موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٤ ابريل / نيسان ٢٠١٥
الذكرى الأرمنية.. وأعباء التاريخ

جيمس زغبي :

عن "الاتحاد" الإماراتية

بعد أقل من أسبوعين، تحل الذكرى المئوية لما يسمى الإبادة الجماعية للأرمن. ويعيد «يوم الذكرى الأرمنية»، الذي يوافق 24 أبريل، إلى الأذهان الأحداث المرعبة التي يقال إنها قد أسفرت عن مقتل أكثر من مليون أرمني وإجبار آخرين على الرحيل من وطن آبائهم، وممارسة تطهير عرقي بحقهم. ولذلك الحدث بصمته وآثاره في التاريخ الأرمني، وقد ترك جرحاً غائراً ولابد من الاعتراف به وعلاجه من أجل إغلاق الملف الشائك بين الشعبين.

وبالنسبة للأرمن، تقتضي بداية عملية العلاج أن يتم وصف الأحداث التي وقعت قبل 100 عام بما كانت عليه.

وقبل ستة أعوام، شعر الأميركيون الأرمن بخيبة أمل شديدة بسبب بيان «يوم الذكرى» الذي أصدره البيت الأبيض لأن الرئيس لم يصف «أحداث الرعب» التي وقعت في عام 1915 بـ«الإبادة الجماعية»، كما كانوا يريدون. وقد كانت لديهم آمال في أن الرئيس أوباما سيفعل ذلك، لأنه أثناء حملته الانتخابية الأولى عام 2008، لم يعلن بقوة أن تلك الأحداث كانت في الحقيقة «إبادة جماعية» فحسب، ولكنه انتقد بحزم جميع من لا يستخدمون هذا الوصف. وفي بيان أصدره أوباما في 19 يناير عام 2008 قال:

«بصفتي عضو مجلس الشيوخ الأميركي، أتضامن مع الجالية الأميركية الأرمنية في دعوتها للإقرار بارتكاب «إبادة جماعية» بحق الأرمن.. والإبادة الجماعية الأرمنية ليست زعماً، أو رأياً شخصياً أو وجهة نظر، وإنما كانت حقيقة موثقة على نحو واسع النطاق.. والسياسة الرسمية التي تطالب دبلوماسييها بتشويه الحقائق التاريخية هي سياسة واهية.. وكرئيس سأعترف بالإبادة الجماعية الأرمنية»!

وتشجّع الأرمنيون أيضاً في بداية أبريل عام 2009، عندما حضّ الرئيس الأتراك على التعامل مع تلك الحلقة من تاريخهم خلال خطابه أمام البرلمان التركي. ومن خلال حديثه عن درس مستفاد من التاريخ الأميركي، سعى إلى حثّ مضيفيه على التعامل مع ماضيهم بقوله:

«إن الولايات المتحدة لا تزال تعمل على علاج بعض من أشد الحقب ظلاماً في تاريخنا، ولا تزال دولتنا تناضل مع موروثات العبودية والفصل العنصري، والمعاملة الماضية للأميركيين الأصليين.. وكثيراً ما يكون التاريخ مأساوياً، ولكن إذا ظل عالقاً فإنه يمكن أن يمثل عبئاً ثقيلاً».

وأضاف: «على كل دولة أن تعمل على حل مشكلات ماضيها. ويمكن أن يساعد تصالحنا مع الماضي في تحقيقنا لمستقبل أفضل. وأدرك أن هناك وجهات نظر قوية في هذا البرلمان بشأن الأحداث المأساوية التي وقعت في عام 1915، وفي حين كان هناك قدر كبير من التعليق بشأن آرائي، إلا أن الأمر حقيقة يتعلق بشأن تعامل الشعبين الأرمني والتركي مع الماضي. والطريقة المثلى للمضي قدماً بالنسبة للأتراك والأرمن هي عملية تعالج من خلالها الآلام بطريقة أمينة ومنفتحة وبناءة».

ومن الإنصاف أن نقول إن بيان أوباما في يوم «الذكرى الأرمنية» عام 2009 كان أكثر قوة من بيانات سابقيه، وتردده في استخدام مصطلح «الإبادة الجماعية» مرده على الأرجح إلى حقيقة أنه قبل يومين فقط من ذكرى الـ24، كانت الحكومتان التركية والأرمنية اتفقتا على «خريطة طريق» من أجل تطبيع العلاقات، وخشي أوباما من أن يعطل هذه العملية بإثارة رد تركي مناوئ.

وفي نهاية المطاف، ظل الأتراك والأرمن غاضبين. فغضب الأتراك بسبب اللهجة القوية التي استخدمها الرئيس، ولم يرض الأرمن أيضاً لأنهم شعروا بأنه قد أخفق في الوفاء بوعده أي وصف أعمال الرعب التي وقعت في عام 1915 بـ«الإبادة الجماعية».

وبعد ستة أعوام أخرى، لا يزال الأرمن ينتظرون اعترافاً بمأساتهم الوطنية لكي يمكن البدء في عملية معالجتها، بينما ظلت الحكومة التركية على موقفها، والبيت الأبيض في وضع لا يُحسد عليه، فالأميركيون منخرطون في معركة ضد «داعش»، ويدفعون الأتراك دفعاً من أجل المشاركة في الائتلاف الدولي الذي يحارب ذلك التنظيم الآثم. ويجب أن أقر بأنه على رغم تفهمي لمطالب السياسة والدبلوماسية، أعي أيضاً بصورة حقيقية مطالب التاريخ.

وفي ملاحظة شخصية أخرى، شعرت بالصدمة من أنه خلال الأسبوع الماضي، مرت ذكرى «مذبحة دير ياسين» دون اهتمام. ويمثل 9 من أبريل ذكرى مذبحة وقعت في عام 1948 بحق أكثر من 200 فلسطيني في قرية دير ياسين الصغيرة. وكانت مذبحة من بين كثير من الأهوال التي صاحبت «النقب»، وهو اسم برنامج التطهير العنصري الذي خلف آلافاً من القتلى الفلسطينيين ومئات الآلاف من النازحين في المنفى.