موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ١٣ سبتمبر / أيلول ٢٠١٤
العلاقات الاسلامية المسيحية: طروحات ورؤية مستقبلية

انطون سابيلا - استراليا :

هناك الآن في العالم ثلاثة طروحات حول مستقبل العلاقة الاسلامية المسيحية، نوردها كالآتي:

يرى الطرح الأول أن العالم العربي يشهد مخاضاً سوف يؤدي بنهاية المطاف إلى استقرار طويل الأمد على غرار ما حدث لأوروبا بعد عصر النهضة والتحول إلى العلمانية، ويؤكد اصحاب هذا الطرح أن الحركات الاسلامية سوف تخضع في نهاية الأمر للتطويع من قوى عربية داخلية وخارجية وسوف تتحول إلى احزاب خاضعة للدولة العلمانية لأن العولمة لا تتحمل احزاب دينية من كافة الأديان. وهذا بنظر اصحاب هذا الطرح سيؤشر لعلاقة مستقبلية جيدة بين الاسلام من جهة، والمسيحية والدول العلمانية، من جهة اخرى.

بالمقابل، يرى الطرح الثاني أن الاسلام بطبيعته هو دين وسياسة ولذلك فإن من الضروري العمل على تفهم هذه الطبيعة بشكل أعمق ومحاولة الوصول إلى تفاهم بين الاسلام والمسيحية على اساس هذه الطبيعة. ويدعو اصحاب هذا الطرح المسلمين أن يفهموا هم ايضا طبيعة المسيحية، على الاقل ليس من ناحية العقيدة، ولكن من ناحية الممارسات اليومية للمسيحيين، وهي الممارسات التي تتعرض بشكل واضح للمضايقات والضغوط المستمرة من جانب الانظمة والحركات الاسلامية في العديد من الدول الاسلامية.

والطرح الثالث يرى أن الاسلام مظلوم من قبل الغرب الذي يرفض مسامحته على غزو اسبانيا ومحاولة السيطرة على اوروبا وامتداده الى بلاد الشام التي هي المهد الطبيعي للمسيحية. ويرى مؤيدو هذا الطرح ان ليس صحيحا أن حروب الفرنجة "الصليبية" لم تكن لتحدث لولا ان انظمة وحركات اسلامية متشددة لم تضايق المسيحيين والحجاج الاوروبيين الوافدين الى الاراضي المقدسة لمدة مائة عام على الاقل قبل الحملات الصليبية وأن هذه الحروب كانت لاسباب سياسية ومجتمعية وتجاري اوروبية بحتة، ولذلك لا داعي للحديث عن عداء تاريخي بين المسيحية والاسلام، بل يجب التحدث عن عداء تاريخي بين الاستعمار والشعوب المُستعمَرة.

واللافت في هذه الطروحات الثلاث أن ليس بينها واحد يتوقع حدوث " صدام الحضارات" وذلك ببساطة لأن في الغرب هناك الآن حضارة علمانية لا يضيرها أن تكون هناك حضارات دينية في العالم شريطة أن لا تتدخل مثل هذه الحضارات في نظامها ومحاولة التأثير على قيمها.

وحيث أن الحديث هو عن القيم لا بد من القول أن اغلبية المسيحيين في العالم لا يعرفون عن دينهم سوى الخطوط العريضة، والأمر ذاته ينسحب على اغلبية المسلمين، أي لا يمكن وضع اللوم على كل مسيحي ومسلم في هذا العالم بسبب تصرفات تقوم بها حركات او اشخاص تدعي أنها تمثل كل المسيحيين او المسلمين.

ومع ذلك، لا يمكننا أن نتجاهل ان هناك افكار مغلوطة عن المسيحية والاسلام في الشارعين المسيحي والاسلامي. حضرت مؤخرا مناسبة دينية بدعوة من بعض اصدقائي المسلمين، واراد الشيخ الجليل ان يتحدث عن حسن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فروى أشياء جميلة جدا ورائعة عن السيد المسيح لكنها بالحقيقة هي من نسج الخيال ولم اسمعها في حياتي، ولكنه رواها وكأنها حقيقة واقعة. لم أشاء ان افسد عليه حسن نواياه لكن ابلغت اصدقائي ان ما قاله هو مجرد فولكلور شعبي جميل! غير أنه ماذا لو كان هذا الشيخ يتحدث سلباً وكم سيكون الضرر كبيراً.

وبالمثل، فإن اغلبية الاكليروس المسيحي ليس لديهم اطلاع عميق عن الاسلام، بإستثناء اولئك الذين يتخصصون في الدراسات الاسلامية، وهؤلاء بإعتقادي قلائل. ولا يخالجني شك أن النوايا طيبة من المشايخ والاكليروس ولكن قلة المعلومات مدعاة للقلق في اي موضوع كان . وتأسيساً على ذلك فمن الضروري أن يكون لرجال الدين المسلمين والمسيحيين اطلاع وثيق على الاديان المختلفة، وليس فقط الديانتين الاسلامية والمسيحية، بحث لا تنشأ افكار مغلوطة عن الديانتين.

وبعيدا عن الطروحات العامة يرى بعض الغربيون (من مسيحيين وعلمانيين) أنه بما أنهم يعطون المسلمين واصحاب الديانات الاخرى مطلق الحرية لممارسة شعائرهم وتقاليدهم الدينية فمن الضروري أن يحترم الآخرون القيم الغربية وأن يعملوا على وقف " ضغوطاتهم المستمرة" لتطويع المجتمع الغربي بحيث يحاكي المجتمعات الاسلامية لأن النتيجة النهائية هي اغلاق هذه المجتمعات امام الوافدين الجدد من الدول الاسلامية. حول هذه النقطة استطيع القول ان الذين يريدون تطويع المجتمعات الغربية او المسيحية هم قلة قليلة وأن الأغلبية الساحقة من المسلمين في الغرب هم موطنون عاديون مثل المواطنين المسيحيين يهتمون بتنشئة وتعليم اولادهم وليسوا في وارد تطويع اي انسان!

بالتحليل النهائي، فإن مستقبل العلاقات الاسلامية-المسيحية يستطيع ان يكون مستقبلاً مشرقاُ اذا اتفق الجميع على الاحترام المتبادل وقبول الآخر والتفاهم المشترك،والأهم من ذلك التخلص من شعور الخوف من معتقدات الآخر وعدم الدخول في متاهات المفاضلة بين قيم هذا وذاك الدين، لأن الأديان كلها جاءت من اجل خير كل الناس وليس لفئة دون أخرى. وهذا الكلام هو للمسيحيين والمسلمين ولليهود أيضاً!!.