موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢١ أغسطس / آب ٢٠١٧
التعليم الجيد: إشعال نيران صغيرة

د. حسني عايش :

الامتحان أو الاختبار يجري للمتقدم لوظيفة شاغرة، وبخاصة في القطاع الذي لا يهمه سوى تحقيق أقل كلفة في إنتاج السلعة أو الخدمة، وأكبر عائد. وقد يخضع المتقدم لأكثر من شكل من أشكال الامتحان أو الاختبار. ومع أنه قد ينجح فيها كلها إلا أنه يوضع تحت التجريب أيضاً لفترة معينة قبل تثبيته لأن الامتحان أو الاختبار مهما تعدد وتفذلك لا يكفي للتعبير عن شخصية المرء أو إمكانياته وقدراته. وإذا فشل في واحد منها فإنه يدان أي يُرفض توظيفه.

أما وظيفة المدرسة فليست كوظيفة الشركة. إن وظيفتها توفير فرصة ومناخ للطفل وبحيث يتمكن من التعلّم والمعرفة فلا يُدان بامتحان أو بغيره على أدائه كما في حالة المتقدم لوظيفة في شركة. إذ ما دام الطفل/ة أو التلميذ/ة غير معوّق عقلياً فإنه يتمتع بقابلية غير محدودة للتعلم: تعلّم جميع اللغات، واللهجات، والمهارات الأولى (قبل المدرسة) في مجتمعه بالجهاز البيولوجي نفسه، وليس بجهاز متغير بين لغة وأخرى، أو بين معرفة أو مهارة وأخرى. لا فرق في ذلك بين طفل/ة تلميذ/ة وأخر. الفرق في البيئة أي في الأسرة، والمدرسة، والمجتمع. لو كانت الميول والقدرات فطرية لما اختلفت عما كانت عليه منذ آدم إلى اليوم ولا أثرت البيئة عليها.

لم تعد سياسة الغربلة في مدرسة الأمس (بالامتحانات) مقبولة في المدرسة اليوم. كانت الغربلة سمة مدرسة الأمس وقد بادت بعدما تبين أنها فكرة عنصرية استعمارية لاتربوية رافقت ما يسمى بفحوص أو اختبارات الذكاء الكاذبة التي كانت النساء واليهود والسود وشرقيو أوروبـا يتخلفون فيهـا في كـل مـرة. ومع هذا يوجد –للأسف- وزراء تربية وتعليم وأعيان ونواب ومثقفون يؤمنون بها ويطالبون بإعمالها ما لم تصل إلى أطفالهم، ففي زمن أحد وزراء التربية والتعليم الكبار تم إلغاء امتحان الإعدادية العامة لأن أحد أبناء شخصية مهمة رسب فيه. ولما تجاوزه إلى التعليم الثانوي أعيد العمل بالامتحان على يد الوزير نفسه وبالمبررات التي كتبها المدير نفسه في الحالتين.

مهمة المدرسة الجديدة توفير بيئة مؤاتية تتفتح فيها جميع الأزهار تاركة شيئا من عطرها عالقاً بالمعلمين والمعلمات الذين يعلمونهم بجودة ومهارة، فيستحقون الاحترام والتقدير عليهما أكثر من الذين ينجبونهم كما يقول أرسطوطاليس، وليس بيئة "صالحة" فقط لإنتاج أشواك أو نفايات مدرسية.

ولما كان الأمر كذلك فيجب أن تتحول الامتحانات في المدرسة إلى تقييم هدفه إصلاح التعلّم والتعليم، وإغلاق ثغراتها أولاً بأول. لا مانع عندئذ من إجراء التقييم بعد كل درس أو كل أسبوع أو كل شهر لأنه تبين بالتجربة العلمية التي قام بإجرائها ربوت بجورك - رئيس دائرة علم النفس في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس- أن تكرار التقييم أفضل للتعلم من تكرار الدرس، ففي دراسة قام بها قسّم التلاميذ إلى مجموعتين قامت إحداهما ولتكن (أ) بدراسة المادة أربع مرات في الأسبوع بينما قامت الثانية (ب) بدراستها مرة واحدة تم تقييمها ثلاث مرات. وقد زادت علامتها في الاختبار نفسه بمقدار خمسين في المئة عن علامة المجموعة (أ).

أياً كان الأمر أو الموضوع في التعلم والتعليم فإن العبرة أو المادة الفعّالة فيهما هي نظرية التعلّم والتعليم التي يؤمن بها المعلم/ة والمدرسة والإدارة التربوية والوزير، فالتعليم أسير نظريته أو نظرياته، فما النظرية التعلّمية التعليمية السائدة في المدرسة والمجتمع في الأردن؟

هناك نظريتان تعلّميتان تعليميتان رئيستان: نظرية الذكاء الفطري التي تضع مسؤولية التعلّم على الطفل/ة فتريح المعلم والمدير والإدارة التربوية من بذل الجهد للوصول بالطفل إلى أقصى طاقاته؛ ونظرية التفاعل الاجتماعي التي تضع المسؤولية على المعلم/ة بما في ذلك الأسرة والمجتمع (وكما تمثلها الفرق الرياضية التي تطرد المدرّب إذا خسر الفريق). إنها نظرية تقوم على "إشعال نيران صغيرة" بإطلاق طاقات المتعلم وتنميتها إلى أقصاها. ولكنها كما يبدو نظرية مجهولة أو مرفوضة من الأكثرية لأنها تضع العبء الأكبر على المعلم/ة والمدرسة والإدارة (الوزير والحكومة). بها يقضي المعلم/ة وقتهما في الإعداد والاستعداد للتعليم وإشعال نار التعلّم، ويتحول المعلمون والمعلمات من مجرد عاملين في التعليم إلى معلمين ومعلمات فعلاً به. وللأسف نؤمن بهذه النظرية عندما نقيّم معلمينا ومعلماتنا ونجاحنا وفشلنا فيما بعد.. ولكننا ننقلب عليها عندما نشتغل في التعليم.

(نقلا عن الغد الأردنية)