة الحقيقة هو سلوكنا الاجتماعي والأخلاقي في علاقاتنا اليومية مع بعضنا البعض ، والتي بات تقييمها متدنيا لدرجة لافتة تتناقض مع ما نتغنى به من وحدة وطنية وتماسك اجتماعي وذلك بعد أن بات العنف بكل أشكاله هو الغالب عليها ابتداء من العنف اللفظي وصولا للعنف الجرمي المتمثل بالاعتداء الجسدي وارتكاب جرائم غير مألوفة ، والمشكلة الأكبر أن مثل هذه الجرائم باتت تُرتكب لأتفه الأسباب ابتداء من أولوية المرور إلى أولوية الطابور أو حتى النظرة العابرة التي يتبعها سؤال غريب ومستهجن « لماذا تنظر الي؟

الأرقام التي كشفت عنها إدارة البحث الجنائي مؤخرا استحضرت لنا شخصيتنا المجتمعية الحقيقية وليست « المُتجملة « او النمطية ، فالأرقام تشكل صدمة لمجتمع صغير كمجتمعنا قياسا بمجتمعات شقيقة أخرى مثل مصر اوالجزائراوالعراق ، فالأرقام تقول أن جريمة تقع كل 21 دقيقة و41 ثانية ومن مختلف الجرائم وترتكب في كل ساعة و8 دقائق و47 ثانية جريمة جنائية ، في حين تقع «جريمة « جنحة « كل 31 دقيقة و 40 ثانية ، وهي أرقام مرعبة قياسا بعدد السكان وقياسا بمدى « التدين» الذي يبدو عليه المجتمع الأردني بصورة عامة وقياسا بمستوى تقدم التعليم وهما عاملان لم ينعكسا ايجابيا على سلوك المجتمع ودفعه باتجاه التحضر والتقدم وهذه ظاهرة خطيرة أخرى.

والسؤال المهم في هذا المجال من أين جاء هذا الكم من العنف المجتمعي وما هي جذوره وما هي أسبابه ؟

في الغالب ننظر إلى مجتمعنا على انه متسامح ينبذ العنف ، وهو شعور كما قلت في مقال سابق لي هو شعور زائف نصنعه بحكم أننا نرفض الصورة السلبية لسلوكنا وبعض قيمنا المتوارثة والمتناقضة مع قيم الحاضر و التي نواجهها « بالنكران « حيث نعمل وبدون إدراك على دفن الشخصية السلبية الموجودة في داخلنا، والإنكار حالة نفسية وصفها فرويد بأنها ( آلية دفاع عن النفس لتجنب الألم الذي يحدثه قبول الحقيقة، فيكون نكران تلك الحقيقة بمثابة المنجاة من الشعور بالألم).

إن الشخصية العربية ومنها الشخصية الأردنية هي ضحية الانتقال السريع وغير « السلمي « وغير « الصحي « من قيم البداوة المتجذرة فيها إلى « قيم المدينة « التي لم تُهضم بعد.

فالشخصية البدوية التي تشكلت قيمها عبر آلاف السنين في الصحراء هي شخصية « خاصة « بطبيعتها فرضت عليها قسوة الصحراء مجموعة من القيم كانت ضرورية من اجل استمرار الحياة.

فمن لا يغزو لا يستطيع العيش ومن لا يتعلم الغزو والانتصار سيعيش فقيرا وذليلا ومن هنا خرجت قيم « الرجولة والفروسية « ومن لا يأخذ ثأره بيده سيفقد حقه وسيفقد احترام الناس له ومن هذه العادات خرجت القيمة الأساسية للرجولة والفروسية إنها قيمة القوة ، فالضعيف في البيئة البدوية لا يُحترم والقانون هو قانون القوة والسيف وحتى عندما يتسامح البدوي فانه يسامح عندما يكون في كامل قوته ومن هنا جاءت مقولة « العفو عند المقدرة «.

ومن هذه الخلفية فقد طغت مجموعة مسلكيات في مجتمعنا مستمدة من قيم الصحراء ، من أبرزها ما يلي:

أولا: تمجيد العشائرية والحمولة والعائلة باعتبار كل مكون من تلك المكونات هو عامل القوة الرئيسية للفرد وليست الدولة التي تعتبر في الأغلب غريما.

ثانيا: بحكم ميراث وقيم الصحراء فينا مازال الثار أو اخذ الحق باليد هو السلوك الغالب في المنازعات والخلافات بين أبناء المجتمع ، وبالمقابل ينظر لمن يلجأ للقانون على انه ضعيف أو عاجز ويجرى احتقاره.

إن معالجة هذا الواقع يتطلب بالدرجة الأساس زرع قيم حضارية وأخلاقية تستحضر قيم الماضي بروح وأخلاق الحاضر وهو أمر عانت منه مجتمعات كثيرة في العالم ومن ابرز تلك المجتمعات المجتمع الياباني الذي نجح في المحافظة على قيم البوذية والكونفوشية بمزجها مع قيم وأخلاق الحاضر ومن أهمها « تقديس الحريات العامة وروح المسؤولية والعدالة الاجتماعية والإبداع « وتمكنت دولة منهارة عام 1945 من أن تنافس في مطلع السبعينيات من القرن الماضي الدول التي هزمتها وتتفوق عليها ليس اقتصاديا فحسب بل قيميا وهذا الأهم.

(نقلاً عن جريدة الرأي الأردنية)