موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٤ فبراير / شباط ٢٠١٩
الحوار ضرورة حتمية نظرًا للأحداث والتغيرات في المنطقة

رام الله - أ. د. حنا عيسى :

(إن الزيارة التاريخية لقداسة البابا فرنسيس وفضيلة شيخ الأزهر أحمد الطيب إلى دولة الامارات تؤكد للعالم أجمع نهج دولة الإمارات في التسامح والتعايش الديني اولا، وان هذه الزيارة الدينية التاريخية تحمل صفحة جديدة في تاريخ التآخي والتسامح بين البشر على اختلاف دياناتهم وثقافاتهم ثانيًا. واستنادًا إلى شعار هذا الملتقى (ملتقى الحوار العالمي بين الأديان حول الأخوة الانسانية) يرسخ هذا اللقاء الحوار بين أبناء الديانات ونشر قيم التسامح والاعتدال والحوار بين الجميع. ولإعطاء هذا اللقاء أهمية، لا بدّ من العودة إلى تاريخ نشأة وتطور العلاقات الاسلامية المسيحية عبر التطور التاريخي الذي سأسرده أدناه.

قبل الحديث عن نشأة الديانتين المسيحية ومجيء الإسلام، لا بدّ لنا من اعتماد مبادئ الحوار الأخوي والتفاهم بين أتباع الديانتين وكافة المستويات الشعبية والرسمية لتكريس أسس الوفاق والتقارب ومد جسور المحبة والأخوة والعيش المشترك وقبول الآخر وتبادل الثقة في وطن واحد ليكون قاعدة المواطنة ومبدأ سيادة القانون والمساواة من أجل وطن يضمن للجميع العيش بحرية وكرامة، علمًا بأن الحضور المسيحي في معظم البلدان العربية يعود إلى نشأة الديانة المسيحية في بداية السنين الأولى الميلادية، ويشهد التاريخ بكل مراحله على وجود جماعات مسيحية عربية في مختلف مناطق الشرق، وبمجيء الإسلام بداية القرن السابع ميلاديًا بدأ تاريخ مشترك جمع بين المسيحيين والمسلمين في الشرق العربي، وحضارة مشتركة ورثت جميع الحضارات السابقة في هذه البلاد، حيث كانت حضارة بابل والحضارة الفرعونية أولى حضارات التاريخ.

أدت خبرة وتجارب الماضي بالمسيحيين والمسلمين إلى الانصهار في بوتقة واحدة هي الحضارة العربية، مع احتفاظ كل منهم بأصالته الدينية وخصوصيات عاداته وتقاليده. ويشكل هذا التراث الحضاري المشترك ضمانًا لاستمرارية التفاعل الذي يواجه اليوم مستجدات لا بدّ من استيعابها، وإمكانيات لا بدّ من بلورتها، وتحديات لا بدّ من مواجهتها، وهذا كله يفتح الأبواب واسعة أمام مستقبل هذه الخبرة بكل حيويتها وأصالتها.

إن استمرار العيش المشترك الايجابي في الغالب الأعمّ من الدول العربية، وتمتع المسيحيين بحريات العبادة والنشر والكتابة واستخدام القنوات الإذاعية والتلفزيونية في معظم الدول العربية، وتضاؤل القيود أمام وصول المسيحيين إلى معظم وظائف الدولة ومراتبها، وحسن العلاقة بين المراجع الدينية المسيحية والإسلامية في جميع الدول العربية، وقيام هذه المراجع بتطويق أي حادث سلبي يطرأ على مسيرة العلاقات بين المسيحيين والمسلمين، وتعمّق القناعة لدى الشريك المسلم بأن المسيحية العربية شريك أساسي في العيش والمصير وجسر حوار مع الغرب يمكن للإسلام العربي أن يستفيد منه إيجابًا.

أما أهم نقطة سلبية التي يجب العمل على تجاوزها بتعاون وتضافر الطرفين فتكمن باستمرار الجهل الواسع بدين الآخر في عقائده وممارساته ونمط حياة أبنائه، والجهل يغذي تصورات مغلوطة ويصور الآخر على نحو قسوة ومخالف لصورته الحقيقية. ولتجاوز هذه الظاهرة، علينا أن نبلغ كمسيحيين المسلمين مرحلة المواطنة الكاملة بين المسلمين والمسيحيين، المواطنة التي تستلزم مساواة في الحقوق والواجبات، مساواة أمام القانون وفي الواقع. في المواطنة تنتفي فكرة الأكثرية والأقلية، وتنتفي فكرة القوي والضعيف، فكرة الأصيل والوافد. في المواطنة يعيش الجميع كرامتهم ويسهمون في نهضة بلادهم والدفاع عنها. في المواطنة تعود كرامة الإنسان ككائن رفعه الله تعالى على جميع الكائنات وأودع فيه روحه، وأقامه سيدًا على الأرض.

إن ما يعانيه المسيحيون العرب يعاني في الوقت نفسه المسلمين العرب، وإن هذه المعاناة أيًا تكن أسبابها، تشكّل حافزًا لعمل إسلامي مسيحي مشترك يحافظ على الحضور المسيحي العربي في النسيج الاجتماعي العام، ويحافظ على ما يميز به من تنوع وتعدد على أرضية مصالح الوطن ووحدته.

إن المتابع والمدقق في تطور العلاقات الإنسانية وتوجهات أتباع الديانتين المسيحية والإسلام يرصد تصاعد الاهتمام بالحوار الإسلامي المسيحي كضرورة لتخفيف التوترات في بقاع كثيرة من العالم، بالتوازي مع تنامي اتجاهات تركز على أهمية استحضار الرؤية الدينية للقضايا التنموية واستخدامها في سبيل التوعية وتطوير الخطاب الديني داخل كل دين عبر مؤسساته ومنابره وامتداداته وتوظفيها أيضًا في تطور الأداء الاجتماعي والاقتصادي، وتشكيل الرأي العام المحلي والدولي الفاعل في الخدمة والتنمية الإنسانية.

وعلى ضوء ما ذكر أعلاه، فإن الحوار المسيحي الإسلامي أصبح على المستوى الحياتي والمصيري المشترك حتميًا نظرًا للأحداث والتغيرات في المنطقة. فالقضايا واحدة لأننا نحيا في وطن واحد، يحذونا أمل في مستقبل مشرق واحد. كما وأن الحوار يؤصل المواطنة والهوية العربية للمسيحيين والمسلمين على حد سواء في الشرق الأوسط. وأن المنطقة التي خرجت منها المسيحية إلى العالم كله، وما زالت، هي المكان الذي يقصده مسيحيو العالم أجمع لزيارة الأماكن المقدسة، ومن هذه المنطقة أيضًا خرج الإسلام إلى العالم، وما زال، هي المكان الذي يقصده مسلمو العالم لأداء فريضة الحج.