موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٤ فبراير / شباط ٢٠١٧
الرهبان الفرنسيسكان بدمشق: لن نسمح بأن تدمّر سورية التعددية

حراسة الأراضي المقدسة :

"لطالما كانت سوريا كقطعة من الفسيفساء تجمع ثقافات متعدّدة، ولن نسمح للحرب بأن تدمّرها"، هذا ما يؤكّده الرهبان الفرنسيسكان التابعون لحراسة الأراضي المقدسة في دمشق، وهم يقدّمون مساعدتهم على قدر المستطاع لأشد الناس فقراً.

في الكنيسة الفرنسيسكانية الواقعة بجانب باب توما في دمشق، لا تزال تبدو على قبة الكنيسة آثار التفجيرات الأخيرة. ويمكن القول بأن الأب بهجت قره قاش، رئيس الدير، قد نجا بأعجوبة من الإنفجار الذي ألحق الضرر بالمزار. بدأنا رحلتنا إلى سوريا بوقفة لدى المركز الراعوي الذي يقيم فيه الأب بهجت برفقة راهب فرنسيسكاني آخر هو الأب أنطون لوكسا.

يمكن للزائر أن يشاهد عبر نوافذ الدير، النتائج التي خلّفتها الحرب في العاصمة السوريّة، وأن يسمع، بين الحين والآخر، وسط هدوء الليل، أصوات التفجيرات البعيدة، التي لا تسمح للمرء سوى بلحظات قصيرة من النوم العميق. لكن الأوضاع قد تحسّنت كثيراً بالمقارنة مع ما كانت عليه في الأشهر الماضية. وفي الليل، تنير الأضواء أجزاءاً كبيرة من المدينة القديمة، كما ويمكن لمن يرغب من سكان دمشق الخروج في المساء للتمشّي والإلتقاء بالأصدقاء لتناول كأس برفقتهم. وفي الشوارع القديمة لهذه المدينة التي كانت في الماضي أول عاصمة للخلافة، لا يزال بإمكان الزائر أن يشاهد أعاجيب وروائع الزمن الماضي. ومن بينها أماكن ثمينة للغاية في نظر مسيحيي العالم كلّه.

انتقلنا من هناك إلى محطّة أخرى مهمّة ضمن رحلتنا لإكتشاف النشاطات التي تقوم بها حراسة الأراضي المقدسة في سوريا، وهي مزار القديس بولس. عند الطريق الرومانية القديمة، التي عليها، وبحسب التقليد، وقع القديس بولس عن حصانه. يحرس الرهبان الفرنسيسكان أحد المكانين اللذين تملكهما الحراسة في دمشق. كان يقصد هذا المكان آلاف الحجاج الذين اعتادوا زيارة البلاد قبل اندلاع الحرب. واليوم، لا نجد أي أثر للحجاج الذين تدفّقوا إلى سوريا في الماضي، ويتراوح عددهم حول المليون. أما الرهبان الفرنسيسكان فهم مقيمون في ذلك المكان منذ قرون، باسم الكنيسة الكاثوليكية ومن أجلها، لحراسة الأماكن المقدسة في سائر أنحاء سوريا (كما هو الأمر، على سبيل المثال، في مزار بيت القديس حنانيا، الذي يبعد عن هذا المكان بضعة كيلومترات).

إلى جانب هذا النشاط، يروي الأب بهجت أن الإخوة يمضون جزءاً كبيراً من وقتهم في مساعدة من دمّرتهم الحرب. وهم يقومون بهذا العمل في دمشق بدعم من مؤسسة الأرض المقدسة، وهي المنظمة غير الربحية التابعة لحراسة الأراضي المقدسة. وأوضح الأب بهجت قائلاً: "قمنا في هذا الشتاء بتوزيع 800 كنزة على الأطفال الذين لم يكن لديهم شيء يغطّون به أجسادهم". يسود دمشق فقر كبير. ومع أن السكان قد بدأوا بالتنفس قليلاً، إلا أن كثيرين منهم لا يزالو يواجهون الصعوبات. لا يدير الرهبان الفرنسيسكان ظهرهم إلى هذا الواقع، بل على العكس من ذلك: "نحن نقدم الدعم لروضة أطفال تستقبل أبناء العائلات الفقيرة، كما وننظم بعض المشاريع التي تستهدف أولائك الذين يعانون بالذات من مشكلات نفسية".

تدير الأخت يولي روضة للأطفال بالقرب من مزار اهتداء القديس بولس، وقد تحدّثت إلينا عن مشاهد من خبرتها مع الأطفال الذين ولدوا خلال الحرب. وروت لنا قائلة: "بعضهم يطلبون حصّتين من الطعام خلال عصرونة الصباح، لكنّهم لا يأكلون شيئاً رغبة منهم في العودة بالطعام إلى البيت، وإعطائه لوالديهم اللذين ليس لهما ما يأكلانه. وتُصوّر رسوماتهم في غالب الأحيان الصواريخ والمركبات... بينما أعتقد شخصياً أنّ رسومات أطفال كهؤلاء، تتراوح اعمارهم ما بين الرابعة والخامسة، يجب أن تعبّر عن أمور أخرى، أليس كذلك؟". من يعانون كثيراً هم المسلمون. وقد تابع الأب بهجت قائلاً: "إنّهم يعيشون هنا في سوريا، في نزاع مستمرّ، ونحن لا نستطيع بعد أن نفهم ذلك. لم ننجح في تخطّي هذا الواقع، لذلك فإننا لا نجد السبيل إلى الخروج من هذا الشرّ." من ناحية أخرى، يؤكد رئيس مزار القديس بولس، الأب ريمون جرجس، أن ما من تمييز بين من يقصدون الدير لطلب المساعدة. وأوضح قائلاً: "نحن نساعد كل من يطلب ذلك. لطالما كانت سوريا كقطعة من الفسيفساء تجمع ثقافات متعدّدة، ولن نسمح للحرب بأن تدمّرها".

إن هذا النموذج الذي يقترحه الأب ريمون للتعايش، لهو الوسيلة الوحيدة للبداية الجديدة المنتظرة في هذا البلد الذي مزّقته الكراهية والعنف. وقد أكّد لنا السفير البابوي في سوريا، نيافة الكاردينال ماريو زيناري، قائلاً: "إن الإنفتاح على الآخرين هو بطاقة عملنا، وهو الوسيلة الوحيدة التي نملكها لإحداث التغيير. علينا الإستمرار في هذا الإتجاه، إنّه باب نجاتنا. نحن ملح هذا البلد".