موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢١ يونيو / حزيران ٢٠١٩
الرهبانيات الكاثوليكية بمصر وخدمة الأفارقة

ناجح سمعـان :

إذا كان الانتماء للمنطقة العربية تؤكده روابط اللغة والتاريخ المشترك في الكفاح ضد المستعمر الأجنبي، فإن الانتماء إلى القارة الإفريقية يعززه الترابط العضوي بين الشعبين المصري والسوداني، فضلاً عن شريان الحياة المتدفق عبر مياه نهر النيل الجارية على جسد القارة السمراء العفى. وما بين قراءة دروس التاريخ وتأمل حقائق الجغرافيا، يبرز دور التعليم وما اثمره من بناء جسور للتواصل بين الشعوب الافريقية. في هذا الدرب يتضح دور جماعات وهيئات وأشخاص رواد غامروا نحو غرس قيم روحية وانسانية في التربة الافريقية تجاوزت حدود اللغة واللون والنوع الاجتماعي. يأتي في مقدمة الحديث عن هؤلاء المغامرون الذين لم يرهبوا مخاطر الادغال والاساطير الافريقية، اباء الرهبانيات الكاثوليكية العاملة بمصر منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، وهم من سعوا بإيمان عميق إلى رسالة خدمة ابناء القارة وتحريرهم من الجهل والمرض والوثنية.

أود في هذه المسطح الضيق من الكتابة أن القى ضوءًا خافتًا على رؤية وروحانية عدد من الرهبانيات الكاثوليكية العاملة بمصر والتي قامت بهذا الدور التنويري في خدمة الافارقة، للاقرار برسالتهم الجليلة ومن ثم الاستلهام من هذه الخبرة الثرية ما يقود إلى البحث عن سبل للتقارب وتقوية الانتماء بين الشعوب الافريقية، لاسيما وامام مصرنا العظيمة فرصة طيبة في قيادة العمل الافريقي من خلال رئاسة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي للاتحاد الافريقي، فضلاً عن تنامي الرغبة لدى المؤسسات الدينية والمجتمع الاهلي المصري في النهوض بالقارة السمراء.

الآباء الكومبونيان

كانت رهبانية الاباء الكومبونيان من اوائل الجمعيات الرهبانية الكاثوليكية التي سعت إلى خدمة الكرازة في افريقيا، ورهبانية الاباء الكومبونيان هي جماعة رهبانية اسسها المطران دانيال كومبوني عام 1867 للخدمة في السودان والبلاد الافريقية. وقد افتتح كومبوني أول دير بمصر القديمة ثم شيد كنيسة "القلب المقدس" بالقاهرة عام 1874، والحق بها مدارس للقادمين من السودان. كنيسة قلب يسوع الاقدس للآباء الكومبونيان بشارع رمسيس والشهيرة باسم كنيسة الكوردي ييزو هي أول كنيسة في قارة افريقيا تحمل لقب "قلب يسوع الاقدس" وذلك لما لعبادة قلب يسوع من موقع خاص في حياة ورسالة القديس دانيال كومبوني مؤسس الرهبنة الكومبونية التي تعتبر الكنيسة بمثابة المركز الرئيسي لها في مصر. وقد احتضنت كنيسة القلب الأقدس برمسيس منذ نشأتها وعلى مدى تاريخها رسالة رعاية ابناء افريقيا لا سيما السودانيين وذلك من خلال تقديمها للانشطة الروحية والتعليمية إلى جانب الاهتمام بالنشاط الاعلامي والاجتماعي لأبناء القارة السمراء. وبعد وفاة المطران كومبوني عام 1881 شيدت الرهبنة عام 1887 كنيسة ومدرسة العائلة المقدسة بحلوان ثم كنيسة القديس يوسف بحي الزمالك عام 1888 حيث اصبحت خورنة لاتينية عام 1952 والحق بها معهد للدراسات العربية والاسلامية. وفي عام 1983 كلف مطران اللاتين الاباء الكومبونيان برعاية كنيسة القلب الاقدس بالسكاكيني فجعلوا منها مركزًا لتجميع السودانيين ولتدريس اللغة العربية. كذلك شيد المطران انطونيو روفيجو كنيسة باسوان عام 1896 حيث كان المرسلون يترددون بين السودان واسوان. وفي جانب الرعاية الصحية وصلن إلى مصر عام 1877 راهبات كومبوني المرسلات واول عمل قمن به هو الانشطة الراعوية للافارقة بكنيسة القلب الاقدس. وفي عام 1947 استعانت بهن الحكومة المصرية في مستشفيات المبرة وادوفو والمستشفى القبطي بالاسكندرية ودار الشفاء والايطالي بالقاهرة والعجوزة العام باسوان. ومع تطور التعليم ووجود اطباء وممرضات مصريين قادرين على قيادة المستشفيات اتجهت الراهبات الكومبونيات إلى الخدمة بالصعيد في المستشفيات لاسيما رعاية مرضى الجزام بأبي زعبل.

جمعية المرسلين الأفريكان

جمعية المرسلين الافريكان، هي أيضًا جمعية رهبانية عملت على خدمة الافارقة في مصر. وقد وصل الاباء الافريكان إلى مصر عام 1877 وشرعوا بكل غيرة ونشاط في تشييد الكنائس وتأسيس المدارس في القاهرة والدلتا حيث عمل آباء الارسالية الافريقية في هذه الكنائس والمدارس على خدمة الافارقة حيثما وجدوا وبالاخص في افريقيا ويخدمون حاليًا في 16 دولة بالقارة السمراء في مجالات الحياة الروحية، التنمية، التربية والتعيلم، الزراعة والصحة.

كانت هذه عينة قليلة لفئة من البشر ذوي رسالة خاصة يعيش بعضهم على أرض مصر الخصبة، وقد رأت في خدمة ابناء القارة الافريقية غايتها ورسالتها لا لشيء سوى لتمجيد اسم الله وسعادة البشر. يقول المطران ماريون دى بريزلاك مؤسس جمعية الارساليات الافريقية لتلاميذه الرهبان "السعادة التي اتمناها لكم هي التي يجب ان تكون الرفيق الامين في خدمتنا، سعادة القلب، سعادة الضمير الطاهر، سعادة الخادم الذي يفرح في خدمة سيده، سعادة الدعوة الحقيقية التي تتقبل خدمة الرب في أي مكان".