موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢٥ مايو / أيار ٢٠١٦
الدفاع عن المسيحيين.. وازدواجية المعايير

جيمس زغبي :

يواجه المسيحيون في سوريا وفلسطين والعراق، تحديات مأساوية أسيء فهمها أو تم تجاهلها في الغرب. وخلال السنوات الأخيرة، لم تكن حمايتهم أو حتى الإقرار بوجودهم مبعث اهتمام سوى لصناع السياسات أو المجموعات المناصرة لهم، عندما تلائم روايتهم المقبولة أو أجندتهم السياسية في المنطقة.

وعلى سبيل المثال، فقد تعرض المسيحيون في فلسطين للتجاهل في معظم الأحيان، فهم عبء غير مريح بالنسبة للإنجيليين من جناح اليمين المتشدد، الذين لا يرون إسرائيل سوى من وراء غمامة أيديولوجية. ومن ثم يعتبرون أن تجمع اليهود في إسرائيل يعد مطلباً ضرورياً من أجل «الأيام الأخيرة» ومعركة «هرمجدون» وتحول اليهود إلى المسيحية، وعودة المسيح، وكل ما يتبع ذلك!

وهؤلاء الإنجيليون يزورون الأراضي المقدسة كحجاج للأماكن التي سرى فيها المسيح، وفي الوقت ذاته يتجاهلون وجود مجتمع مسيحي في فلسطين منذ نحو ألفي عام. ولأن الإنجيليين من جناح اليمين أصبحوا مدافعين شرسين عن السياسات الإسرائيلية، فهم لا يرفضون فحسب الإقرار بوجود ظلم بيِّن يعاني منه أبناء ديانتهم، ولكنهم أيضاً يتجاهلون وجودهم من الأساس.

ولسوء الحظ، يؤثر هذا التعامي أيضاً على السياسيين من اليمين واليسار، لأن انتقاد السلوكيات الإسرائيلية يعتبر من المحظورات، ومعظم السياسيين أصابهم جهل مطبق بشأن الضحايا الفلسطينيين، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين. ونتيجة لذلك بقوا صامتين بينما تعرضت الأماكن الدينية الفلسطينية للمصادرة أو التدمير، وفرضت إسرائيل نظاماً سياسياً يخول جماعة وحيدة هي اليهود الحقوق كافة، بينما يخضع المسلمون والمسيحيون لمجموعة من الممارسات التمييزية القاسية.

وقد لقي المسيحيون في العراق وسوريا تعاملاً مجحفاً من قبل الغرب أيضاً. وخلال الفترة المؤدية إلى الغزو الأميركي للعراق، لم يدرس أحد في واشنطن التأثير الذي قد تسببه الحرب على المجتمع المسيحي المستضعف في ذلك البلد. وخلال السنوات التي تلت، وبينما تمزق العراق أشلاء بسبب الصراع الطائفي، تجاهل الزعماء السياسيون والدينيون في الولايات المتحدة بشكل كبير مصير الأقليات في العراق. فعلى سبيل المثال، خيم الصمت على إدارة بوش بينما كانت ممتلكات المسيحيين تتعرض للنهب، وتصادر منازلهم وتجبر أسرهم على النزوح، وهو ما أسفر عن تراجع أعداد المسيحيين في البلاد من 1,4 مليون إلى 400 ألف فقط.

ولم يبدأ الغرب في إلقاء بال لمن تبقى من مسيحيي العراق إلا بعد السلوكيات الوحشية لتنظيم «داعش». ويبدو الآن فقط أن مصيرهم يلائم الأجندة السياسية، بقصد شن هجوم ضد أوباما وإفساح المجال أمام الجماعات اليمينية المناهضة للمسلمين كي تذرف بعض الدموع.

وبطريقة مماثلة، تم تجاهل أصوات المسيحيين في سوريا أيضاً في بداية الصراع الدامي. وكثير من المسيحيين، برغم عدم تأييدهم النظام في دمشق، أعربوا عن قلق عميق ومخاوف من «المعارضة». والآن فقط، بعد تفاقم خطر «داعش»، بدأ الزعماء الدينيون والسياسيون في الغرب يلقون بالاً للمسيحيين السوريين، ولكن كما كان الحال في العراق، جاء ذلك متأخراً وضئيلاً جداً.

ينبغي الاهتمام بهؤلاء المسيحيين العرب ويفترض أن تسمع أصواتهم، ليس فقط عندما يلائم ما يقولونه أجندتنا حصراً. فهم أكثر من مجرد لاجئين أو ضحايا تطرف ديني يوفر أداة نافعة للمصابين بالرهاب من الإسلام، كي يحذّروا من المخاطر التي يروجون لها.

(نقلاً عن السفير اللبنانية)