موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٧ ابريل / نيسان ٢٠١٨
الدين والأخلاق

موفق ملكاوي :

يؤكد باحثون أن العالم الإسلامي لم يشهد من قبل انتشارا للمظاهر والرموز الدينية كما هو حاصل لدينا اليوم.

المظاهر والرموز الدينية تطالعنا في كل مكان وتعيش معنا في كل لحظة، فهي حاضرة بقوة في المدرسة، والسوق، والبيوت، وعلى العمارات الكبيرة، وفي الشارع تزاحم الإشارات المرورية، وداخل المحال التجارية والشركات والمؤسسات العامة والخاصة، وعلى المركبات وفي داخلها، وعلى السوشال ميديا، وفي الرسائل اليومية المتبادلة بين الأشخاص عبر الهواتف الذكية وغير الذكية.

كل هذا ينبغي أن يقودنا إلى أن تمثّل الدين وتعاليمه سيكون حاضرا وبقوة أيضا، وأنه لابد أن تنعكس هذه المظاهر على المستوى الأخلاقي في سلوكنا اليومي وتعاملاتنا المختلفة ما دمنا مصممين على نشر كل مظاهر التدين بهذا الشكل وهذه الكثافة في حياتنا اليومية.

لكن ذلك ليس صحيحا نهائيا، فالأخلاق التي يحض عليها الدين غائبة عن سلوكها وتحل بدلا منها سلوكيات لا يمكن اعتبارها نابعة من الدين، يزدهر فيها الكذب والغيبة والنميمة وعدم النظافة الشخصية أو الحرص عليها في الأماكن العامة، كما تشيع عدم الأمانة وعدم الوفاء والسرقات والاختلاسات والرشاوى وحلف الأيمان الكاذبة وعدم احترام الكبير وعدم الشعور مع الفقراء والمستضعفين، إلى غير ذلك مما لا يمكن أن يلتقي مع الأخلاق الدينية.

إذن لماذا هذا التفاخر الكاذب بنشر المظاهر الدينية في كل مكان ما دامت غير قادرة على صنع أي تأثير في حياتنا الدينية؟

ببساطة لأن ذلك أصبح تجارة مربحة بوجود أكثر من 1.6 مليار مسلم. ورغم عدم توفر دراسات وإحصائيات لدخل تلك التجارة، إلا أننا وبحسبة بسيطة نستطيع التأكيد أنها تدر مئات المليارات كل عام. وفي الجهة الأخرى، فهي مربحة سياسيا لبعض التنظيمات والتيارات الدينية التي تحرص على تسويق نفسها بمظهر إصلاحي من خلال إغراق الشوارع والفضاءات العامة بالآيات والأحاديث والأدعية والمقولات الدينية والتراثية، وكنوع من إثبات الحضور الطاغي الذي لا تنافسه أي جهة.

في دراسة قبل أعوام قليلة، أجرتها جامعة جورج واشنطن على 208 بلدان في العالم، لمعرفة أيها أكثر تمثلا للقيم الإسلامية التي اشتمل عليها القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية، جاءت النتيجة مخيبة لآمال العالم الإسلامي، فقد احتلت إيرلندا المرتبة الأولى بتجسيدها أفضل القيم الإسلامية، تلتها الدنمارك ولوكسمبورغ ونيوزيلندا، في حين أن أول دولة ذات أغلبية مسلمة ظهرت في القائمة كانت ماليزيا التي احتلت المركز 33.

الدول التي تصدرت القائمة لا تزدهر لديها الرموز الدينية الإسلامية، غير أنها استطاعت أن تضع تعاليم الإسلام في سلوكيات وتعاملات يومية بقوالب أخلاقية، واستفادت منها في أن تكوّن مجتمعات صادقة وأخلاقية وإنسانية.

ليس مهما أن تضع مصحفا في سيارتك بقدر ما هو مهم ألا ترمي من نافذتها النفايات، أو أن تدع السيارة التي تقابلك تمر من دون أن تشعر بالإهانة لأن صاحبها يزاحمك الطريق، وليس مهما أن تسجل اسمك خمس مرات حضورا في المسجد يوميا، وتضع في أعلى باب بيتك عبارة "هذا من فضل ربي"، فالأهم فعلا أن يكون هذا الفضل من الله، وليس بواسطة استثمارك الوظيفة العامة، وتقاضي الرشى، أو الاختلاس.

(الغد)