موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ١٩ ابريل / نيسان ٢٠١٧
العرب المسيحيون: المواطنة المتساوية

مروان المعشر :

يجهل التكفيريون الذين فجروا الكنيستين المصريتين تاريخ المسيحية والمسيحيين في مصر والوطن العربي. فالكنيسة القبطية يعود تاريخها الى القرن الأول الميلادي، وكان أغلب المصريين يدينون بالمسيحية لدى ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي. كما أن المسيحيين متواجدون في الأردن منذ أن هاجروا من القدس بعد سقوطها تحت أيدي الرومان عام سبعين ميلادية واستوطنوا في طبقة فحل. ثم اعتنق الانباط والغساسنة في الاْردن المسيحية، حتى إن غالبية سكان المنطقة كانوا يدينون بالمسيحية لثلاثة قرون بعد مجيء الإسلام، وهو ما يثبت أن الإسلام لم يجبر أهالي المناطق التي احتلها على تغيير دينهم أو نظر اليهم نظرة فوقية. بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم ساوى المسلمين بغير المسلمين في ميثاق صحيفة المدينة من حيث الحقوق والواجبات. وكان العرب المسيحيون دوما من حيث همومهم وتطلعاتهم جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي العربي.

هذا المفهوم الراقي للإسلام، والذي نادى عمليا بالمواطنة المتساوية بين المسلمين والمسيحيين، بدأ يضعف مع مرور الزمن. فبعيدا عن العواطف، فقد شهد التاريخ العربي تمييزا ضد المسيحيين، ولم تعامل العديد من الممالك، خصوصا بعد العصر العباسي، المسيحيين نفس معاملة المسلمين، ولو ان تلك المعاملة كانت أفضل بكثير مما عاملت أوروبا المسيحية المسلمين (واليهود) بعد سقوط غرناطة العام 1492 وبداية عصر محاكم التفتيش.

وفي عهد العثمانيين، كان يسمح للمسيحيين بممارسة شعائرهم الدينية، ولكن كان عليهم ارتداء ملابس بألوان معينة لتمييزهم، وكان يمنع عليهم ركوب الخيل، حتى جاءت إصلاحات التنظيمات العثمانية في القرن التاسع عشر لتعترف اخيراً وللمرة الاولى بتساوي المواطنين امام القانون بغض النظر عن دينهم.

اما في العصر الحديث، فلا شك ان العرب المسيحيين لعبوا دورا بارزا في النهضة العربية المعاصرة في القرنين التاسع عشر والعشرين، وما تزال اسماء كبطرس البستاني وإبراهيم وناصيف اليازجي وجرجي زيدان وقسطنطين زريق وغيرهم الكثير تقف ناصعة الى جانب ساطع الحصري وطه حسين وقاسم أمين وسعد زغلول وآخرين.

دروس التاريخ مهمة، لكن ممارسات الماضي تنتمي للماضي أيضا، ننطلق منها ولا نتوقف عندها، فكما أنه مطلوب مراعاة الواقع، فإنه مطلوب ايضا تجاوزه وتطويره. من هنا، فإن أي مستقبل مشرق للعالم العربي لا بد أن يعتمد بالضرورة المواطنة المتساوية سبيلا للارتقاء بالمجتمع. هذا هو احد أعمدة الدولة المدنية الديمقراطية الرئيسية، ودون ان يدخل هذا المفهوم في صلب تشريعاتنا وأنظمتنا التعليمية كما في الممارسة على الأرض، ستبقى فئة، مهما قل عددها، تشعر انها تستطيع القيام بهذه الأعمال الهمجية.

واضافة الى مسؤولية الدولة في هذا الاتجاه، فإن مسؤولية كبيرة تقع ايضا على المواطنين؛ المسيحيين والمسلمين على حد سواء. يخطئ بعض العرب المسيحيين، خوفا من منظمات إرهابية كداعش، إنْ اعتمدوا على انظمة ديكتاتورية تعطيهم بعضا من الأمان بينما تسلب جل حقوق إخوانهم وأخواتهم من باقي المواطنين، فمن شأن ذلك إقامة شرخ بينها وبين باقي مكونات المجتمع.

ويخطئ العرب المسيحيون إنْ جعلوا قلة عددهم أو اختلاف دينهم يحكم تصرفاتهم ويجعلهم يضعون أنفسهم طواعية في خانة "الأقلية" بما قد يعنيه ذلك من انتقاص لحقهم في مواطنة كاملة. وبينما يسطر الكثير من العرب المسلمين دروسا رائعة في تعاملهم مع المسيحيين، يخطئ بعضهم ايضا إنْ شعروا أن مواطنتهم "أعلى" من مواطنة المسيحيين، ففي هذا أيضا تكريس لشرخ خطير في المجتمع.

حان الوقت في الوطن العربي للعمل الحقيقي من أجل ترسيخ مواطنة متساوية في كافة الأوجه، ليس تشريعيا فقط، وإنما ممارسة أيضا، فذلك وحده الكفيل بإقامة شرق يليق بتنوعه وغناه.

(نقلاً عن الغد الأردنية)