موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٠ مايو / أيار ٢٠١٣
البطريرك يونان يترأس قداساً في ذكرى تأسيس تيلي لوميار ونورسات

المتحف - أبونا :

ترأس بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للسريان الكاثوليك مار اغناطيوس الثالث يونان قداسا احتفاليا في كاتدرائية سيدة البشارة- المتحف قبل ظهر اليوم، لمناسبة الذكرى ال23 لتأسيس قناة "تيلي لوميار" والعاشرة لتأسيس قناة "نورسات"، المتزامنة مع عيد العنصرة، في حضور ممثل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وزير الاعلام وليد الداعوق، ممثل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي المطران رولان ابو جودة، الكاثوليكوس بيدروس نرسيس التاسع عشر، النائب غسان مخيبر، الوزير السابق وديع الخازن، مطران السريان الارثوذكس دانييل كورية، النائب البطريركي للروم الكاثوليك ميخائيل أبرص، رئيس المركز الكاثوليكي للاعلام الاب عبدو ابو كسم، الاستاذ نعمة الله افرام، مدير عام قناة "تيلي لوميار" جاك كلاس والمسؤولين في القناة وشخصيات.

والقى البطريرك يونان العظة التالية:

"أتينا اليوم للمشاركة كإخوة وأخوات في ذبيحة القداس الإلهية، لنشكر الرب بنوع خاص على عطيته السامية لنا التي وعد بها التلاميذ: الروح القدوس، وهو الأقنوم الثالث المتّحد مع الآب والإبن لتقديسنا... وكما يقول المزمور: "ما أجمل أن يجتمع الإخوة معاً...".
- تُحدِّثنا القراءات التي سمعناها من الكتاب المقدس عن معنى هذا العيد العظيم، الذي ندعوه باللغات السامية "العنصرة"، وبحسب اللغة اليونانية "الفينطيكوستي" أي عيد اليوم الخمسين للقيامة. وهو عيد حلول الروح القدّوس على التلاميذ المجتمعين حول العذراء الطوباوية مريم في العلّية.

- في ختام الإنجيل بحسب متى الرسول، استمعنا إلى الرب القائم ظافراً من بين الأموات يرسل تلاميذه أن: "إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس، وعلّموهم أن يعملوا كلّ ما أوصيتكم به...". فالروح المعزيّ الذي كان قد وعدهم به، هو عينه الروح القدّوس، الأقنوم المتّحد والمساوي للآب الخالق، والإبن المخلّص في سرّ وحدة الثالوث. هذا السرّ الخفيّ من الدهور الأكثر عمقاً وسموّاً في إيماننا المسيحي، والذي يستحيل أن يفقه كنهه أيُّ عقل بشري...

- في القراءة الأولى، يُحدِّثنا سفر أعمال الرسل الذي كتبه لوقا الأنطاكي، بأنّ الروح القدّوس، قد حلّ على التلاميذ المجتمعين في أورشليم حول العذراء مريم، "بدويٍّ كريح عاصفة"، وبشكل "ألسنة من نار"، فامتلأوا منه. ووقف سمعان كيفا رئيس الرسل يكرز جهراً للآلاف من البشر الآتين من الشَتات، يذكّرهم باكتمال النبوءات بسرّ الفداء الذي أتمّه المسيح الرب، بآلامه وموته وقيامته. وبعد أن كان التلاميذ الجليليون قد تشتّتوا خائفين، نراهم ينطلقون ليحملوا البشرى السارّة إلى العالم أجمع دون عنف أو مَكر، بل بقوّة الروح وحده، حتى الاستشهاد من أجل معلّمهم المحبوب.

- وفي القراءة الثانية، يذكّرنا بولس رسول الأمم حسبما كتب لكنيسة كورنثس، أنه هو الروح القدّوس عينه الذي يوزّع "مواهبه على كلّ واحد كما يشاء". ويوضح بأنّ هذه المواهب المتنوّعة قد جُعلت لبناء الكنيسة جسد المسيح السرّي. ويتابع الرسول ويقول: "فارغبوا بالمواهب الفضلى... وأنا أدلّكم على أفضل الطرق": المحبة..!

لذا نستطيع القول إنّ عيد العنصرة هو عيد انطلاقة الكنيسة بامتياز. الروح يرافق خطوات الجماعة المسيحية الأولى ويوحّدها، ليعدّها كي تكون العروس التي تتألّق بجمال حبّها لعريسها المسيح الفادي، والتي ستُبرهن عن الأمانة لعريسها الإلهي، بالمحبة التي تجمع أولادها بعضهم مع بعض، محبة تبني دون غشّ ولا رياء..!

العنصرة، يقول البابا بنديكتوس الذي باركنا بزيارته التاريخية في أيلول الماضي، هي انطلاقة "الكرازة الجديدة". والكرازة لفظة سريانية ܟܳܪܽܘܙܽܘܬܳܐ تعني إعلان البشرى السارة. فهي لا تعني الكرازة بإنجيل جديد، بل هي المتجدّدة أسلوباً، كي تعطي جواباً يناسب علامات الأزمنة وحاجات البشر والشعوب اليوم... لأنّ يسوع المسيح "هو هو أمسِ واليوم وإلى الأبد" (عبرانيين 13: 8).

- وعيد "العنصرة" هو كما تعلمون العيد السنوي لمؤسسة ذات رسالة إعلامية فريدة ومميّزة، مؤسسة نحبّها جميعاً، وغالباً ما استيقظنا لنصلّي معها أو نتأمّل معها بأسرار إيماننا. لقد عرفناها وتابعناها وهي تضيء نفوس المؤمنين في بلدان المشرق وسائر أصقاع العالم. هي المؤسسة الإعلامية التي نفخر بها وندين لها بالشكر العميق، المتمثّلة بالقنوات الرائدة حاملة النور: "تيلي لوميير" وقد مرّت 23 سنة على انطلاقتها، وفضائية العائلة "نور سات" التي تعيّد ميلادها العاشر، وفضائية الشباب "نور الشباب" التي تطوي عامين من عمرها الفتيّ الواعد...

- هذه القنوات الثلاث إنما هي إطلالاتٌ سماويةٌ انطلقت من لبنان، لتبارك لبنان أرضاً وشعباً، وتقرّب بين كنائسنا، وتعرّف عن تراثنا العريق والغنيّ بتنوّعه، وتربّي أطفالنا، وترافق شبابنا، وتدافع عن قيم العائلة المسيحية المهدَّدة كياناً وأخلاقاً...

- لقد سعت تيلي لوميير ونورسات ونور الشباب، وما زالت تجهد كي تكون في عصرنا اليوم شاهدةً للبشارة المحيية، وللوحدة المسيحية، وللمحبة الشاملة.

• بشهادتها للبشارة المحيية، عرفت أن تكرز بكلام الله الموحى في الكتاب المقدس، وقدّمت البرامج الكتابية التي تتلائم وأعمار المشاهدين، أبحاثاً وأفلاماً، وبالتقنيات العصرية المتوفّرة، بالرغم من قلّة الموارد نسبةً لقنوات شبيهة. فجاءت كرازتها ثمرةً من أعمال الروح القدس، ترشدنا إلى المعلّم الإلهي، وتحثّنا على تذوّق كلمة الحياة، كبشرى سارّة لخلاص بشريتنا المعذّبة. تلك هي خبرة الجماعة المسيحية الأولى التي رأت كلام الله ينتشر بالوعظ والشهادة (أعمال 6/7).

• وبشهادتها للوحدة المسيحية، برهنت على أنها تجمع ولا تفرّق بين المسيحيين والكنائس، وقدّمت بمساواة قدر المستطاع، إرثَنا الليتورجي العريق والغنيّ بتنوُّعه، بنقلها الاحتفالات الدينية، لا سيّما ذبيحة القداس الإلهية. كذلك العبادات والصلوات والترانيم من طقسية قديمة وحديثة، وزيارات لدور العبادة والأماكن الأثرية، في لبنان وسائر بلادنا المشرقية. لقد حقّقت نجاحاً منقطع النظير على درب الوحدة المسيحية، إذ كرّست برامج مطوَّلة ومتنوّعة لإكرام أمّنا الطوباوية مريم والدة الله وأمّ الكنيسة، إن في تلاوة الوردية، وإن في الترانيم والصلوات الخاصة بها. وهي الأمّ السماوية، "أمّ النور"، التي رافقت ولا تزال تضيء طريق قنوات النور.

• ولقد برعت هذه القنوات الثلاث، ومَن سار بوحيها، بالشهادة للمحبة الشاملة، التي لا تعرف تمييزاً ولا إقصاءً. والمحبة هي أفضل المواهب التي يغمرنا بها الروح القدّوس، تعرف كيف: "تصبر وترفق... وتفرح بالحق، وهي لن تزول أبداً"، كما يذكّرنا بولس الرسول. ونقولها بكلّ اعتزاز، دون الإنتقاص من فضلٍ لآخرين، إنّ المحبة ستظلّ هويتنا المسيحية بامتياز، لأننا بها عُرفنا تلاميذاً للمسيح بدايةً في أنطاكية... وإلى أقاصي المعمورة. لذا لم يتوانَ المسؤولون والعاملون في "تيلي لوميير"، عن تجسيد المحبة الفاعلة، ففتحوا قلوبهم وبسطوا أيديهم لمن طرق بابهم، للمحتاج والمهجّر، للغريب كما للقريب... مجسّدين أعمال الرحمة التي ترضي قلب المعلّم الإلهي.

- نثمّن الجهود الرائعة التي جعلت تيلي لوميير ونورسات ونور الشباب، شبكاتِ إعلام مسيحي يؤدّي رسالة المحبة والسلام، بأسلوب حضاري يترفّع عن المماحكات والاحتكار الأناني لدينٍ أو طائفة أو نظام سياسي. وإقراراً بالحقيقة والتزاماً بالحق، نرى واجباً علينا أن نشكر جميع الذين ساهموا في إطلاق هذه المؤسّسة الإعلامية، من روّادٍ مؤسّسين، إكليروساً ومؤمنين ومؤمنات، ومن داعمين متبرّعين، إن بأوقاتهم، أو كفاءاتهم أو أموالهم. كذلك نقدّر جهود مقدّمي البرامج، والمشاركين والعاملين في مختلف جوانب الإعلام الديني المرئي والمسموع. إننا نفخر بهم، وغالبيتهم من المتطوّعين، ما زالوا يقاسمون وقتهم، ويكرّسون كفاءاتهم، ويتبرّعون بسخاءٍ من مالهم. لقد آلوا على أنفسهم أن يحملوا هذه الرسالة الرائعة بلغة عالمنا المعاصر، التي تكاد تكون حصراً لأصحاب النفوذ والأموال، الذين يتبنّون عولمةً تؤلّه البشر وتعطي الأولوية للمادّة. وبينهم مَن يحثّ على كراهية الآخر واستبعاده، ومن يشحن النفوس ويغتال الأمل في قلوب أجيالنا الصاعدة.

- وبالرغم من الضغوط، والحاجة الماسّة للدعم المالي، لم تكن هذه القنوات الإرسالية يوماً خانعةً لسلاطين المال، ولا ابتغت ربحاً مادّياً. ولأنها مُغرَمةٌ بربح النفوس للمسيح، ظلّت أمينةً لرسالتها، كما أرادها مؤسّسها المعتكف والحاضر دوماً، الزاهد في حطام الدنيا، الذي يتوخّى درب الكمال، كما خطّه له معلّمه الإلهي، الذي لم يكن له حجر يسند اليه رأسه!!

- وإذ نتابع احتفالنا بسر المحبة على مذبح الفداء، لا يجوز لنا أن نتناسى ما حلّ بإخوةٍ وأخواتٍ لنا من نكباتٍ وتهجير، في سوريا والعراق البلدين الغاليين، فحلّوا ضيوفاً بيننا، وفتحنا لهم قلوبنا وبيوتنا ومؤسّساتنا. لنصلِّ بحرارةٍ وإيمانٍ كي تعود الألفة بين جميع مكوّنات البلد الواحد، فيحلّ السلام والأمان شرطاً ضرورياً لبناء البشر والحجر. ولنضاعف الإبتهال لله أبي المراحم كي يُفرَج عن المطرانين الجليلين يوحنا وبولس المخطوفين في حلب. ونطالب من هذا المنبر القوى الإقليمية والدولية التي تدعم الفئات الخاطفة ألا يكتفوا بالتنديد والتحسّر، بل يقوموا بخطواتٍ جدّية لإطلاق سراح الحبرين المذكورين، اللذين لا ذنب ولا انتماء سياسياً لهما في الصراع الدائر في سوريا الجريحة.

- ويشهد التاريخ بأنّ لبناننا الحبيب، قياساً لمساحته الصغيرة وموارده الطبيعية الضئيلة، كان على مدى تاريخه وما يزال، البلد الأكثر ضيافةً والمحطّة الأكبر وسعاً للاجئين. ولكي لا تتفاقم الأمور سوءاً، من الضروري أن نرتّب البيت، ونشعر مع المواطنين الذين يئنّون من الضائقة المادّية التي نقلتهم إلى ما دون مستوى الفقر. لذا فالمطلوب من الذين أؤتُمنوا على الشؤون السياسية أن يكفّوا عن النظر شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، فيتّفقوا فيما بينهم لكي يؤدّوا واجباتهم، وأوّلها اليوم، هو التوافق على قانونٍ انتخابي يؤمّن التمثيل الصحيح والعادل لجميع المكوّنات، أكثريةً كانوا أم أقلية، فيتساوى الجميع في الواجبات كما في الحقوق.

"تعال أيّها الروح القدس واملأنا من مواهبك، وأشعِل فينا نعمة حبّك!"

ولتشملكم جميعاً بركة الثالوث الأقدس، الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، له المجد إلى الأبد، آمين.