موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١١ أغسطس / آب ٢٠١٧
البيان الختامي للمؤتمر الخامس والعشرين لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك

الديمان – أبونا :

اختتم مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك مؤتمره الخامس والعشرين الذي عقد في الفترة ما بين 9 و11 آب الحالي، في المقر الصيفي للبطريركية المارونية. وتدارس الآباء موضوع المؤتمر: "الأوضاع الكنسية والسياسية في بلدان الشرق الأوسط".

بدأت الجلسة بصلاة عقبتها كلمة ترحيب للكاردينال الراعي، تكلم فيها عن معاني عقد المؤتمر على مشارف وادي القديسين والحبساء والمؤمنين الصامدين بالإيمان والصلاة، وكلمة للبطريرك يونان أشار فيها الى التحديات التي تواجه مسيحيي الشرق في هذه الظروف وكيفية العمل على تذليلها، وكلمة ثالثة لسفير الفاتيكان في بيروت ذكر فيها باهتمام الكرسي الرسولي بمسيحيي الشرق، وخصوصا بسينودس الأساقفة من أجل الشرق الاوسط، وبنداءات البابا فرنسيس بشأن اهمية وجود المسيحيين وشهادتهم وثباتهم في هذا الشرق، رغم المحن والصعوبات.

أولا: اللقاء المسكوني وزيارة رئيس الجمهورية

عقد المجلس لقاء مسكونيا، لتدارس الشؤون الراعوية والوطنية المشتركة، حيث ثم تبادل الآباء آراءهم حول هذا الموضوع والأوضاع الراهنة في بلدان الشرق الأوسط، والحلول التي يجب اتخاذها من أجل حماية أبناء كنائسنا وحفظهم على أرض الوطن، وحماية حقوقهم كمواطنين أصيلين وأصليين. وبعد الظهر، توجه الجميع الى القصر الجمهوري في بعبدا للقاء فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وإطلاعه على النقاط الخمس التي تداولوا فيها، وطلب توجيهاته بشأنها.

ثانيًا: الأوضاع الكنسية والسياسية ونداءات

عرض كل واحد من الآباء البطاركة الأوضاع في بلاده، ووجهوا نداءات إلى أبنائهم وإخوتهم فيها:

في العراق: نعرب لأبنائنا وإخواننا في العراق عن سعادتنا بتحرير الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى من تنظيم داعش الإرهابي، وعن تضامننا معهم ووقوفنا إلى جانبهم وقد هجروا وعانوا الكثير. كما نعبر عن قلقنا من استمرار فكر داعش الظلامي، والخطابات التحريضية، ومناخ الصراعات في هذه المنطقة. لذا نناشد جميع المسؤولين في الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان والمجتمع الدولي احترام حقوق المسيحيين والمكونات الوطنية الأخرى في تقرير مستقبل بلدهم، بعيدا عن الضغوطات، لكي ينالوا نصيبهم العادل من المشاركة في الإدارة، والتوظيف، والحياة السياسية، وعدم تغير وضعهم التاريخي والجغرافي. ونشجع أبناءنا على البقاء في أرضهم وترسيخ حضورهم، والمحافظة على حضارتهم والاسهام مع مواطنيهم في بناء دولة مدنية حديثة، دولة العدالة والقانون، دولة تضمن المواطنة الكاملة للجميع مع تعددية انتماءاتهم الدينية والمذهبية والإتنية.

في سوريا: نتوجه إلى أبنائنا وإخواننا في سوريا بكلمة محبة وتضامن وندعوهم إلى التمسك بالرجاء في خضم الأحداث الدامية التي تعصف ببلدهم. لن تذهب سدى الدماء التي أهرقت والخراب الذي حصل. لا بد أن تنتهي هذه الأحداث وأن تخرج سوريا منها قوية مزدهرة آمنة. المستقبل ليس للعنف والحرب بل للسلام والحياة المشتركة. إن الوحدة القائمة على أساس المواطنة والتي متنتها الأحداث خلافا لما كان يريد البعض، سوف تستمر، والمصالحات التي تحصل هنا وهناك خير دليل على ذلك. وسوف نبقى متشبثين بأرضنا من أجل بناء الوطن الذي نريد، وطن الحرية والكرامة.

في الاراضي المقدسة: إننا نتابع باهتمام كبير معاناة الشعب الفلسطيني وهو يسعى إلى تقرير مصيره واستعادة سيادته على ارضه. ومن المضايقات اليومية التي يتعرضون لها خطر فقدان الهوية ‏للمقدسيين وانعدام لم الشمل واستمرارية بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي. نحن نعلم أن الوضع الاقتصادي والامني أديا إلى هجرة الكثيرين من أبنائنا المسيحيين من فلسطين، لكن الارض المقدسة بحاجة الى حضورهم حتى لو لزم تقديم بعض التضحيات من أجل الوصول الى حل سياسي تكون القدس فيه عاصمة لشعبين ومدينة مقدسة مفتوحة للجميع.

في الأردن: إننا نثمن دور الاردن في حل الأزمة الاخيرة دفاعا عن حرية المصلين في المسجد الأقصى ودور الوصايا الهاشمية على الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية في القدس. ونقدر استضافته للمهجرين السوريين والعراقيين. إننا نصلي كي يبقى الاردن واحة أمن وسلام لاهله، ونموذجا للعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين يحتذى به.

في مصر: إلى أبنائنا في مصر الخالدة، بلد التاريخ والحضارة وكنيسة الشهداء، نوجه كلمة تضامن وتقدير ودعوة إلى الرجاء وسط كل التحديات. ونتضامن في الصلاة معهم شكرا لله الذي حفظ مصر صامدة في كل ما مرت به بعد الأحداث العاصفة، ونشكر الله على حيوية الكنيسة روحيا ورعويا. وإننا نقدر مواقفهم الشجاعة للحفاظ على إيمانهم القويم حتى الإستشهاد، شهادة للمسيح الحي، ونثمن دفاعهم عن وطنهم، ضد من أراد هدمه، في وحدة مع شركائنا في الوطن، إخوتنا المسلمين، متحملين كل الصعوبات والمشقات من كل نوع. فهيا معا نواصل الطريق الصعب لبناء بلد يتمتع فيه كل مصري بالمواطنة الحقة، دون النظر إلى انتمائه الديني، بلد يعيش فيه المصري وكرامته الإنسانية مصانة، حرا في التعبير عن رأيه دون خوف من أي تهديد، يشارك فيه المواطن في بناء وطن يسوده الإحترام المتبادل وتحكمه العدالة والمساواة، ورفض كل فكر هدام يقسم أبناء الوطن الواحد، حتى نبني مستقبلا أفضل.

في لبنان: إلى أبنائنا وإخواننا في لبنان نقول، بالإضافة إلى ما عبرنا عنه لفخامة رئيس الجمهورية، إن هذا الوطن كنز ثمين تجب المحافظة عليه وعلى ثقافته ومميزاته التي اكتسبها بفضل ميثاقه الوطني والدستور وخبرته في ممارسة العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، في المساواة والمشاركة على أساس المواطنة. ونناشد الجماعة السياسية فيه العمل الجاد على حماية هذا الوطن بكل مكوناته، ومشاركة الجميع في الحكم والإدارة من دون أي إقصاء لأحد بحكم النفوذ الحزبي أو السياسي أو المذهبي، وتعزيز دور لبنان كبلد استقرار وانفتاح ولقاء في المنطقة.

نداء عام

لقد حان الوقت لكي نطلق نداء نبويا شهادة للحقيقة التي تحررنا حسب روح الإنجيل، فنحن مدعوون إلى التمسك بهويتنا المشرقية والأمانة لرسالتنا. ويؤلمنا، نحن البطاركة المؤتمنين على "القطيع الصغير"، جرح نزوح المسيحيين من أراضيهم الأصلية في الشرق الأوسط.

نذكركم أنه مهما عتى الظالمون عن معرفة وتصميم، وزاغ الجهال مستغلين سعينا إلى السلام، لا بد لعدل السماء أن ينتصر! دعوتنا اليوم لكم أن تضحوا كالخميرة في العجين، وكالنور المضيء في عالم متعطش إلى الروح الذي يحيي. سنبقى متجذرين في أرض الآباء والأجداد، متطلعين برجاء "فوق كل رجاء" إلى مستقبل نرى فيه مكوناتنا التراثية العريقة التي تميزنا، غنى لنا ولمجتمعاتنا وللكنيسة الجامعة شرقا وغربا.

علينا أن نتمسك بواجب إعلان الحقيقة بالمحبة، وأن نؤكد بشجاعة شرعية فصل الدين عن الدولة وعن الشؤون العامة في دساتير أوطاننا، حيث يعيش الجميع متساوين في الحقوق والواجبات، دون النظر إلى الدين أو الطائفة. وهذا شرط لا بد منه كي يطمئن المسيحيون وسائر المكونات الصغيرة في بلادنا.

نداء إلى الأسرة الدولية

إننا نناشد منظمة الأمم المتحدة، والدول المعنية مباشرة بالحرب في سوريا والعراق وفلسطين، إيقاف الحروب التي ظهرت غايتها واضحة في الهدم والقتل والتشريد وإحياء المنظمات الإرهابية وإذكاء روح التعصب والنزاعات بين الأديان والثقافات. إن استمرارية هذه الحالة، والعجز عن إحلال سلام عادل وشامل ودائم في المنطقة، وإهمال عودة اللاجئين والنازحين والمهجرين إلى أوطانهم وممتلكاتهم بكرامة وعدل، لوصمة عار في جبين القرن الحادي والعشرين.

نداء إلى قداسة البابا فرنسيس

من لنا سوى بطرس - الصخرة نلجأ إليه؟ فإننا نتوجه إليكم، يا خليفة بطرس الرسول، قداسة البابا فرنسيس، ونذكركم بأننا مستعدون أن نلبي دعوتنا إلى القداسة باتباع المخلص على درب آلامه. ولكننا نمثل كنائس نشأت في أرض شرقنا منذ عهد الرسل، ولها العريق من لغة وثقافة وحضارة، أضحى وجودها في خطر حقيقي. جميعنا شارك في مؤتمرات وندوات ومقابلات، وحاولنا أن ننقل إلى العالم بشاعة الظلم الذي لحق بشعبنا المسيحي. ولكننا لسنا تلك "الأمة" الممتدة شرقا وغربا، ولا تلك التي تسترعي اهتمام عمالقة المال، ولقد أضحينا ذاك "القطيع الصغير" والمسالم! فلم يبق سواك يا قداسة البابا، لتدعو الممثلين عن المتحكمين بمصائر الشعوب، كي تذكرهم بل توبخهم بأن الإستمرار بتهجير المسيحيين من الشرق الأوسط هو بالتأكيد مشروع إبادة، وهو كارثة إنسانية، بل نيل من حضارة المعمورة.

وقد قرر المجلس عقد مؤتمره المقبل في البطريركية الكلدانية في أربيل - العراق، ما بين 14 و18 أيار 2018، بضيافة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو، تحت عنوان "الشبيبة علامة رجاء في بلدان الشرق الأوسط".

خاتمة

من هذا المكان المبارك، الكرسي البطريركي الماروني في الديمان، المكرس على اسم أمنا مريم العذراء سيدة الإنتقال التي سنحتفل بعيدها في الاسبوع القادم، وقرب وادي القديسين الذي يعبق بشذى أريج النقاوة والقداسة والشهادة للرب يسوع ولإنجيله حتى الإستشهاد حبا به، نجدد مشاعر المحبة الأبوية وعواطف التضامن والتعاضد مع أبنائنا في الشرق الذين يؤدون الشهادة للرب يسوع وسط عالم مضطرب تتلاطمه الأمواج العاتية مهددة وجودهم، ونمنحهم جميعا بركتنا الرسولية، مذكرينهم بقول معلمنا الإلهي: "ستعانون الشدة في هذا العالم، فتشجعوا. أنا غلبت العالم (يو16: 33)، تشجعوا، أنا هو، لا تخافوا (مت14: 27)... ها أنا معكم كل الأيام حتى انقضاء الدهر (مت28: 20)".