موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٦ أغسطس / آب ٢٠١٧
البطريرك يونان: الفوضى هي أكبر عدو للمكونات الصغيرة في الشرق الأوسط

بيروت – وكالات :

عقد بطريرك السريان الكاثوليك أغناطيوس يوسف الثالث يونان، ندوة صحافية في المركز الكاثوليكي للإعلام في لبنان تحت عنوان "تجذر مسيحيي الشرق في أرضهم".

وقال: "ليس الوقت هنا كي نعيد ما حدث لاخوتنا وأخواتنا المسيحيين في العراق منذ ما يقرب من العقدين، وفي سوريا منذ ما يقرب من سبع سنوات. كلنا نعلم الآلام والمعاناة، دوامة العنف التي حدثت في العراق وجعلته يعيش في الفوضى، وكذلك الصراعات في سوريا التي غذاها بعض الفوضى أكبر عدو للمكونات الصغيرة والمسالمة الأقوياء في العالم، مستغلين التعصب الطائفي وما يسمى أيضا الجهاد التكفيري حتى يخلق في هذا البلد، جار لبنان، الفوضى التي هي أكبر عدو للمكونات الصغيرة، المسالمة والنزيهة في شرقنا الأوسط، ومن بين هولاء، المسيحيون هم الاكثر استهدافا. يقولون لنا إن المسيحيين ليسوا مختلفين عن غيرهم من الاديان والطوائف الاخرى الذين عانوا الحروب والصراعات والجرائم التكفيرية والاضطهاد والتهجير والقتل، ما هو صحيح، إن المسيحيون لم يختلفوا عن غيرهم، ولكنهم المكون الاكثر استهدافا والأكثر تعرضا لمصيرهم في هذا الشرق لأنهم يعتبرون أنفسهم مكونا أصيلا، ولكن لا يقبله البعض إن كان أولئك التكفريون أو المتسلطون الجبناء في حكوماتهم، أو الدول التي تسعى لتحقيق مصالحها بطريقة نسميها "الوصولية"، وقد عانينا من هذه السياسة التي تسعى فقط للمصلحة".

أضاف: "نحن نقر بأن المرجعيات الاسلامية تدعو الى بقائنا في الشرق، ونشكر لها هذه البادرات، انما هناك عناصر تسعى وتساهم لتهجيرنا من ارضنا وموطننا الأصلي. نحن مكون أساسي في الشرق منذ آلاف السنين ولدينا ايماننا بالرب يسوع مخلصنا، رسول السلام والمحبة والأخوة والذي دعانا لمحبة الجميع وحتى الاعداء. نحن موجودون في هذا الشرق كمكون حضاري ومعروف اننا ساهمنا في تكوين حضارة هذا المشرق، ومشهود لنا أننا كنا في أساس النهضة العربية في القرنين الأخيرين. لكن، للاسف، هناك من يريد اقتلاعنا من موطننا الأصلي في الشرق، إن كان بشكل مباشر إراديا من خلال العصابات التكفيرية المجرمة التي ساهمت باقتلاعنا، أو بطريقة غير مباشرة، هي عدم الاكتراث لنا لأننا لسنا أمة بالعدد ولا نملك آبار البترول، ولا نهدد أحدا بأعمال إرهابية، لذلك أهملنا. اليوم علينا أن نقلب صفحة الماضي ونصلط الأضواء على حاضرنا".

واردف: "هناك النقاط السلبية: التهجير، الاقتلاع وعدم تمكننا من إقناع أولادنا وشعبنا أن يبقوا في أرضهم، لأنهم للأسف فقدوا الثقة بالذين يحكمونهم، وطبعا خافوا على مصير مستقبل أولادهم بسبب الإرهاب الذي تم وحصل في السنوات الأخيرة، نحن لا نتهم احدا ولا نريد أن نكفر احدا، لكن للاسف هناك من كفرنا. عندما نعود الى قرانا، إن كان في العراق وسوريا، نجد آثار هذا الترهيب الديني، الحرق وتكسير الصلبان والايقونات وحرق الكنائس، وهذا ما أنا يالذات رأيته، في حين أن هذه الآثار غير موجودة في مناطق أخرى، وهذا ما يسمى بعامل انتقامي ناتج عن الكراهية. اليوم علينا أن نفكر كيف نساعد شعبنا للبقاء والتجذر في أرضهم رغم كل ما حل بهم. نحن تعودنا التهجير والاضطهاد والسلب والقتل، نتذكر منذ مئة سنة ما حصل للمسيحيين من أرمن وسريان وكلدان في الدولة العثمانية آنذاك، وماذا حصل أيضاً للمسيحيين في لبنان من تجويع واضطهاد، وما يحصل اليوم لشعبنا في العراق وفي سوريا وهو اشبه بابادة".

وتابع: "اليوم نريد أن يعود أهلنا ويبقوا متجذرين، اليوم نحن نتعزى بما يصلنا من صور واخبار عن عودة ابنائنا الى سهل نينوى واعادة البناء، ولكننا نذكر ان المساعدات كلها تأتي من المؤسسات الكنسية المحلية والاقليمية والعالمية وليس من الحكومات التي هي بعيدة عن التفكير بواجباتها لترميم ومساعدة الأهل للعودة إلى بيوتهم. كما نفرح بدعوة الرعاة الكنسيين لمن يرغب بان يعود إختياريا، ونحن كبطاركة سعينا ونسعى ونصرخ ونطلب من الدول مساعدتنا بالمحافظة على تجذر ابنائنا في ارضهم، ونطلب من القيمين على مصير العالم أن يساعدونا أن نبقى متجذرين في أرضنا، فنحن لا نريد ان نهجر، وهذا ما ذكرناه في اتصالاتنا ولقاءاتنا مع الحكام والدول. نطالب ان نبقى، حتى نعيش بكرامتنا الإنسانية ونحافظ على إيماننا".

وسأل: "كيف نساعد اولادنا على العودة؟ علينا ان نطالب الحكومات المحلية بتأمين الأمن والسلام والاستقرار وإنشاء إدارات ذاتية لتأمين نوع من الأمان والاستقرار لابنائنا في أرضهم. من ناحية أخرى، علينا أن نذكر بأن لبنان اليوم، على صغر مساحته وعلى قلة الموارد، أرض خصبة لاستقبال النازحين من مسيحيين وغير مسيحيين، ولا سيما اولادنا الذين اقتلعوا من أرضهم بحثا عن الامان. البعض من هولاء يريدون العودة الى ارضهم، ونحن سعينا لدى فخامة رئيس الجمهورية للنظر في امرهم وإعفائهم من الغرامات، وابدى فخامته استعداده لذلك مشكورا، وكذلك نشكر المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم ومعالي وزير الداخلية نهاد المشنوق لسعيهما في هذا الإطار، خاصة بالنسبة لعودة العراقيية الذين يحتاجون لإستقلال الطائرات للوصول إلى بلدهم، نحن ممتنون لهم وسنتابع هذه المساعي حتى نعطي لاولادنا نوعا من الامل".

وأضاف: "يسوع قال للتلاميذ "انا هو لا تخافوا". نحن مستعدون لحمل الصليب وبذل الذات من اجل الايمان بالرب يسوع، لكن يجب ان نعرف نعطي معنى لحمل الصليب بالشهادة للرب بكرامتنا وحتى الاستشهاد، ونحن في الشرق كنيسة شاهدة للرب بحياتها وشهيدة له لا تخاف ان تبذل حياتها في سبيل ايمانها بالرب يسوع".

وختم بالقول: "نحن كي نطمئن اولادنا، يجب ان تكون هناك اصلاحات حقيقية تعطينا الامل بالمستقبل. أنا ذكرت واذكر دائما مبدأ فصل الدين عن الدولة، حان الوقت كي نعرف ان نقدم الديانة بمفهوم المطالبة بحرية الانسان ونحن نطالب اخوتنا المسلمين بجميع مرجعياتهم بموقف واضح بقبول الآخر المختلف دينيا، وهنا يجب ان تكون للحكومات والمجالس النيابية الجرأة كي تراجع دساتيرها وقوانينها بما يتناسب مع الحرية وقبول الآخر والمواطنة، وهذا ضروري لاقناع ابنائنا بالعودة الى الارض. نحن ككنيسة لا نتدخل في شوون الدولة انما نعلم قول الحقيقة بالمحبة وجعل القوانين على مستوى واحد بين جميع المواطنين".