موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر السبت، ١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٨
الحسن بن طلال: عصرنا عِلمٌ أكبر وحكمة أقل

يوسف عبدالله محمود :

من يقرأ حضارة اليوم يكتشف أن عِلمها اكبر من حكمتها. هناك فتوحات علمية غير مسبوقة في مجال الاختراعات، ولكنها –مع الأسف- غير مُسخرة في معظمها لسعادة الإنسان ورفاهيته.

في تعليقه على هذه الظاهرة المُدانة انسانيًا وأخلاقيًا، يقول سمو الأمير الحسن بن طلال: «إن الجانب الأكثر ازعاجًا وفجيعة في الحرب المعاصرة، هو الغياب المتزايد لاحترام الأعراف الإنسانية.. إن من يدفع الثمن الأعلى في الحياة والممتلكات هم المدنيون البريئون. إن استعمال السلاح النووي أو حتى غير النووي من أسلحة الدمار الشامل، إنما هو عمليًا إلغاء لكامل نظام القانون الإنساني» (الحسن بن طلال: الأعمال الفكرية، المجلد الاول ص 637، دار ورد الأردنية للنشر، عمان).

ينتقد الحسن بن طلال «النزاعات الاقليمية» التي يشهدها هذا العصر حيث «تحلّ الانتهازية قصيرة النظر محل السياسة البصيرة». إن الانسان لم يواجه من قبل قط احتمال تعرضه للإبادة كما يواجه اليوم ومن الأسف أن يأتي العصر النووي للإنسان بعلم أكبر ولكن بحكمة أقل. البُعد الانساني غائب تمامًا عن عالمنا اليوم. القادة الكبار لا يفكرون في مصير البشرية. ما يعنيهم هو مصالحهم الخاصة مصالح الشعوب لا تعنيهم. عالمنا مرزوء اليوم بالعنف والارهاب».

وفي تحذيره من توقعات ما قد تشهده منطقة الشرق الاوسط من احداث مفجعة اذا ما غاب التعقّل عن القادة في هذه المنطقة يقول سموه: «لا ارغب في ان اكون نبيّ الهلاك بل أوثر التبشير بالأمل والتفاؤل بيد ان الحقيقة أن ليس في غير محله عد الشرق الاوسط منطقة معرضة للمواجهة النووية» (المرجع السابق ص 638).

ومع الأسف فإن الواقع العربي اليوم، حيث تسود الحروب والصراعات غير المسبوقة في بلدان عربية كثيرة لا تبشر بالأمل والتفاؤل. وفي نقد مرير لهذه الظاهرة يقول الراحل د. صادق العظم: «لم يقع الوطن العربي في تاريخه الحديث فريسة سهلة للنهب الامبريالي والهيمنة الخارجية والتلاعب الايديولوجي اكثر مما هو حادث اليوم، مع العلم بأن ذلك كله يجري تحت شعارات حماية استقلال المنطقة العربية والدفاع عن انفتاحها واستقرارها» (د. صادق العظم «ذهنية التحريم» ص 109). أعود فأقول إن عالمًا «علمه اكبر من حكمته» لن يؤدي الى خير البشرية.

في كتابه «الهوية» يقتبس د. حليم بركات المفكر العربي المرموق والاستاذ بجامعة «جورج تاون» الامريكية ما ذكره المفكر الغربي موروبرغر في كتابه «العالم العربي في الوقت الحاضر». يقول برغر: «لقد أدخل الغرب أفكارًا ووسائل تكنولوجية غيّرت إلى حد بعيد العلاقات الاجتماعية في العالم العربي وكان لها آثارها السياسية المهمة. إنما في الوقت ذاته اتبع الغرب بدأب سياسة محافظة تجاه الحياة السياسة نفسها هادفًا في الواقع الى منع النتائج الاجتماعية والاقتصادية من استبدال المؤسسات السياسية وتغييرها. لقد ادخلوا افكاراً ثورية انما حاولوا منعها من إحداث ثورة في الحياة السياسة العربية» (د. حليم بركات، كتابه «الهوية» ص 29).

أتساءل اخيرًا: متى يدرك العرب ذلك؟ متى تتغلب «الحكمة» على القادة والرؤساء العرب فيضعوا حدًا للخلافات العربية العربية؟ متى يدرك قادة العالم إن في أمريكا واوروبا أن «تطبيق دستور انساني» –بكلمات الحسن بن طلال- هو القادر على توفير «سياسة إنسانية» تجنب البشرية اهوال الحروب؟

(الرأي الأردنية)