موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٨ مايو / أيار ٢٠١٩
الروبوت وعالم ما بعد البشري

إبراهيم غرايبة :

إلى أين ستمضي تقنية الروبوت بالأعمال والموارد والحياة والأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ تحل البرامج والتطبيقات والأجهزة الذكية محل الإنسان في معظم إن لم يكن جميع الوظائف والأعمال، ويتغير العالم (يجب أن يتغير) في كل المجالات، فالمنظومة العالمية السائدة تشكلت حول “الصناعة” وتحددت حولها الموارد والقوة كما خريطة العالم بدولها وأممها وأسواقها وحدودها وصراعاتها وتحالفاتها. هذه الحالة الاقتصادية السياسية تتعرض اليوم لمراجعة جذرية.

ليس هذا المقال تقنيا أو وصفيا، وسأتجاوز ذلك لأجل التفكير بالتداعيات السياسية والأخلاقية، والتغيرات والتوقعات الممكنة في قوة الأمم وقدراتها في التأثير والتنافس، وبرغم أن الأمم التي أنتجت الصناعة هي التي تقود عالم ما بعد الصناعة، لكن يبدو واضحا اليوم أن الصين تدخل بقوة في عالم التأثير التقني والاقتصادي ومن ثم بطبيعة الحال التأثير السياسي، فلا يمكن لتقدم اقتصادي إلا أن يتبعه تقدم سياسي، وتتقدم أيضا في هذا المجال كوريا (الجنوبية بالطبع) وتستعيد ألمانيا المبادرة، وتعود من جديد قوة تكنولوجية سياسية، والهند تبدو مرشحة للتقدم والتأثير، بل إن بعض الدراسات والتوقعات ترشحها لتكون الدولة الأولى في العالم في قوتها التكنولوجية والاقتصادية والسياسية بدءا بمنتصف القرن الحادي والعشرين.

برغم أن الحديث عن الروبوت ينصرف تلقائيا إلى الأجهزة الميكانيكية المبرمجة، أو الدمج بين البرامج الحاسوبية وبين الآلات الصناعية، لكنه في واقع الحال يمتد إلى كل التطبيقات والتقنيات القادرة على العمل الذكي بدون تدخل بشري، أو التي تغير في الطبيعة البشرية (التكنولوجيا الحيوية) أو في النباتات والحيوانات والميكروبات لتتجه بالحياة وجهة جديدة غير مألوفة بعد!

الوضع ليس مخيفا ولا مطمئنا، لكنه مزيج من الخوف والتقدم، ففي هذا التغيير في الطبيعة البشرية أو المحيط الحيوي، يمكن أن تزيد فرص العلاج من الأمراض ووفرة الغذاء والطاقة بتكلفة أقل بكثير مما هي عليه اليوم، لكنها أيضا ستعطي الأمم التي تملك هذه التقنية أن تؤثر في الأمم التي لا تملكها تأثيرا يتجاوز حرياتها وقدرتها على امتلاك وتنظيم مصائرها ومواردها، تماما كما حدث للأمم التي امتلكت تقنيات البارود والمحركات البخارية أن تحتل العالم وتهيمن على موارده، وتغير في كل اتجاهات التأثير والتركيب الاجتماعي والسياسي والثقافي للعالم، عالمنا القائم اليوم في الشرق وفي ثلاثة أرباع الكرة الأرضية لم يكن تطورا طبيعيا، لكننا دفعنا إليه بموجة احتلالية لم يكن لنا خيار فيها، وقد يبدو لنا اليوم ذلك أمرا متقبلا ومألوفا، لكن لننظر في العالم الذي كان قائما في بلادنا وغيرها قبل الاجتياح الغربي والمزود بتقنية لم نكن نملكها!

ولننظر اليوم على سبيل المثال في الجدل والتشريعات والسياسات التي نواجه بها المنتجات التكنولوجية الجديدة، مثل شبكة الإنترنت والتواصل الاجتماعي، والدرون (الطائرات المسيرة من غير طيار) والطابعات الثلاثية الأبعاد، والتدخين الإلكتروني، ويتذكر جيلي اليوم على سبيل الطرفة ما كانت تفعله السلطات لتنظيم ادارة وامتلاك تكنولوجيات سابقة، مثل المودم وأجهزة الطباعة والتصوير والاتصال وتقنيات البث الإذاعي والتلفزيوني والفاكس، وكيف بدأت تقنيات مبهرة تداعب أحلام الأفراد كما المؤسسات، ثم صار امتلاكها لا يزيد صعوبة على شراء المناديل الورقية، .. ثم اختفت وأصبحت جزءا من التاريخ، فالاستقراء التاريخي البسيط والمباشر أنه لا يمكن منع التكنولوجيا من الاستخدام والانتشار، وكل ما نفعله هو تأخيرها و أو تجييرها لصالح فئة من الاحتكاريين وغير المنتجين ولا المفيدين للاقتصاد والمجتمعات والمؤسسات.

هذه المقولة لا تعني بالطبع عدم الموافقة على التأثير العميق للتكنولوجيا الجديدة على المنظومة الاقتصادية السياسية الاجتماعية وقدرتها على التغيير الكبير والجذري في عالمنا القائم. لكن نحتاج إلى التفكر والتبصر فيما يمكن أن نفعله لنجعلها أداة تقدم ورفاه وليس سيطرة واحتكارا.

(الغد الأردنية)