موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٤
الدور الذي لعبه البابا في ذوبان الجليد التاريخي بين الولايات المتحدة وكوبا

بقلم: جاكوبو سكاراموتسي ، ترجمة: منير بيوك :

يود الأب الأقدس أن يعبّر عن تهانيه الحارة للقرار التاريخي الذي اتخذته حكومتا الولايات المتحدة الأمريكية وكوبا لإقامة علاقات دبلوماسية تخدم مصلحة مواطني البلدين، وترمي إلى التغلب على الصعوبات التي صبغت تاريخهما الحديث. وبعيد اختتام باراك أوباما وراؤول كاسترو حديثهما الذي تم نقله حيا على شاشات التلفزيون، أصدرت أمانة سر دولة الفاتيكان بياناً باللغة الإيطالية والإنجليزية والإسبانية.

ويؤكد البيان الأنباء أنه "في الشهور الأخيرة، كتب البابا فرنسيس رسائل إلى رئيس جمهورية كوبا راؤول كاسترو ورئيس الولايات المتحدة باراك اوباما داعياً إياهما إلى حل المسائل الإنسانية ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك حالة بعض السجناء من أجل البدء بمرحلة جديدة في العلاقات بين الطرفين". ويضيف البيان إلى "أن الكرسي الرسولي استقبل وفدي البلدين في أكتوبر الماضي وقدم مساعيه الحميدة لتسهيل إجراء حوار بناء حول المسائل الحساسة، مما أدى إلى حلول مقبولة لكلا الطرفين". ويختتم البيان بالقول "إن الكرسي الرسولي سيستمر في دعمه للمبادرات التي سيتخذها البلدان لتعزيز العلاقات الثنائية وتعزيز رفاهية مواطنيهما".

وفي كلمتيهما، أشار أوباما وكاسترو بصراحة إلى الدور الفعّال الذي لعبه البابا الأرجنتيني في إحداث التحسن التاريخي في العلاقات بين البلدين اللذين كانا على خلاف مع بعضها البعض منذ سيطرة فيدل كاسترو على السلطة عام 1959، من خلال ثورة ماركسية، فقط من على بعد بضعة كيلومترات من الساحل الأمريكي. ورغب الرئيس أوباما أن يشكر البابا فرنسيس "بصورة خاصة"، (لمحاولته جعل العالم) كما يجب أن يكون، بدلاً من قبوله كما هو".

وبعد لحظات، امتدح كل من رئيسة الأرجنتين كريستينا كيرشنر ونظرائها رئيس بوليفيا ايفو موراليس ورئيس فنزويلا نيكولاس مادورو -الذين كانوا يحضرون اجتماعاً لزعماء أمريكا اللاتينية- البابا للدور الذي لعبه. وأكد الرئيس الفنزويلي هوية فرنسيس بأنه "البابا من أمريكا اللاتينية، إنه البابا الخاص بنا"، لافتاً إلى أن هذا التحول التاريخي في العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا هي "هدية رائعة "لفرنسيس في عيد ميلاده الثامن والسبعين (الذي احتفل به في ديسمبر 17).

وأكد الرئيسان أوباما وكاسترو أن البابا أصدر "نداءً شخصياً" لكلا الزعيمين، حثهما على حل قضية آلان غروس. وقد أطلق سراح الموظف في الوكاله الأمريكية للتنمية الدولية في17 ديسمبر بعد أن أمضى خمس سنوات في السجن. كما تم إطلاق سراح ثلاثة عملاء كوبيين قضوا في السجون الأمريكية مدة خمسة عشر سنة. وكشف مسؤول رفيع في إدارة أوباما للصحفيين في واشنطن قبل دقائق من عقد مؤتمري أوباما وكاسترو الصحفيين اللذين تما في وقت واحد أن رسالة فرنسيس، التي تشكل جزءاً من مبادرة أوسع للفاتيكان، "قدمت لنا مزيداً من الزخم وقوة الدفع للمضي قدماً".

لقد أبقى الكرسي الرسولي دائماً الوضع الكوبي موضع اهتمام. شملت الجهود البابوية السابقة لإصلاح العلاقات الأمريكية-الكوبية دور البابا يوحنا الثالث والعشرون في حل أزمة الصواريخ الكوبية، وزيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى الجزيرة في عام 1998، وزيارة البابا بندكتس في عام 2012. التقى فيدل كاسترو، الذي تثقف على يد اليسوعيين في شبابه. ولكن شقيق فيدل، راؤول، الذي أصبح رئيساً لكوباً في عام 2008، رافق جوزيف راتزينغر في كل خطوة على طريق الحياة. وعلاوة على ذلك، فالكاردينال تارسيسيو بيرتوني الذي شغل منصب أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان آنذاك والذي زار الجزيرة شخصياً سابق وقت في كان قد مهد الطريق لزيارة بندكتس السادس عشر، وذلك بفضل اتصال كان قد احتفظ به مع كوبا على مر الزمن.

ومن الآخرين الذين ساعدوا في فتح الطريق لزيارة راتزينغر كانا: وزير العلاقات مع الدول، المنتهية ولايته، دومينيك مامبرتي، الذي زار الجزيرة الكاريبية في ذلك الوقت، والمونسنيور أنجيلو بكييو الذي حل محله وشغل منصب النائب الرسولي في كوبا. في تلك السنوات، زار وزير الشؤون الخارجية الاسباني السابق ميغيل انخيل موراتينوس الفاتيكان لمناقشة الوساطة الدبلوماسية المحتملة للسماح بالإفراج عن المعارضين السياسيين المعتقلين في كوبا.

وجاء التقدم السريع في العلاقات مع انتخاب أول أمريكي لاتيني لخلافة القديس بطرس. وكان رئيس أساقفة هافانا جيمي لوكاس اورتيجا هو الرجل الذي نشر الآراء التي أدلى بها في حينه رئيس أساقفة بوينس آيرس في الأيام التي سبقت "الكونكلاف" (للخطاب المفروض أن يكون حاسما في لاختياره كمرشح للبابوية). وهذا يعطي مؤشراً على مدى كثافة الإتصالات آنذاك. ففي السنوات الأخيرة، لعب مؤرخ مدينة هافانا الكاثوليكي اوزيبيو ليال شبنغلر دوراً في غاية الأهمية في مؤسسسة كاسترو.

وعلاوة على ذلك، فلأول مرة منذ ثلاثين عاماً كان للولايات المتحدة الأمريكية وزير خارجيه كاثوليكي وهو جون كيري .في كانون الثاني الماضي، ذهب الى روما خصيصاً للقاء أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الجديد الكاردينال بيترو بارولين. لم يذكر الكرسي الرسولي كوبا على أنها من بين القضايا التي تمت مناقشتها خلال اللقاء بينهما. ولكن في مؤتمر صحفي عقد في روما بعد الاجتماع، أوضح رئيس الدبلوماسية الامريكية بنفسه أنه "أثار قضية آلان غروس وأمر أسره". مضيفاً أنه" أمل كثيراً أنه قد يكون هناك مساعدة فعّالة فيما يتعلق بهذه القضية". وبعد اثني عشر شهراً (أي يوم الاثنين الماضي) زار جون كيري الكاردينال بارولين مرة أخرى. وذكر الفاتيكان أن مركز الاعتقال جوانتانامو في كوبا الذي يحوي الإرهابيين المشتبه بهم كان من بين القضايا التي تم بحثها. لكن لم يكن هناك أي إشارة محددة إلى كوبا نفسها في هذه المناسبة أيضاً. وكان الترتيب أن يعلن للعالم باراك أوباما وراؤول كاسترو عن الإنفراج الدبلوماسي في مساء يوم 17 ديسمبر.