موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٣١ يناير / كانون الثاني ٢٠١٧
التغيير في التعليم أولاً أم التغيير في الثقافة؟

د. مهدي فكري العلمي :

إن دراسة متعمقة في اوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية والثقافية تمهيداً للبدء والانطلاق بالحركة النهضوية الشاملة في كامل هذه الاوضاع تقودنا الى اسئلة كبيرة مفادها: من اين نبدأ؟ هل نبدأ من اصلاح التعليم وتغييره وحوسبته؟ ام نبدأ من تغيير المناهج تعديلاً وتطويراً وتحديثاً ومواءمة مع روح العصر؟ ام نبدأ من المعلم اهتماماً وتدريباً وتأهيلاً وتحسيناً في الاوضاع الخاصة به؟ ام نبدأ من البيئة المدرسية, ومن الابنية المدرسية فنقوم بصيانتها واصلاحها وتحديثها بحيث تصبح ملائمة لمتطلبات التربية الحديثة والتعليم المعاصر؟ ام نبدأ من الطلبة انفسهم ومن اسرهم واولياء امورهم فنعقد لهم الدورات التدريبية المناسبة لاحتياجاتهم المتعلقة بتربية وتعليم انجالهم وكريماتهم؟

واذا ما اختصرنا هذه الاسئلة في سؤال واحد فإن هذا السؤال يقول بملء الفم: هل نبدأ من التغيير في التعليم؟ إن بدء النهضة وانطلاقها من التغيير في التعليم، تلقى قبولاً واسعاً عند عدد كبير من اصحاب الأفكار النهضوية والاصلاحية وحجة هذا الفريق بان معظم الدول الناهصة قد بدأت في حركاتها النهضوية بادخال اصلاحات جذرية على انظمة التربية والتعليم لديها، ونجحت في مساعيها النهضوية بعد ادخال هذه الاصلاحات، إلا ان هناك فريقاً اخر من اصحاب الافكار النهضوية الشاملة ينادي بضرورة البدء من التغيير الثقافي الشامل في المجتمع وذلك لان الثقافة اكبر من التعليم واوسع منه، ولان التغيير في التعليم لن يجد قبولاً عند المعنيين بالنهضة، وهم البشر، إن لم تكن مقولاتهم الثقافية تقول لهم ذلك.

والثقافة ليست هي التعليم فاذا كان التعليم يشمل المعارف، والمعلومات والى حدٍ ما المهارات فإن الثقافة تشمل القيم، والعادات، والتقاليد، والاخلاق، والمواقف، والافكار، والمعتقدات، والسلوكيات. انها تشمل كل ما تختزنه ادمغة البشر بتلافيفها وخلاياها ومخزوناتها من افكار مستقرة وجاهزة لتنفيذ اية اوامر تصدر عن هذه الادمغة حتى وان كانت تتعارض مع دعوات الاصلاح والتغيير والنهضة والتحديث.

وبناءً على اهمية الثقافة العامة السائدة عند الشعوب والامم والدول فانه لا يمكن ادخال اية اصلاحات او تغييرات على انظمة التربية والتعليم عند هذه المجموعات إلا اذا بدأنا اولاً وقبل كل شيء بتحضير وتهيئة المواقف الانسانية المستعدة لتقبل النهضة والاصلاح والتغيير.

إن بعض المنادين بالنهضة يعتقد بان قبول الناس للتغيير يتم دونما اية مقاومة او ان على الناس ان يتقبلوا التغيير رغماً عن انوفهم، ومما لا شك فيه فإن هذا الاعتقاد هو اعتقاد خاطئ سوف يؤدي – في حال تطبيقه – الى خسارات مادية كبيرة تتمثل في التخلي عن الجهود الاصلاحية، او عدم تعاون الناس مع ارادة التغيير والنهضة وفي حصول انتكاسة نهضوية مؤلمة.

نعم إن نقطة البدء وشارة الانطلاق والخطوة الاولى في المسار النهضوي تبدأ من التغيير الثقافي الشامل في الثقافة السائدة في المجتمع وبالتالي فإنه لا بد من اعداد وتأليف ونشر كتاب يتحدث عن التغيير الثقافي الشامل في المجتمع بحيث يتم توعية الناس بمضمونه وتدريب الناس عليه.

(جريدة الرأي الأردنية)