موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٢ سبتمبر / أيلول ٢٠١٤
الرعية اللاتينية في باب توما بدمشق تقيم صلاة من أجل السلام
دمشق - أبونا :

أقام الأب سيمون حرّو، الرئيس الأقليمي للرهبان الفرنسيسكان في سوريا، لبنان والأردن، ساعة سجود من أجل السلام في بلدان الشرق الأوسط، وذلك في كنيسة اللاتين في حيّ باب توما، بالعاصمة السورية دمشق، في 11 أيلول الحالي.

وشارك في الصلاة الأب ريمون جرجس، كاهن الرعية، بحضور حشد من أبناء الرعية؛ من أبناء المركز التعليم المسيحي، والكشاف القديس فرنسيس الأسيزي، وشبيبة وزهيرات القديس فرنسيس الاسيزي، وأيضاً الراهبات والشعب المؤمن.

وفيما يلي الكلمة التي ألقاها الأب حروّ خلال الصلاة:

أحبائي في الرَّب يسوع، يا أبناء سوريا الأبية، يا أبناء مدينة دمشق، مدينة الشهداء.. اجتمعنا في هذا المساء المبارك لكي نرفع الصلاة معاً طالبين من الرَّب أن ينظر بعين الرأفة والحنو إلى حالنا وإلى حال بلادنا العربية المقدّسة وإلى أين وصلت!!!

نرفع صلاتنا وادعيتنا إلى الله ونحن كلنا ثقة بأنه معنا على الدوام وهو القائل: "ها أنا معكم طوال الأيام إلى انقضاء الدهر".

أحبائي: "لا تضطرب قلوبكم. بأنكم تؤمنون بالله فآمنوا بي أيضاً" (يو 14: 1). مهما تَعالت أصوات الظلم والقذائف والصواريخ والقتل والدمار ونظرنا للذي يحدث في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان والاردن للعديد من الدول حولنا. وما يرافقه من صمت دولي قاتل أكثر بكثير من آلة الفتك والدمار والقتل، نصطدم بحقيقة واحدة وهي انهيار القيم الأخلاقية والإنسانية والروحية في عالمنا، وهذه هي الكارثة الكبرى. تماماً كما فعل بيلاطس البنطي عندما غسل يديه من دم المسيح وأسلمه لليهود لكي يقتل، واليوم هذا الفكر والتصرّف البيلاطسي انتشر واصبح نهجاً وموقفاً، وكأن قوة شيطانية تريد ان تستبدل النور بالظلام، والحق بالباطل، والدين الحق بالجهل المستميت، والإنساني بالوحشي، والإلهي بالشيطاني.

ولكن أيُّها الأحباء مهما ساد الظلام وانتشر الباطل والظلم وعمَّ الجهل وازدادت وحشية القتل والدمار وساس الشيطان العالم من خلال أناس أظلمت ضمائرهم وملاء الحقد قلوبهم، ومهما سيطر الشر فلكل هذا نهاية، وطالما توجد قلوب تؤمن بالله، وتعرف الحقّ وتحيا المحبة، فالقيامة آتية لا محالة.

أخوتي الأحباء: إنَّ هذا هو أساس إيماننا المسيحي، نحن أبناء حقّ وحياة ونور وقيامة. فعندما الجهال أدخلوا المسيح القبر، ظنت كل قوى الشر والظلام والفساد التي تآمرت على صلبه وموته ودفنه، بأن صوت الحق قد إختفى من العالم، ليسوسوا هم العالم، ولكن المسيح قام من بين الأموات وأبطل كل مخططاتهم الجهنمية. لذلك نحن أبناء رجاء، نرجو ونصبر والذي يصبر إلى المنتهى فذاك الذي يخلص.

لقد أعلمنا ربَّنا يسوع المسيح، له المجد والسجود، بكل ما سيحدث، فقال: " إذا أبغضكم العالم، فأعلموا أنَّه أبغضني قبل أن يبغضكم. لو كنتم من العالم، لأحب العالم وما كان له، ولكن، لأنكم لستم من العالم، إذ إني اخترتكم من العالم، فلذلك يبغضكم العالم (يو 15: 18-19). ومن هنا يعي المسيحي بأنَّه سيضطهد في هذا العالم، وسبب اضطهاده عدم الرضوخ لروح وفكر هذا العالم (أي عالم الشر والفساد والخطيئة)، وهنا يكمن جهاد المسيحي الروحي، أن لا يصبح من خاصة هذا العالم، لأنه كما قال لنا معلمنا الإلهي: لا تستطيعوا أن تعبدوا ربين: الله والمال، فإمّا أن يحب الواحد ويبغض الآخر (متى 6: 24)، ولهذا يشدد القول: "لهذا أتيت إلى العالم لأشهد للحق، وكل من كان من الحق، يصغي إلى صوتي، يؤمن بالحق والحق يبرره" (يو 18: 37).

إنَّ قوى الشر في عالمنا والمصالح الدولية المنظورة وغير المنظورة تريد إفراغ بلاد الشام من المسيحيين، وهذا خطير جداً، ليس فقط لأن هذه البلاد هي بلادنا والأرض أرضنا والأماكن المقدّسة أماكننا ونحن جزء ومكوّن أساسي في حضارتها، بل لأنهم يريدون أن تفقد بلادنا وإنساننا هويتهم الحضارية والدينية الروحية والثقافية.

"قلت لكم هذه الأشياء، يقول لنا السيد المسيح، لئلا تعثروا، سيخرجونكم من المجامع، بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يؤدي خدمة لله عبادة..، قد كلمتكم بها حتى إذا جاءت الساعة تذكرون أني قلتها لكم" (يو 16: 1-4).

بالفعل أيُّها الأحباء، أليس هذا ما يحدث؟ يُقتل المسيحي ويُضطهد باسم الله ويُشرّد من العراق، تنتهك كرامة وسيادة سوريا بكل بشاعة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والربيع العربي تقصف غزة ويقتل أطفالها ونساؤها وشيوخها وتدّمر باسم القضاء على الارهاب والتطرّف،... والحقيقة المرّة هي أن الذين يقتلون كل من المسيحيين وأطفال غزة ويشردون الشعوب في دول الجوار هم واحد ومصالحهم واحدة وأهدافهم واحدة، ولكن "لا تضطرب قلوبكم ولا تخافوا، آمنوا بالله وبي أيضاً"، تشجعوا. ثقوا فأنا قد غلبت العالم، أنا القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد. أتؤمنون بهذا؟ (يو 11: 25-27).

نعم يا رب، إننا نؤمن بهذا، فهب لنا من لدنك إيماناً راسخاً ورجاءً وطيداً ومحبة كاملة، وأعطنا توبة حقيقية حتى نسير بحسب مشيئتك الإلهية ونطيع أوامرك ونتبع وصاياك ونحيا حياة الكنيسة فنكون شركاء في اسرارها المقدّسة حتى نتحد بك أنت الإله الحقيقي وحدك، لكي نسير في الطريق الضيق الذي يقود إليك وإلى ملكوتك، وأن لا تستهوينا طرق هذا العالم الرحبة الواسعة مهما عظُم شانها لآنها زائلة وفانية وتقود إلى الهلاك. آمين.

نعم أحبائي، رسالتنا لكم هي:

هذه هي بلادنا، هذه هي أرضنا فلنتمسك بها ولنعش فيها بكرامة وشموخ ونبقى شهود للحق في بلادنا المقدّسة التي من واجبنا البقاء فيها والدفاع عنها وعدم الرضوخ لاغراءات فرنسا أو بريطانيا أو غيرها في الهجرة. علينا أن نبقى هنا ونعيش هنا ونعمل على وحدتها وازدهارها بروح المحبة والاخاء. لان كل من يتمسك بالحق ويطالب ويعمل على تحقيقه يساهم في انتشار المحبة والعدل والسلام والحق الإلهي ضد الباطل والكراهية التي تنشرها قوى الشر في عالمنا. وهنا مسؤولية كل واحد فينا في المساهمة لانقاذ الإنسانية من الدمار والانحلال الخلقي والإنساني والروحي ولإنقاذ سوريا من براثن الشر والفساد والقوى الجهنمية الدخيلة.

لنرفع صلاتنا إلى الرب العلي القدير من أجل شهداء الإنسانية وشهداء الدين في سوريا وفلسطين والعراق ولبنان والادرن، ومن أجل شفاء الجرحى وفك أسر المخطوفين ومن أجل أن ينعم علينا الرّب نعمة الأمن والاستقرار والسلام في بلادنا أرض الشهادة والقداسة، نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله الآب وشركة الروح القدس لتكن معكم آجمعين. آمين.